المقصودُ من اللحم المنهيِّ عن تركه أربعينَ يومًا
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
الرواياتُ المُحذِّرة من ترك تناول اللحم أربعين يوماً هل تشمل لحم الدجاج والسمك أو تختصُّ باللحوم الحمراء؟
الجواب:
ورد في عددٍ من الروايات ما يُعبِّر عن مرجوحيَّة ترك الأكل للحم أربعين يومًا ، فمِن ذلك ما أورَدَه الكلينيُّ بسندٍ صحيح عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "اللَّحْمُ يُنْبِتُ اللَّحْمَ ومَنْ تَرَكَ اللَّحْمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا سَاءَ خُلُقُه .."(1)
والظاهرُ أنَّ المراد من اللَّحم هو ما يعمُّ لحوم الطير كلحم الدجاج، فإنَّ عنوان اللحم صادقٌ عليه عرفًا ولغةً دون عنايةٍ أو حاجةٍ إلى قرينة، ولعلَّ ممَّا يُؤيِّد ذلك أنَّ القرآن الكريم أطلق عنوان اللحم على لحوم الطير في مثل قوله تعالى: ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾(2) ولذلك ورد في صحيحة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ سَيِّدِ الإدَامِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ فَقَالَ: اللَّحْمُ، أمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾"(3) فإنَّ الإمام (ع) استشهد بالآية على ما أفاده من أنَّ اللحم سيِّدُ الإدام رغم أنَّ اللحم في الآيةِ يختصُّ بلحم الطير وهو ما يكشف عن أنَّ المراد من اللحم في صحيحة هشام شاملٌ لمثل لحم الدجاج وسائر لحوم الطير.
وأمَّا لحمُ السمك فالقرآنُ الكريم قد سمَّاه لحمًا أيضًا في مثل قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾(4) وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾(5) لكنَّ الظاهر أنَّ عنوان اللحم منصرفٌ عنه عرفًا ما لم يكن مُكتنِفًا بقرينةٍ تدلُّ على إرادته كما في الآيتين، فإنَّ استظهار إرادة لحم السمك في الآيتين نشأ عن اكتناف الكلام بقرينة تكشف عن إرادة لحم السمك من عنوان اللحم الطري.
وعليه فالظاهرُ أنَّ المراد من اللحم الذي لا يحسن تركُه أربعينَ يومًا لا يشملُ لحم السمك، ويُؤيد ذلك ما ورد في قرب الإسناد بسنده عن الحسين بن علوان عن الإمام جعفر (ع) عن أبيه (ع) قال: قال الإمام عليٌّ عليه السلام: "عليكم باللحم فإنَّ اللحمَ من اللحم، واللحمُ يُنبتُ اللحم"(6)، وقال (ع): "مَن لم يأكل اللحم أربعينَ صباحًا ساءَ خلقُه، وإيَّاكم وأكل السمك فانَّ أكل السمك يُبلِي الجسم"(7) فإنَّ ورود التحذير من أكل السمك -أي الإكثار منه- في سياق الأمر بعدم تركِ أكل اللحم أربعينَ صباحًا ظاهرٌ ظهورًا بيِّنًا في عدم إرادة شمول لحم السمك من الروايات المُحذِّرة من ترك أكل اللحم أربعين يومًا.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- الكافي -الشيخ الكليني- ج6 / ص309.
2- سورة الواقعة / 21.
3- الكافي -الشيخ الكليني- ج6 / ص308.
4- سورة النحل / 14.
5- سورة فاطر / 12.
6- قرب الإسناد -الحميري القمّي- ص107.
7- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج25 / ص42.