وسْمُ الدابَّة في وجهِها
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ محمد وآل محمد
المسألة:
ورد في روايةٍ عن الإمام الصادق (ع): إنَّ للدابَّة على صاحبها حقوقاً وذكر منها: "أنْ لا يسمَها في وجهِها" فما معنى ذلك؟
الجواب:
الروايةُ المُشار اليها أوردها البرقي في المحاسن بسنده إلى السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: "للدابَّةِ على صاحبِها ستةُ حقوق: لا يُحمِّلها فوق طاقتِها، ولا يتَّخذ ظهرَها مجالسَ يتحدَّث عليها، ويبدأ بعلفِها اذا نزل، ولا يسمها في وجهها، ولا يضربها في وجهها فإنَّها تُسبِّح، ويعرض عليها الماء اذا مرَّ به"(1).
وأرورد الشيخُ الطوسي الرواية بسندٍ معتبرٍ عن السكوني إلا انَّه ذكر: "ولا يشتمها، ولا يضربها في وجهها"(2) بدلاً من "ولا يسمها في وجهها" وأورده الكلينيُّ في الكافي الروايةَ بنفس السند إلا انَّه ذكر "ولا يسمها"(3) ولم يذكر "في وجهها" نعم أوردها الصدوق في الامالي بسنده عن السكوني وذكر "ولا يسمها في وجهها" إلا انَّه قال في صدر الرواية "للدابَّة علي صاحبها سبعةُ حقوق" وليس "ستة حقوق" والسابع: "ولا يضربها على النفار ويضربُها على العثار لأنَّها ترى ما لا ترون"(4).
وكيف كان فالمُراد من قوله (ع): "ولا يسِمها" هو النهي عن وسم الدابَّة في وجهها، والوسم هو الكَي بحديدةٍ محمَّاة بالنار كما في قوله تعالى: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾(5) يعني سنكويه بحديدةٍ ملتهبةٍ على أنفه.
والغرضُ من كيِّ الدابَّة بالحديدةِ المحمَّاة هو جعل ذلك علامةً يتمُّ بها تشخيصها حتى لا تشتبه بأملاك الآخرين من الأنعام، ولذلك سُمِّي هذا النحو من الكَيِّ وسماً، لأنَّ الأصل اللُّغوي لمعنى الوَسم والوسام هو العلامة.
فعادةُ أصحاب الأنعام والدواب تعليم أنعامهم ودوابِّهم بعلامةٍ خاصَّة تُميِّزها عن أنعام ودوابِّ الآخرين، وغالباً ما تكون بواسطة الكَيِّ بالميسم، والمَيسمُ حديدةٌ تُصاغ على هيئةٍ خاصة ثم تُحمَّى بالنار ثم تُوضع على جسد الحيوان فتنطبع تلك الهيئة على جسده فيكون ذلك علامةً على انَّ هذا الحيوان ملك لصاحب تلك الهيئة وذلك الشعار.
وقد وقع النهي في رواياتٍ عديدة عن الوسم للدابَّة في الوجه، منها هذه الرواية.
ومنها: معتبرةُ إسحاق بن عمار قال: سالتُ أبا عبد الله (ع) عن وسم المواشي؟ فقال: "تُوسم في غير وجوهِها"(6).
ومنها: معتبرة الحلبيِّ، سأل أبا عبد الله (ع) عن وسم المواشيقال (ع): " لا باسَ به إلا ما كان في الوجه"(7).
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- المحاسن -أحمد بن محمد بن خالد البرقي- ج2 / ص627.
2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج11 / ص480.
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق.
5- سورة القلم / 16.
6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج11 / ص486.
7- المصدر السابق.