نبش قبر الرضيع وقطف رأسه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ محمد وآل محمد
المسألة:
هل هناك نصٌّ مُعتبر على أنَّه قد تمَّ نبش قبر عبدالله الرضيع من خلف الخيام واستُخرج جثمانُه وتمَّ قطعُ رأسه، كما يرد ذلك في السرد التاريخي وأنَّ أحدى القبائل ممَّن شارك في حرب الحسين (ع) لم تحظَ برأسٍ تتباهى بحمله فاهتدوا إلى رأس عبدالله الرضيع ابن الإمام الحسين (ع)؟
الجواب:
لا ريب أنَّ رضيعاً أو طفلاً صغيراً للحسين (ع) ذُبح يوم عاشوراء بسهمٍ أو مشقصٍ أو نشَّابة وهو في حجر أبيه (ع) أو على يديه، فقد تظافرت النصوصُ التأريخيَّة في ذلك من الفريقين، فقد ورد اسمُه ومقتلُه في زيارة الناحية المقدسة قال (ع): السلام على عبد الله بن الحسين، الطفلِ الرضيعِ، المرمِّي الصريع، المتشحِّط دماً، المصعَّدِ دمُه في السماء، المذبوحِ بالسهم في حجرِ أبيه، لعن اللهُ راميه حرملةَ بن كاهل الأسدي"(1).
وأورد مقتلَه من علمائنا مثلُ الشيخ الطبرسي في الإحتجاج والشيخُ المفيد في الإرشاد قال: "ثم جلس الحسينُ (عليه السلام) أمام الفسطاط فأُتي بابنِه عبد الله بن الحسين وهو طفلٌ فأجلسَه في حجره، فرماه رجلٌ من بني أسد بسهمٍ فذبحه، فتلقَّى الحسينُ (ع) دمَه، فلمَّا ملأ كفَّه صبَّه في الأرض ثم قال: "ربِّ إنْ تكنْ حبستَ عنَّا النصرَ من السماءِ، فاجعل ذلك لِما هو خير، وانتقمْ لنا من هؤلاءِ القومِ الظالمين" ثم حملَه حتى وضعَه مع قتلى أهلِه"(2).
وثمة روايةٌ أوردها ابنُ نما الحلِّي في مثير الأحزان والسيدُ ابن طاووس في الملهوف عن الإمام الباقر (ع): أنَّ الحسين (ع) "رَمى بالدم نحوَ السماءِ فلم تسقطْ من الدمِ قطرةٌ إلى الأرض"(3) وهو مناسبٌ لما ورد في زيارة الناحية.
وذكر مقتلَ الطفل أو الرضيع من مؤرخي العامَّة مثلُ البلاذري في أنساب الأشراف(4)، وابنُ قُتيبة الدينوري في الأخبار الطوال(5)، والطبريُّ في تاريخه(6) والخوارزميُّ في مقتل الحسين(ع) (7) وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيِّين(8)، وابنُ كثيرٍ في البداية والنهاية(9)، وابنُ الجوزي في المنتظم(10) وغيرُهم كثير.
فهذا المقدارُ ثابتٌ دون ريب، نعم وقع الخلافُ من جهةِ أنَّ الحسين (ع) هل حفَرَ له بجفنِ السيف ودفنَه أو أنَّه وضعَه مع القتلى من بني هاشم،
وأمَّا أنَّ احدى القبائل التي شاركتْ في حربِ الحسين (ع) نبشتْ قبرَ الطفل، وأخرجتْ جُثمانَه، وقطفتْ رأسَه لتتباهى به عند ابنِ زياد فهو وإنْ لم يكن مُستبعَداً على هؤلاءِ اللئام، فهم من الخِسَّة والدناءةِ بمستوىً لا يُستبعدُ صدورُ مثلِ هذا الفعلِ الشنيع منهم إلا انَّ هذا الخبر لم نجدْ له ذكراً في شيءٍ من مصادرِنا أو مصادرِ العامَّة، نعم أوردَ هذا الخبرَ الشيخُ محمد باقر الفشاركي من أصفهان (رحمه الله) المتوفى سنة 1314ه كما حُكيَ عنه في كتابٍ له اسمُه عنوان الكلام باللغة الفارسيَّة، ولم يُسنِد هذا الخبر إلى مصدرٍ كما هو الشأنُ في الكثير ممَّا أورده في كتابِه، وهو نفسُه قد صرَّح في كتابِه الذي كان عبارة عن محاضراتٍ كان يختمُها بذكر مصائبِ الإمام الحسين (ع) صرَّح بأنَّه لم يعتمدْ فيما ينقلُه على الكتب المعتبَرة أو المشهورة، فكان يكتفي فيما ينقلُه بما يُوجب عنده الظنَّ بل والإحتمال(11).
ولذلك لا يصحُّ التعويلُ على هذا الخبر كما لا يصحُّ التعويلُ على كلِّ ما تفرَّد بنقلِه في كتابِه عنوان الكلام، ولا ينبغي للخطباء الكِرام أنْ ينقلوا مثلَ هذا الخبر على المنابر حرصاً على المصداقيَّة.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص74، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج45 / ص66.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى -الشيخ الطبرسي- ج1 / ص466، الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص108.
3- مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص52، اللهوف في قتلى الطفوف -السيد ابن طاووس- ص69.
4- أنساب الأشراف -أحمد بن يحيى بن جابر ( البلاذري)- ج3 / ص201.
5- الأخبار الطوال -ابن قتيبة الدينوري- ص258.
6- تاريخ الطبري -محمد بن جرير الطبري- ج4 / ص342.
7- مقتل الحسين (ع) -الخوارزمي- ج2 / ص37.
8- مقاتل الطالبيين -أبي الفرج الأصفهاني- ص59.
9- البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص203.
10- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص340.
11-عنوان الكلام -الشيخُ محمد باقر الفشاركي- ص293.