الأزليُّ والأبديُّ
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
يرد في كتب الكلام والعقيدة أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أزليٌّ وأبديٌّ، فما معنى ذلك؟
الجواب:
المعنى اللغوي:
الأزَل بفتح الزاي بمعنى القِدَم والأزليُّ هو القديم، وحكى ابنُ منظور عن بعض أهل(1) العلم أنَّ أصل الكلمة هو قولُهم للقديم (لم يزل) ثم نُسب إليه فلم يستقم إلا باختصار، فقالوا (يزلي) ثم أُبدلت الياء ألفًا لأنَّها أخف فقيل (أزلي) كما قالوا في الرمح المنسوب إلى (ذي يزن) (أزني).
وأمَّا الأبَد بفتح الباء فهو بمعنى الدهر والجمع آباد وأُبود، قال: ابنُ المنظور إنَّ سُراقة بن مالك قال: في حديث الحج: أرأيتَ متعتنا هذه ألعامِنا أم للأبَد فقال بل هي للأبد أي لآخرِ الدهر(2).
المعنى الإصطلاحي:
هذا ما يُناسب المقام من المعنى اللغويِّ، وأمَّا في مصطلح المتكلِّمين فإنَّ الأزليَّ والأبديَّ يُعدَّان من أسماء الله الحسنى كما أنَّ الأزليَّة والأبديَّة تُعتبران من صفاته الثبوتيَّة، فإطلاق وصف الأزليِّ عليه سبحانه وتعالى باعتبار قِدَمه، وأمَّا إطلاق وصف الأبدي عليه فباعتبار بقائه إلا أنَّ هذين اللفظين لا يسعان بحسب مدلولهما اللغوي لأكثر من حدَّي الزمان مبدأه ومنتهاه، فالأزليُّ على أحسن التقادير هو مَن كان موجودًا في أول الزمان بمعنى أنَّه لم يخلُ منه زمان، وأمَّا الأبديُّ فهو على أحسن التقادير مَن يستمرُّ وجوده باستمرار وجود الزمان، فلا يُتصوَّر للزمان امتداد دون أن يكون الأبديُّ موجودًا في ظرفِه، وهذان المعنيان لا يتناسبان مع الوجود الإلهيِّ المطلق والذي هو خارجٌ عن إطار الزمان ومُنزَّه عنه، فليس الزمانُ سوى واحدٍ من خلقِه سبحانَه وتعالى.
الأزليُّ والأبديُّ بلحاظ الزمان:
فافتراض أنَّه أزليٌّ أبديٌّ بلحاظ الزمان معناه أنَّ العدم قد تطرَّق إلى ساحته تعالى وأنَّه لم يكن حين لم يكن الزمان، وهذا يتنافى مع وجوب وجودِه والذي يقتضي أنْ يكون وجودُه عينُ ذاته إذ لو لم يكن كذلك لافتقر إلى موجِد وهو خلْفُ افتراضه واجبَ الوجود وأنَّ وجوده ضروريٌّ، فضرورةُ وجوده تستوجب أنْ لا يكونُ وجودُه مسبوقًا بالعدم بقطع النظر عن الزمان كما تستوجب عدم طروء العدم له وإلا لم يكن الوجود واجبًا له، ذلك لأَّن افتراض طروء العدم عليه معناه أنَّ الوجود ليس ذاتيَّاً لذاته، أمَّا حين يكونُ الوجودُ ذاتيَّاً لذاته فإنَّ من المستحيل أن ينفكَّ عنها فإنَّ الذاتيَّ لا ينفك عن ذاتيِّه ولا ينسلبُ عنه، إذ أن الشيء لا ينسلبُ عن نفسِه، وعليه فالمُناسب لمعنى الأزليِّ والأبديِّ أنَّ الأزلي هو مَن لم يسبِقْ وجودَه عدمٌ مُطلقًا كما أنَّ الأبدي هو من لم يطرأْ ولا يطرأُ عليه العدمُ مُطلقًا.
هل هما من الأسماء الحسنى:
وهذان الوصفان لا يناسبان إلا ذات المولى جلَّ وعلا. ولذلك فهما من الصفات الثبوتيَّة لذاته، وأما إنَّهما من أسماء الله الحسنى فهو مبنيٌّ على عدم توقيفيَّة أسمائه الحسنى، وأمَّا بناءً على التوقيفيَّة فإنَّ من غير المناسب إطلاقَ هذين الأسمين عليه تعالى، وإنْ كانا مرادفين لمعنى القديم والباقي الواردَين(3) في أسمائه سبحانه وتعالى فعدمُ ذكر كلٍّ من الأزليِّ والأبديِّ في أسمائه الحسنى الواردة في الروايات المتصدِّية لتَعداد أسمائِه الحسنى سبحانه وتعالى يقتضي عدم صحَّة اطلاق هذين الاسمين على ذات الله جلَّ وعلا بناءً على التوقيفيَّة.
والحمد لله رب العالمين
من كتاب: شؤون قرآنية
الشيخ محمد صنقور
1- لسان العرب -ابن منظور- ج11 / ص14.
2- لسان العرب -ابن منظور- ج3 / ص68.
3- التوحيد -الشيخ الصدوق- ص195، 220، الخصال -الشيخ الصدوق- ص593، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج95 / ص334.