التعرِّي أثناء الجماع؟
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
هل يحرمُ على الزوجين التعرِّي حال الجماع؟ وإذا لم يكن حراماً هل هو مكروه؟ وهل يوجدُ في رواياتِ أهل البيت (ع) ما يدلُّ على الحرمة أو الكراهة؟ وهل الحرمة أو الكراهة خاصَّة بأحد الزوجين أو بهما معاً؟ وإذا كان حراماً فهل عليهما أو على الزوج كفارة لو فعلا ذلك؟ ومتى يتحقَّق التعرِّي؟ هل هو بالتجرُّد من تمام الثياب؟
الجواب:
ورد في روايات أهل البيت (ع) النهي عن التعرِّي أثناء الجماع:
فمِن ذلك ما رواه الشيخ الصدوق في العلل بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد العلوي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (ع) عن النبيِّ (ص) قال: "إذا تجامعَ الرجلُ والمرأة فلا يتعرَّيان فعلَ الحمارين فانَّ الملائكة تخرجُ من بينهما إذا فعلا ذلك"(1).
ومنه: ما رواهُ الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده عن محمد بن العيص أنَّه سأل أبا عبد الله (ع) فقال له: أُجامع وأنا عريان؟ فقال: "لا، ولا مستقبل القبلة، ولا مستدبرها"(2).
وورد قريباً من ذلك في طرق العامة عن الرسول الكريم (ص):
فمن ذلك ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (ص): "إذا أتى أحدُكم أهلَه فليستر عليه وعلى أهله، قال: ولا يتعرَّيان تعرِّي الحمير"(3).
ومنه: ما أخرجه ابن ماجه في سُننِه بسنده عن عتبة بن عبد السلمي، قال: قال رسولُ الله (ص): "إذا أتى أحدُكم أهله فليستتِرْ، ولا يتجرَّد تجرُّدَ العيرين"(4).
فلمثل هذه الروايات قيل بكراهة التعرِّي أثناء الجماع، ولم يُحمل النهي الوارد فيها على الحرمة نظراً لضعف أسناد هذه الروايات مضافاً لوضوح عدم الحرمة، إذ لو كان التعرِّي حال الجماع مُحرَّماً لكان من الحرام البيِّن، نظراً لكون المسألة ممَّا يعمُّ الابتلاء بها، فلو كانت الحرمة ثابتةً لكانت بيِّنة، خصوصاً مع قيام الضرورة الفقهيَّة، ودلالة الروايات على جواز تجرُّد كلٍّ من الزوجين أمام الآخر، وجواز نظر كلٍّ منهما لعورةِ الآخر.
ويُمكن تأييد حمل النهي في الروايات المذكورة على الكراهة بما ورد في الكافي بسندٍ لا بأس به عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن (ع): "في الرجل يُجامع فيقع عنه ثوبه؟ قال: لا بأس"(5). فإنَّه لو كان التعرِّي محرَّماً لكان محرَّماً ابتداءً واستمراراً، وهو ما يقتضي الأمر بتسوية الثوب بعد وقوعِها اتفاقاً أثناء المعاشرة.
والمتحصَّل أنَّ التعرِّي أثناء المعاشرة الزوجيَّة مكروهٌ أو مرجوحٌ، وليس حراماً، والكراهةُ لو ثبتت فهي للزوجين وليست خاصَّة بالزوج، فرواية محمد بن العيص وإنْ كانت دلالتها قاصرةً عن ثبوت الكراهة لغير الزوج ولكنَّ رواية العلوي واضحة في شمول الكراهة لكلٍّ من الزوجين.
وأمَّا ما هو المرادُ من التعرِّي فالظاهر هو التجرُّد من تمام الثياب، فلا يصدقُ التعرِّي لو كان على كلٍّ من الزوجين قميصاً وشبهه، وكذلك لا يصدق التعرِّي لو كان كلٌّ منهما ملتحفاً بإزار أو غطاءٍ ونحوه، ويُمكن تأييد ذلك بما ورد في رواية موسى بن بكر عن أبي الحسن (ع) فإنَّ وقوع الثوب من على الزوج أثناء الجماع لا يتَّفق لو كان قميصاً، على أنَّ الثوب يصدق على مثل الإزار ومطلق ما يُغطَّى به البدن أو بعضه.
الشيخ محمد صنقور
1- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص518.
2- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج7 / ص412.
3- المعجم الكبير -الطبراني- ج8 / ص164.
4- سنن ابن ماجه -محمد بن يزيد القزويني- ج1 / ص619.
5- الكافي -الشيخ الكليني- ج5 / ص497.