إجزاء الدجاجة والتصدُّق والاشتراك في العقيقة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
هل يجبُ في العقيقةِ الذبحُ لنوعٍ معين من الحيوانات، أم يكفي أنْ أذبحَ دجاجةً مثلاً عن كلِّ فردٍ من العائلة؟ وإذا كان ذلك يكفي فهل يجبُ أنْ يتمَّ الذبحُ أم يكفي شراءُ المذبوحِ جاهزًا بعدد أفرادِ العائلة؟ وهل يكفي ذبحُ عقيقةٍ واحدةٍ عن الجميع؟
الجواب:
لا يُجزي في العقيقةِ إلا ذبحُ واحدٍ من الأنعام الثلاثة، الإبل، أو البقر، أو الغنم، ولا يصحُّ اشتراكُ أكثر من فردٍ في عقيقةٍ واحدة بل لكلِّ فردٍ عقيقةٌ بإستقلالِه.
الدليل على تعيُّن العقيقة في الأنعام الثلاثة:
والدليلُ على تعيُّنِ العقيقةِ في الأنعام الثلاثة أنَّ ذلك هو المأمورُ به في النصوص دون غيرِها، ولا يُجزي غيرُ المأمورِ به عن المأمورِ به، لذلك يبقى المكلَّفُ مُخاطَباً بذبح واحدٍ من الأنعام الثلاثة وإنْ ذبح غيرَها من سائر ما يُباح من الحيوانات، فالنصوصُ وإنْ لم تنفِ الإجزاء عن غيرها إلا أنَّها لم تأمرْ بغيرها، وذلك وحدَه كافٍ في البناءِ على عدمِ إجزاء ماعدا الأنعام الثلاثة.
وكذلك فإنَّ منشأ تعيُّن الذبح وعدم إجزاء شراءِ اللَّحم وإطعام المؤمنين به هو أنَّ المأمورَ به في العقيقة هو الذبحُ، فيكونُ ماعداه خارجاً عمَّا هو مأمورٌ به، ولا يُجزي غيرُ المامور به عن المأمورِ به إلا مع قيام الدليل الخاصِّ على الإجزاء وهو مفقودٌ في المقام، هذا مضافاً إلى أنَّ تعيُّن العقيقة في الأنعام الثلاثة هو مقتضى ما عليه الارتكازُ القطعيُّ عند عموم المتشرِّعة من المسلمين.
ثم إنَّه يُمكن تأييد عدمِ إجزاء غيرِ الأنعام الثلاثة بمعتبرةِ عمَّار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) -في حديث- أنَّه قال في العقيقة: "يُذبح عنه كبشٌ فإن لم يوجد كبشٌ أجزأه ما يجزي في الأُضحية، وإلا فحملٌ أعظمُ ما يكونُ من حملانِ السنة"(1).
وكذلك بما رواه الكليني بسنده عن محمد بن مارد، عن أبي عبد الله (ع) قال: سالتُه عن العقيقة؟ فقال: "شاة أو بقرة أو بدنة"(2).
فالروايةُ ظاهرةٌ في انحصار العقيقة في الثلاث المذكورات بمقتضى الإطلاق المقامي حيثُ إنَّ المُستظهَر من حال الإمام (ع) أنَّه كان في مقام تَعداد ما به تكون العقيقة، ولم يذكر غير الأنعام الثلاثة، نعم لا تصلحُ هذه الرواية لإثبات عدم الإجزاء نظراً لكونِها غيرَ نقيَّة السند، ولكنَّها تصلحُ للتأييد.
دليلُ عدم إجزاءِ الصدقة عن العقيقة:
وأمَّا دليلُ عدم إجزاء التصدُّق بثمن العقيقة مضافاً إلى ماتقدَّم من بيان فهو ما ورد في معتبرة عبد الله بن بكير قال: كنتُ عند أبي عبد الله (ع) فجاءَه رسولُ عمِّه عبد الله بن علي، فقال له: يقول لك عمُّك: إنا طلبنا العقيقةَ فلم نجدْها، فما ترى نتصدَّقُ بثمنِها؟ قال: "لا، إنَّ الله يُحب إطعامَ الطعام وإراقةَ الدماء"(3).
وكذلك يُمكن تأييدُه بما ورد في معتبرة محمد بن مسلم قال: وُلد لأبي جعفرٍ (ع) غلامان جميعاً، فأمرَ زيدَ بن عليٍّ أن يشتريَ له جزورين للعقيقة، وكان زمنَ غلاءٍ فاشترى له واحدةً، وعسرتْ عليه الاخرى، فقال لأبي جعفرٍ (ع): قد عسُرتْ عليَّ الأُخرى، فأتصدَّقُ بثمنِها؟ قال: "لا، اطلبْها، حتى تقدرَ عليها، فإنَّ اللهَ عزَّ وجل يُحبُّ إهراقَ الدماء، وإطعامَ الطعام"(4).
فهذه الرواية ليست في الظهور كالتي سبقتها فإنَّها ليست ظاهرة في أنَّ المعسور هو مطلق العقيقة بل لا يبعد أنَّ المعسور الذي لم يقدر زيدٌ على تحصيله إنما هو الجزور، فنهيُ الامام (ع) له عن التصدُّق بثمنِها يحتمل نشوؤه عن إمكانية ذبح شاةٍ أو بقرةٍ بدلَها، غايتُه أنَّ أمْرَ الامام (ع) له بالحثِّ في طلبِ الجزور إنَّما نشأ عن حرصِه على المزيدِ من الفضل، إذ لا ريب أنَّ الجزور للعقيقة أفضلُ ممَّا سواها. وهذا بخلاف الرواية التي سبقتها فإنَّ مفروضها بحسب الظاهر هو عدم الوجدان لمطلق ما به العقيقة ورغم ذلك فإنَّ الإمام (ع) نهى عن التصدُّق بثمنها، ولذلك يكون مقتضى النهي هو عدم إجزاء التصدُّق في فرض عدم الوجدان للعقيقة فضلاً عن فرض الوجدان.
عدم إجزاء الاشتراك في العقيقة:
وأمَّا عدم إجزاء العقيقة الواحدة عن أكثر من فردٍ، فلأن الواردَ في النصوص هو أنَّ لكلِّ فردٍ عقيقةً مستقلَّة، ولم يردْ ما يظهرُ منه كفاية العقيقة الواحدة عن أكثر من فردٍ، وعليه فلا طريقَ لنا نتثبَّت به للحكم بسقوط الامرِ بالعقيقة في فرض ذبح واحدةٍ عن اثنين أو أكثر، لذلك يبقى المكلَّف مخاطَباً بالعقيقة إلى أنْ يعقَّ عن نفسه أو يعقَّ عنه أبوه عقيقةً مستقلةً، لانَّ ذلك وحده الطريق الذي نُحرزُ معه السقوط للأمر بالعقيقة، وهذا هو معنى عدم إجزاء الاشتراك في العقيقة.
وأمَّا الاستدلال على إجزاء الاشتراك في العقيقة بما ثبت في الأُضحية من إجزائه فغيرُ تام، وذلك لعدم إمكان إلغاء الخصوصيَّة عن الأُضحية بالإضافة للعقيقة، إذ أنَّ الأضحية مؤقتة بوقتٍ محدَّد، وهو عيد الأضحى واليومان اللذان بعده، وأمَّا العقيقة فيمتدُّ وقتها بامتداد العمر، فلعلَّ هذا الفارق كان هو المقتضي للحكم واقعاً بإجزاء الاشتراك في الأضحية وعدم إجزائه في العقيقة، فلانَّ هذا الاحتمال وكذلك غيره قائمٌ، لذلك لا يمكن إلغاءُ الخصوصيَّة عن الأُضحية وتسريةُ الحكم بجواز الاشتراك فيها إلى العقيقة.
هذا ويمكن تأييد الحكم بعدم صحَّة الاشتراك في العقيقة بمثل ما دلَّ على انَّ المُعسِر يتحيَّن اليُسر ليعقَّ عن نفسه وولده، وإذا لم يتَّفق له اليسار فليس عليه شيء، فمِن ذلك ما ورد في معتبرة عمَّار الساباطي، عن أبي عبد الله (ع) قال: "العقيقةً لازمةٌ لمَن كان غنيَّاً، ومَن كان فقيراً إذا أيسرَ فعل، فإنْ لم يقدر على ذلك فليس عليه شيء"(5).
فلو كان الاشتراك مُجزياً في العقيقة لكان هو الخيار قبل تحيُّن اليسار، وكذلك لو كان مُجزياً لوقع الأمرُ به قبل الحكم بسقوط الأمر بالعقيقة لعدم القدرة، فإنَّ الظاهر من قوله: "فإنْ لم يقدر على ذلك فليس عليه شيء "هو عدم قدرتِه على العقيقة المستقلَّة بقطع النظر عن قدرته على الاشتراك أو عدم قدرته مُطلقاً، فالحكمُ بالسقوط في فرض عدم القدرة على العقيقة المستقلَّة معناه عدمُ إجزاء العقيقة المشترَكة وإلا لما سقط الأمرُ بالعقيقة في فرض القدرة على المشترَكة والحال أنَّه يسقطُ بمقتضى الإطلاق في الرواية.
نعم لا يكون الاستدلال بالرواية تامَّاً لولم يُستظهر من قوله: "فإنْ لم يقدر على ذلك" إرادة العقيقة المستقلَّة.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص416.
2- المصدر السابق.
3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص415.
4- المصدر السابق.
5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص419.