التقليدُ الأعمى الذي ذمَّه القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
مدلول آيات الذمِّ للتقليد:
قوله تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ / وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾([1]).
الواضح مِن مساق الآية المباركة أنَّها بصدد الذمِّ للتقليد والتشنيعِ على مَن يتَّخذ التقليد ذريعةً يُبرِّر بها ما يعتمده من أفكار ورؤى ومعتقدات، وليست هذه الآية وحدها المتصدِّية لذمِّ التقليد بل إنَّ ثمة أياتٍ عديدة شنَّع فيها القرآنُ الكريم على مَن يتَّخذون التقليد منهجًا في مختلف شؤونهم الحياتية والاعتقادية، فمن ذلك قولُه تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾([2]) ويقول الله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ / قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾([3]) فمثلُ هذه الآيات متصدِّية لتسفيه ما يُبرِّر به هؤلاء سلوكَهم ومعتقداتِهم، فهم يتذرَّعون في ذلك بتقليد الآباء، والقرآن يُجيبهم أنَّه كيف يصحُّ تقليد الآباء إذا كانوا لا يعقلون ولا يهتدون!! وهل ذلك إلا من اعتماد مَن يجهل الطريق إلى غايته على آخر مثله يجهل الطريق ألن يؤدِّي ذلك إلى المزيد من الضياع والضلال.
إنَّ القران بذمِّه للتقليد يدعو للتحرُّر من التعصُّب للآباء والقوميَّات والمورثات التي نسجتها الثقافات المبتنية على العادات ووالتقاليد المأنوسة على غير هدىً من الله تعالى، فهو يدعو للتعقُّل والتفكُّر والتأمُّل والتدبُّر والمراجعة لمجمل الأفكار والرؤى التي ليس لها منشأ سوى الانسياق والأنس بما كان عليه الأوَّلون.
الآيات تذمُّ تقليد الجاهلين:
هذا هو مفاد الآيات المتصدِّية لذمِّ التقليد، فهي تذمُّ التقليد للجاهلين وتذمُّ اغفال العقل والانسياق وراء المأنوس والمألوف على غير هدىً وتأمُّل، فهي ليست بصدد الذمِّ لمطلق التقليد كما توهَّم البعض وتمسَّك بهذه الآيات المباركة للترويج لدعوى أن التقليد في الأحكام الشرعية منافٍ للقرآن الكريم وأنَّ على كلِّ أحدٍ من المكلَّفين أنْ يعتمد رأيه وجُهده للوصول إلى الأحكام الشرعيَّة دون أنْ يعتمد في ذلك على أحد أو يلتزم بفتوى أحد، فهو عاقلٌ وهمْ عقلاء، ومصادرُ التشريع متاحة، فله أنْ ينظر فيها ويستنبطَ منها حكمَ الله تعالى فيما يتَّصل بمختلفِ شؤونه.
فالجوابُ عن هذه الدعوى يتَّضح جليًّا بأدنى تأمُّلٍ في الآيات التي تلوناها، فهي إنَّما تذمُّ التقليد للجاهلين، والتقليدَ المبتني على التعصُّب للآباء والمورثات القوميَّة، وتذمُّ التقليد الناشئ عن الأنس بالمألوف المناسب للأهواء، وأما التفليد الذي يعتمدُه العقلاء بما هم عقلاء في شؤونهم الحياتية فإنَّ الآيات ليست متصدِّية لذمِّه، فتقليدُ غير المتخصِّص لذوي التخصُّص في موردِ تخصُّصهم ليس من التقليد المذموم بل هو الوسيلة المعتمدَة لدى العقلاء في تدبير شؤونهم، فالعقلاء على اختلاف مشاربهم وأديانهم لا يختلفون في أنَّ تقليد غير المتخصِّص للمتخصِّص أمرٌ ليس راجحًا وحسب بل هو ضرورة يقوم عليها نظامُ الحياة، ولولاه لما أمكن للحياة الانسانيَّة أنْ تنتظم أو تستمر، ولو استمرَّت فإنَّه لن يُتاح لها النمو والتكامل، إذ ليس في وسع كلِّ أحد الإحاطة بكلِّ العلوم والمعارف بل يتعسَّر على الإنسان الاحاطة بنوعين أو ثلاثة من العلوم، ولذلك جرت سيرةُ العقلاء على أنْ يتخصَّص كلُّ فريق في حقلٍ من حقول العلم والمعرفة، فإذا أتقنوه رجع الناسُ إليهم في ذلك العلم بما فيهم المتخصِّصون في علومٍ أخرى، فالمهندسون مثلًا وكذلك الفلاسفة والفقهاء وعلماء الفلك والفيزياء يرجعون كما يرجع سائر الناس إلى الأطباء في تشخيص أدوائهم واستفتائهم في وصف الدواءِ المناسب لهم، ويرجع الأطباءُ أنفسهم للمهندسين مثلًا وعلماء الفلك في الشؤون المتَّصلة بتخصُّصهم، فالطبيبُ الذي يجلس صباحًا في عيادته فيقصده الناسُ ويتحلَّقون حول مكتبه ينتظرون الإذن للدخول عليه واستفتائه فيما يجدونه من آلام، هذا الطبيب نفسُه يقصدُ مكتب المهندس عصرًا وينتظر الإذن للدخول عليه ليستفتيه ويستشيرُه فيما يتَّصل بتخصصه، بل إنَّ هذا الطبيب المتخصِّص في العظام مثلًا يرجع إلى طبيب القلب حين يجد ألمًا في قلبه، ويرجع طبيبُ القلب إليه حين تُكسر ساقُه أو يجد ألمًا في مفاصلِه، تلك هي سيرةُ العقلاء المنتِجة لانتظام الحياة وتكامل الإنسان، فلو كان البناء أن يتخصَّص الإنسان في كلِّ شيء لما وسِعه أن يُتقن شيئًا لسعةِ كلِّ حقل من حقول العلم وتشعُّبه ومحدودية الإنسان في سنين عمره وطاقته واستعداده الذهني، فالحياة لا تنتظم، والانسان لا يتكامل إلا حين يتم التقاسم للأدوار.
التقليد ضرورة عقلائية وعليه انتظام المعاش:
ومن ذلك يتَّضح منشأ ضروروة الرجوع للفقيه الجامع للشرائط في التعرُّف على الأحكام الشرعية، فالعلم بالأحكام الشرعيَّة واستنباطها من مصادرها علمٌ واسع ومتشعِّب، شأنُه في ذلك شأنُ سائر العلوم، فلا يُتاح لكلِّ أحد الاستقلال في استنباط الاحكام من مصادرها، ليس لقصور الناس في عقولِهم واستعداداتِهم الذهنيَّة بل لأنَّهم في شغلٍ بشؤونهم وتخصُّصاتهم عن التمحُّض في تحصيل المقدِّمات المنتجة للقدرة على استنباط الأحكام وفق الضوابط العقلائيَّة. فكما أنَّ الفقيه الجامع للشرائط عاجزٌ لو انتابه ألمٌ عن تشخيص مرضِه وتشخيص الدواء المناسب له وذلك لتوقف التشخيص على مقدِّمات طويلةٍ وشاقَّة ليس له من الوقت ما يسع لتحصيلها واتقانها كذلك ليس في وسع الطبيب وعالم الاحياء والفيزياء لضيق وقته واشتغاله بتخصُّصه ليس في وسعه الإحاطة بالمقدِّمات الطويلة والشاقة التي تُؤهِّله للقدرة على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها، ولذلك يرجع كلٌّ للآخر فيما يرتبط بتخصُّصه.
التقليد ليس مصادرة للعقول:
وأمَّا القول بأنَّني عاقل وهم عقلاء، ومصادر التشريع متاحةٌ في الأسواق فهو قول انشائي ينطوي على مغالطة بيِّنة، فلا ريب أنَّك وهم من العقلاء، ولأنَّك من العقلاء لذلك ستُدرك بقليلٍ من التأمُّل والإنصاف أنَّه لا يليقُ بالعاقل اقتحام حقلٍ من العلوم قبل الاتقان الكامل لأدواتِه ووسائله، ولو فعل فإنَّ العقلاء سوف تستهجنُ فعله ولن تثقَ بتشخيصه. فلو تصدَّى غيرُ المتخصِّص في الطب لمعالجة المرضى ووصف الدواءَ لهم فإنَّ العقلاء سوف يستهجنون ذلك منه ولن يثقوا بتشخيصه، وسوف يرمون مَن يقصده ويعتمد قولَه من المرضى بالسفَه والحماقة، ذلك لأنَّهم يُجازفون بأنفسهم لقبلوهم بعرضها على من لا خبرةَ له بالطب، وكذلك لو تصدَّى غير المهندس للاشراف على بناء جسر مثلًا فإنَّ العقلاء سوف يُعيبون على مَن يقبل بتصدِّيه لذلك، وسوف يحذرون من عبور هذا الجسر خشية انهياره بهم أو عليهم. وسوف يرمون هذا المتصدِّي بالتجاسر والحماقة، وهكذا هو الشأن في تصدِّي غير المتخصِّص في العلوم الدينية فإنَّ العلوم الشرعية لا تقلُّ شأنًا في عمقِها ودقَّتها وتشعُّبها عن سائر العلوم.
مصادر التشريع متاحة .. كذلك مصادر الطب والهندسة:
ودعوى أنَّ مصادر التشريع مدوَّنة ومتاحة لكلِّ أحد كدعوى أنَّ كتب الطب والفلسفة والاحياء والفلك متاحة في الأسواق وعلى المواقع الأكترونية، فهل يُصحِّح العقلاءمجرَّد النظر في كتب الطب التصدِّي لمعالجة المرضى وإجراء العمليات الجراحية؟! أم أنَّ ذلك يتوقَّف على أنْ يكون المتصدِّي واجداً لملكة الطبابة وأنَّ وصوله لهذه المرتبة لا يتمُّ إلا بعد جهدٍ مُضنٍ يبذله في سبيل تحصيل هذه الملكة تحت رعايةٍ ومتابعة ممَّن سبقوه في هذا التخصص، فبعد أنْ يشرفوا على تعليمه سنين طوال ويمتحنوا اتقانه ويمارس تحت نظارتهم مهنة الطبابة ليتثبَّتوا من أهليَّته، حينذاك يعترفون له بالقدرة على مزاولة هذه المهنة، فيجد حينها العقلاء ما يُبرِّر رجوعَهم إليه واعتماد تشخيصه. فكما أنَّ مجرد النظر والمطالعة في كتب الطبِّ لا تُؤهِّل الناظر فيها لمزاولةِ مهنة الطبابة كذلك فإنَّ النظر في مصادر التشريع لا تُؤهل الناظر فيها لاستنباط الاحكام الشرعية.
فالقائل بأنَّ مصادر التشريع مُتاحة في الأسواق أشبه شيء بمَن يذهب للسوق فيشتري كلَّ أدوات النجارة ويحملُها إلى بيته فهل يتوهَّم عاقلٌ أنَّ ذلك وحده كافٍ لصيروته نجارًا؟!!.
وهنُ دعوى احتكار الفقهاء لفهم الدين:
وممَّا ذكرناه يتَّضح وهنُ دعوى من يدَّعي أنَّ الفقهاء يحتكرون فهمَ الدين لمجرَّد أنَّهم يفتون بعدم صلاحيَّة غير الفقيه لاستنباط الأحكام الشرعيَّة من مصادرها. فإنَّ ما يُفتي به الفقهاء يُفتي به الأطباءُ والمهندِّسون وعلماءُ الفيزياء والكيمياء والفلك، فكلُّ هؤلاء وأشباههِم لايحتكرون الفهم لعلومهم وإنَّما يُنبِّهون على شرطٍ مُدرَكٍ بالبداهة وهو أنَّ أحدًا لا يسعُه إبداء رأيٍ في علمٍ من العلوم ما لم يكن مُحيطًا بتفاصيله ودقائقه، فكلُّ مَن أراد أن يُعطيَ رأيًا محترمًا في علمٍ من العلوم فإنَّ عليه أولًا أنْ يسلك الطريق الذي سلكَه العارفون بذلك العلم، فإذا بلغَ من ذلك العلم مبلغَ الاتقان ساغ له كما ساغ لغيره من العارفين بذلك العلم أنْ يُعطيَ رأيًا في أيِّ مسألةٍ من مسائلِه، وليس لأحدٍ أنْ يحجرَ عليه إبداء الرأي في مسائله بعد أنْ أصبح من ذوي الرأي في ذلك العلم.
ذلك هو منشأ ما يفتي به الفقهاء من عدم صلاحية كلِّ أحد لاستنباط الأحكام الشرعيَّة من مصادرها، فالفقاهة ليست حِكرًا على أحد بل هي متاحة لكلِّ أحدٍ سلك طريق الوصول إليها بقطع النظر عن جنسه وعِرقه، فإذا صرف في طريقها وقتَه وجهده واستجمعَ لتحصيل مقدِّماتها قواه وطاقته فأتقنَ علوم العربية بمختلف تشعُّباتها وأتقنَ علم المنطق وعلوم القرآن وقواعد التفسير، وصار من ذوي الرأي في علمِ الحديث والدراية وكلِّيات علم الرجال والطبقات، وأتقنَ علم الأصول وهو مِن أدقِّ هذه العلوم وأكثرها تشعُّبًا، فإذا صار من ذوي الرأي في هذا العلم وأحاط معها بالمهمِّ من فروع الفقه فحينذاك يتأهَّل لاستنباط الأحكام الشرعيَّة من مصادرها. وفيما عدا ذلك يتعيَّن عليه إمَّا الإحتياط إنْ كان قادرًا على تشخيص مواردِه أو التقليد كما قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾([4]) وكما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾([5]).
فالآية الأولى تُنِّبهُ على قضية كليَّةٍ مرتكزة في جبلَّة العقلاء، وهي أنَّ مَن لا يعلم يرجع إلى مَن يعلم، والآيةُ الثانية تُرشد إلى أنَّ المؤمنين لا يسعُهم كافَّة أن ينصرفوا إلى طلب العلم الديني وإلا لاختلَّ نظامُ معاشهم، لذلك يتعيَّن عليهم كفايةً أنْ ينفر من كلِّ فريقٍ منهم جماعةٌ لطلبِ العلم الديني، فإذا تفقَّهوا في الدين كان لهم التصدِّي للفتيا والانذار، وكان على المؤمنين الاستناد إليهم في الوقوف والتعرُّف على أحكام الدِّين لغرض التمثُّلِ لها، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾.
التقليد يخصُّ الفروع دون الأصول.. لماذا:
ثم إنَّ هنا أمرًا يجدرُ بنا التذكير به رغم وضوحِه ممَّا تقدَّم، وهو أنَّ التقليد الذي يتعيَّن على المكلَّف سلوكَه إن لم يكن قد بلغَ رتبة الاجتهاد إنَّما يختصُّ بالفروع الشرعيَّة من الواجبات والمحرَّمات وسائر الأحكام، وأما أُصول الدين كالتوحيد والنبوَّة والامامة والمعاد فليست موردًا للتقليد بل يتعيَّن على كلِّ مكلَّف الوصول إليها بواسطة البرهان، وتحصيل اليقين بهذه الأصول اجمالًا لا يسترعي من المكلَّفين جهدًا مضنيًا ووقتًا طويلًا يختلُّ بصرفه نظامُ الحياة، فهي إمَّا أنْ تكون مُدرَكة بالفطرة التي لا يتوقَّف الإذعان بها على أكثر من التنبيه، وذلك مثل مسائل التوحيد الأساسيَّة أو تكون البرهنة عليها بحاجة إلى مقدِّمات بعضها بديهيَّة وبعضها ميسورة الفهم كمسائل النبوَّة وكذلك الإمامة، فإذا أذعَن المكلَّف بالنبوَّة أمكنَه الوصول للإمامة والمعاد بواسطة ما يثبتُ صدوره عن النبيِّ (ص) فالبرهان على صدق النبيِّ (ص) يكفي وحده للإيمان بما يخبر عنه من إمامة الأئمة (ع) والمعاد. وأمَّا تفاصيل المسائل الاعتقادية فيكفي الإيمان بها إجمالًا بمعنى أنْ يعتقد المكلف بأنَّ كل ما يثبت صدورُه عن النبيِّ (ص) فهو حقٌّ.
ومِن هنا لا يكون الإيمان اللازم بأُصول الدين بحاجةٍ إلى تخصُّص كما هو الشأن في الفروع التي يسترعي الوقوف على مدارِكها صرفَ العُمْر كلِّه في تحصيلها، فالإيمان بوجود الله تعالى أدركتْه تلك العجوز بفطرتِها حين سُئلت عنه فأجابت بقولها: البعرةُ تدل على البعير وأثرُ الأقدام يدلُّ على المسير أفسماءٌ ذات أبراج وأرض ذاتُ فِجاج ألا يدلَّان على الواحد القهار. والإيمان بالنبوَّة يثبتُ بمثل الإعجاز والآثار القطعيَّة على الصدق، فإذا ثبَتَ هذان الأصلان ثبتتْ بقية الأصول. وأمَّا الفروع الفقهيَّة فنظرًا لكثرتِها وسعتِها وتشعُّبها صارَ الوقوف على مداركِها وأدلتِها بحاجةٍ إلى تخصُّص، وذلك لا يُتاح لكلِّ أحد، فظروفُ الناس واستعداداتِهم متفاوتةٌ على أنَّ نظام الحياة يقومُ على تقاسم الأدوار.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
11 / اكتوبر / 2016م
[1]- سورة الزخرف / 22، 23.
[2]- سورة البقرة / 170.
[3]- سورة الأنبياء / 53-54.
[4]- سورة النحل / 43، سورة الأنبياء / 7.
[5]- سورة التوبة / 122