الاستعمال وإنْ كثر لا يكشف عن الوضع
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
يقولون عادة إنَّ كثيراً من المعاجم لا يمكن الاعتماد عليها لمعرفة الأوضاع اللغويَّة وذلك لأنَّ أكثرها إنَّما تذكر موارد الاستعمال، والاستعمال أعمُّ من الوضع.
أقول: ألا يكون ذكر صاحب المعجم للمعنى المستعمَل قرينة على أنَّه كثر استعماله في المعنى بحيث تحقَّق الوضع التعيُّني، وعليه فيتحقَّق الوضع والاشتراك في المعنى مثلا؟
الجواب:
الأرجح أنَّ الغالب في الأوضاع اللُّغويَّة هو أنَّها تعيُّنيَّة إلا أنَّ مجرَّد إفادة اللُّغوي أنَّ هذا اللفظ مستعملٌ في هذا المعنى لا يُنتج الجزم أو حتى الوثوق ببلوغ الاستعمال مرتبة الوضع، فإنَّ الوضع -الذي هو من الملازمات العقليَّة الواقعيَّة الذاتيَّة أو المجعولة أو من الأمور الاعتباريَّة بتقريباتها المختلفة- لا يمكن احراز تحقُّقه بين لفظٍ ومعنى لمجرَّد قول اللُّغوي أنَّ هذا اللفظ استعمله العرب في هذا المعنى -وإنْ كان كثيراً- خصوصاً مع الالتفات إلى أنَّ الاستعمالات كثيراً ما تكون مكتنِفة بقرائن معيِّنة للمعنى المراد، ومع الالتفات الى أنَّ اللُّغوي إنَّما هو بصدد بيان موارد استعمال العرب للفظ بقطع النظر عن أنَّ الاستعمال حقيقيٌّ أو مجازي، ولولا ذلك لكانت كلُّ الالفاظ أو جلُّها من المشتركات اللفظيَّة، وذلك ما لا يلتزم به اللغويُّون رغم أنَّهم ينصُّون على معانٍ متعددة لكلِّ لفظ ونادراً ما يذكرون أنَّ هذا اللفظ مشترك، وهو ما يكشف عن أنَّهم متنبِّهون إلى أنَّهم بصدد بيان موارد الاستعمال وليسوا بصدد بيان الأوضاع اللغوية.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور