ولايةُ الأب الرضاعي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد

 

المسألة:

هل تثبت الولاية على الابن الرضاعي أو البنت الرضاعيَّة للأب الرضاعي أم هي مخصوصة بالأب النسبي، وكذلك سائر الأحكام الثابتة للأب النسبي مثل عدم قطعه بسرقة أموال ولده، وعدم القصاص منه بقتل ولده، وعدم حرمة الربا بينهما، هل تثبت هذه الأحكام للأب الرضاعي؟ وما هو المستند في ذلك؟ وهل يصحُّ الاستدلال على نفي مثل هذه الولاية بأصالة عدم الولاية؟

 

الجواب:

أدلة تنزيل صاحب اللبن منزلة الأب النسبي ظاهرةٌ في التنزيل من جهة حرمة النكاح وما يلحق به من أحكام، فلا يُتعدَّى من ذلك إلى غيره إلا بدليل كما في موارد العتق، نعم لو استظهرنا عموم التنزيل من مثل قوله (ص): "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"(1) لصحَّ تعديةُ جميع الأحكام المجعولة على الأب النسبي إلى الأب الرضاعي، وذلك لأنَّ أدلة التنزيل حاكمة على أدلة الأحكام المجعولة للأب النسبي، فتقتضي التوسيع في دائرة موضوع هذه الأحكام، فبعد أنْ كان موضوعُها الأبَ النسبي يُصبح موضوعها الأعمَّ من الأب النسبي والرضاعي. إلا أنَّه ونظراً لعدم ظهور أدلة التنزيل في عموم التنزيل وأنَّ غاية ما يظهر منها هو التنزيل من جهة حرمة النكاح لذلك فالأحكام الأخرى الثابتة للأب النسبي لا يصحُّ تعديتُها للأب الرضاعي.

 

وبيان ذلك: إنَّ مثل قوله (ص): "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" ظاهرٌ بمقتضى مناسبات الحكم والموضوع في تنزيل الرضاع منزلة النسب من جهة اقتضاء بعض العلائق النسبية لحرمة النكاح، فمعنى الحديث الشريف هو أنَّ كلَّ العلائق والعناوين الرضاعيَّة المشابهة للعناوين النسبية المحرِّمة تكون محرِّمةً هي أيضاً، فكما أنَّ مثل الأخوَّة والبنوة والخؤولة النسبيَّة محرِّمة للنكاح فكذلك ما يُشبهها من العناوين بسبب الرضاع تكونُ محرِّمة للنكاح.

 

فلأنَّ ما يُحرِّمه النسب إنَّما هو النكاح دون غيره فكذلك يكون ما يحرِّمه الرضاع، نعم ثمة أحكام موضوعها النسب كوجوب النفقة والتوارث والولاية، فهذه الأحكام موضوعها النسب وليس موضوعها ما يُحرِّمه النسب والذي هو موضوع القضية في الحديث الشريف، فالحديث لم يقل الرضاع نسب وإنَّما أفاد بأنَّ هناك أمرٌ مأنوس ومعروف يُحرِّمه النسب هذا الشيء المأنوس يحرِّمه الرضاع أيضاً. فليس في الحديث الشريف ما يقتضي عموم التنزيل.

 

ويُؤيِّد ذلك أنَّ الروايات الكثيرة التي تصدَّت لتطبيق التنزيل على موارده لم تُطبِّقه على غير مسائل النكاح ولواحقه، فمِن تلك الروايات:

 

منها: صحيحة أيوب بن نوح قال: كتب عليُّ بن شعيب إلى أبي الحسن (ع): امرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز لي أنْ أتزوَّج بعض ولدها؟ فكتب (ع): "لا يجوز ذلك لك لانَّ ولدها صارت بمنزلة ولدك"(2).

 

ومنها: صحيحة البزنطي، عن الرضا (ع) قال: سألتُه عن امرأةٍ أرضعت جاريةً ثم ولدت أولاداً ثم أرضعت غلاماً يحلُّ للغلام أنْ يتزوَّج تلك الجارية التي أرضعت؟ قال: "لا، هي أختُه"(3).

 

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني (ع) -في حديث في الرضاع- قال: "لو كنَّ عشراً متفرِّقات ما حلَّ لك منهنَّ شيء وكنَّ في موضع بناتك"(4).

 

فلو كان الأب الرضاعي مثلاً منزَّل منزلة الأب النسبي في غير النكاح ولواحقه لكان ذلك واضحاً لا يخفى لعموم الابتلاء بمثل مسائل الولاية على البكر والصغير والمجنون ومسائل النفقة والحضانة، فلم يُعهد في الروايات تعدية الأحكام المتصلة بذلك للأب والأم الرضاعيين.

 

وعليه فيصحُّ التمسك بأصالة عدم جعل الولاية، وعدم وجوب النفقة كما يصحُّ التمسُّك بعموم حرمة الربا، وبعموم أنَّ لوليِّ الدم القصاص من القاتل وإنْ كان أباً رضاعيَّاً للمقتول ويصحُّ التمسُّك بعموم أنَّ السارق يُقطع وإن كان أبا رضاعيَّاً للمسروق منه وهكذا.

 

وذلك لأنَّ ما دلًّ على مثل أنَّ الأب لا يُقاد بولده، ولا يُقطع بسرقة أموال ولده، وأنَّ للأم حقَّ الحضانة ظاهرة في ترتُّب هذه الأحكام على عناوينها الحقيقية، فيكفي لعدم ثبوت هذه الأحكام للعناوين الرضاعية عدم ثبوت التنزيل في موردها، وذلك ما يُصحِّح التمسُّك بمثل عموم ما دلَّ على أنَّ القاتل يُقتل والسارق يُقطع كما يُصحِّح جريان الأصول النافية في موارد الفقدان للعمومات.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- الكافي -الشيخ الكليني- ج5 / ص437.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص404.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص393.

4- الكافي -الشيخ الكليني- ج5 / ص442.