رأسُ الحسينِ (ع) يُطاف به في الحواضر الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

بعد رفع رأس الإمام الحسين (ع) على الرمح هل ظلَّ مرفوعًا إلى أنْ دُفن مع الإمام الحسين (ع) يوم الأربعين، أرجو توضيح المسألة؟

الجواب:

لقد طافوا بالرأس الشريف الكثيرَ من الحواضر الإسلامية، فقد طافوا به في أزقَّة الكوفة وأحيائها وأسواقِها، يقولُ الشيخ المفيد في الإرشاد: "ولمَّا أصبح عبيدُ الله بن زياد بعث برأس الحسين (عليه السلام) فدِيرَ به في سُكك الكوفة كلِّها وقبائلها"(1) ثم تمَّ صلبُه على باب قصر الإمارة(2) وطافوا به كذلك في أحياء دمشق، وكانوا يتعمَّدون العبور به في الطرق المكتظَّةِ بالنّاس، ثُمّ تمَّ صلبُه في دمشق ثلاثة أيام وهذا المقدار ثابتٌ لاستفاضة نقلِه عن الفريقين(3).

وكذلك طِيف بالرأس الشريف في عموم مدائن الشام وغيرها كما أفاد ذلك القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار، قال: "ثم أمر يزيد .. برأس الحسين (عليه السلام) فطِيف به في مدائن الشام وغيرها"(4).

ومن الحواضر الإسلامية التي مرَّوا عليها بالرأس الشريف -كما قيل- مدينة نصيبين(5) ذكر ذلك أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي (ت 511ه) في كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات قال: "في مدينة نصيبين مشهد النقطة يُقال إنَّه من دم الحسين (ع) وفي سوق النشابين مشهد الرأس فإنّه عُلّق هناك لما عبروا بالسبي إلى الشام"(6).

ومن تلك الحواضر أو المنازل التي قيل إنَّهم مرَّوا عليها بالرأس الشريف منزلًا يقال له قنسرين(7)، ذكر ذلك ابن شهراشوب في المناقب نقلًا عن النطنزي في الخصائص قال: لمَّا جاؤوا برأس الحسين ونزلوا منزلاً يُقال له قنسرين اطلع راهب من صومعته .."(8) وأشار لذلك أيضًا الخوارزمي في مقتل الحسين(ع)(9).

وثمة حواضرُ أخرى مرَّت عليها سبايا الحسين (ع) ومعها الرأسُ الشريف مثل مدينة الموصل، ونصيبين، وعسقلان(10)، وحماة(11)، وحِمْص ومدينة حلب كما أشار لذلك ابنُ شهراشوب في المناقب قال: "ومن مناقبه (ع) ما ظهر من المشاهد التي يُقال لها مشهد الرأس من كربلاء إلى عسقلان وما بينهما في الموصل ونصيبين وحماة وحمص ودمشق وغير ذلك" وأشار إلى حلب ابن العديم (ت: 660) في بغية الطلب(12).

هذا وكان الرأس الشريف في كلِّ حاضرة يدخلونها أو يمرُّون بها معلَّقًا على الرمح، وذلك لغرض إرهاب النّاس وتعريفهم بهيبة الدولة وسطوتها وأنَّها لن ترعى لأحدٍ حرمةً مهما كان موقعه الديني أو الاجتماعي إذا ترتَّب على وجوده وهنٌ لسلطانها وهيمنتها.

حمل رأس الحسين (ع) إلى مدينة الرسول (ص):

ومن المدن التي حُمل إليها رأس الحسين (ع) هي مدينة الرسول (ص) كما نصَّ على ذلك العديد من المؤرَّخين(13) يقول القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار: ولما أمر -يزيد- بأنْ يُطاف برأس الحسين (عليه السلام) في البلدان أُتي به إلى المدينة، وعاملُه عليها يومئذٍ عمرو بن سعيد الأشدق .."(14).

وفي أنساب الأشراف للبلاذري: إنَّ رأس الحسين (ع) نُصب في مدينة الرسول (ص) كما نُصب في دمشق ثلاثًا وكما نُصب في الكوفة قال: وحدثنا عمر بن شبة قال: حدثني أبو بكر عيسى بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه قال: رعِف عمرو بن سعيد على منبر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) فقال بيار الأسلمي -وكان زاجرا-: إنَّه ليوم دم. قال: فجِيءَ برأس الحسين (ع) فنُصب فصرخ نساء آل أبي طالب فقال مروان:

عجّت نساء بني زبيد عجّة ** كعجيج نسوتنا غداة الأرنب .."(15).

وأما أنَّ الرأس الشريف هل ظلَّ مرفوعاً إلى حين دفنه؟

فجوابه إنَّ الرأس الشريف قد يُرفع عن الرمح فيُوضع في طستٍ كما وقع ذلك في مجلس يزيد، وكذلك في مجلس ابن زياد قبل ذلك، وقد يُوضع في طومار أو صندوقٍ وعلى صخرةٍ عندما ينزل به جنود النظام الأموي في واحدٍ من منازل الطريق.

 وهل تمَّ إرجاع الرأس الشريف إلى كربلاء يوم الأربعين فمختلفٌ فيه بين العلماء، والأرجح عندي أنّ إرجاعه قد تمّ بعد هذا التاريخ وقد فصَّلنا ذلك في مقالٍ مستقل تحت عنوان حملُ رأس الحسين (ع) إلى مدينة الرسول (ص) . فإرجاع الرأس الشريف إلى كربلاء متسالَمٌ عليه بين علمائنا والاختلاف إنَّما هو في تاريخ الإرجاع.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

17 / محرم / 1427هـ


1- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص117، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص473، الدر النظيم -ابن حاتم المشغري العاملي- ص561.

2- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص351، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج18 / ص445، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص341، الطبقات الكبرى -ابن سعد- ترجمة الإمام الحسين ص80، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص208. 

3- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج69 / ص160، المحبر -محمد حبيب البغدادي (ت 245)- ص490، المنخب من ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين -الطبري- ص25، بستان الواعظين ورياض السامعين -أبو الفرج ابن الجوزي- ج1 / ص264، سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج3 / ص319، مقتل الحسين -الخوارزمي- ج2 / ص66، 81.

4- شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص159.

5- نصيبين: بالفتح ثم الكسر .. وهي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادَّة القوافل من الموصل إلى الشام، وفيها وفي قراها على ما يذكر أهلها أربعون ألف بستان، بينها وبين سنجار تسعة فراسخ، وبينها وبين الموصل ستة أيام" معجم البلدان -ياقوت الحموي- ج5 / ص288. وفي الموسوعة العربيَّة نصيبين: مدينة سورية قديمة، تقع إلى الشمال من مدينة القامشلي، ولا يفصل بينهما سوى الخط الحديدي، وهي اليوم نقطة عبور بين الحدود السورية والتركية، يمر منها نهر جغجغ أحد روافد الخابور.

6- الإشارات إلى معرفة الزيارت -أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي- ج1 / ص60. الأعلاق الخصيرة في أمراء الشام والجزيرة -ابن شداد الحلبي (ت 684)- ج1 / ص133.

7- قِنِّسرين: بكسر أوله، وفتح ثانيه وتشديده مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص معجم البلدان -الحموي- وفي الموسوعة العربيَّة قِنِّسْرين إحدى أهم المدن الآرامية في سورية الطبيعية، تقع جنوبي مدينة حلب بـنحو 25 كيلومتراً.

8- مناقب آل أب طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص217.

9- مقتل الحسين -الخوارزمي- ج2 / ص116.

10- عسقلان: عسقلان: بفتح أوله، وسكون ثانيه ثم قاف، وآخره نون .. وهي مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين ويقال لها عروس الشام "معجم البلدان -الحموي-".

11- حماة: بالفتح مدينة كبيرة عظيمة كثيرة الخيرات بينها وبين دمشق خمسة أيام للقوافل، وبينها وبين حلب أربعة أيام. معجم البلدان الحموي

12- مناقب آل أب طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص235. بغية الطلب في تاريخ حلب -ابن العديم الحلبي- ج1 / ص470.

13- الطبقات الكبرى ترجمة الإمام الحسين -ابن سعد- ص 84-85، الأمالي الخميسيَّة للشجري -يحيى بن الحسن الجرجاني- ص248، مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص57، مرآة الجنان -اليافعي- ج1 / ص109-110، مقتل الحسين -الخوارزمي- ج1 / ص75، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص344، تاريخ الإسلام -الذهبي- ج5 / ص20، تذكرة الخواص -سبط ابن الجوزية- ص301.

14-شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص159.

15- أنساب الأشراف -البلاذري- ج3 / ص218.