المصلحة السلوكيَّة والأثر التكويني

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل القول بالمصلحة السلوكيَّة يستلزم القول بعدم وجود الأثر التكويني لأكل الحرام اشتباهاً مثلا وذلك اعتماداً على الأمارة بعد سلوك سبيلها؟

الجواب:

القول بحجيَّة الأمارات من باب المصلحة السلوكيَّة لا يستلزمُ البناء على انتفاء الأثر التكويني لفعل الحرام لو كان له أثرٌ تكوينيٌ واقعاً.

وذلك لأنَّ المراد من مبنى المصلحة السلوكيَّة هو أنَّ سلوك مفاد الأمارة -والعمل على وفق ما تقتضيه- مشتملٌ على مصلحة يُتدارَك بها ما يفوتُ من مصلحة الحكم الواقعي عند اتِّفاق مخالفة مفاد الأمارة للحكم الواقعي، ومعنى ذلك هو أنَّ الواقع المجهول لدى المكلَّف يظلُّ منحفظاً في ظرف سلوك مفاد الأمارة.

ففي فرض قيام الأمارة على جواز ترك المبيت بمنى ليلة الحادي عشر اختياراً والاستعاضة عنه بذبح شاة وكان الواقع هو تعيُّن المبيت على المكلَّف فإنَّ هذا المكلَّف لو ترك المبيت وذبح شاةً استناداً إلى ما قامت عليه الأمارة فإنَّ سلوكه لمؤدَّى هذه الأمارة يُحدِث مصلحةً يُتدارَك بها ما فاته من مصلحة الواقع، وهذا لا يعني انتفاء مصلحة الواقع عن المبيت بحيث يُصبح المبيت فاقداً للمصلحة المقتضية لإيجابه بل إنَّ هذه المصلحة تظلُّ على حالها وقد فاتته، غايته أنْ سلوكه للأمارة أوجب حدوث مصلحةٍ في مؤدَّاها، وهذه المصلحة مساوقةٌ لمقدار ما فاته من مصلحة الواقع.

وهكذا الحال بالنسبة لمفروض السؤال فلو أنَّ ملاك تحريم الميتة هو ما يترتَّب على أكلها من أثرٍ تكويني سيء فإنَّه لو قامت الأمارة على حليِّة هذا اللحم فتناوله المكلفُ استناداً لهذه الأمارة وكان في الواقع ميتة محرمة فإنَّ سلوكه للأمارة أحدث مصلحةً في مؤدَّاها يُستعاض بهذه المصلحة عن المفسدة الواقعيَّة المتعلِّقة بتناول الميتة، فالمفسدةُ لا تنتفي بسلوك الأمارة بل إنَّ ما يُنتجه سلوكُ الأمارة هو حدوث مصلحة يُتدارَك بها المفسدة التي وقع فيها.

والمتحصَّل إنَّ مبنى المصلحة السلوكيَّة وإنْ كان فاسداً إلا أنَّه لا يترتَّب عليه المحذور المذكور.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور