سندُ وتفسير رواية: (أول المهديِّين)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد آل محمد
المسألة:
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيِّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) -في الليلة التي كانت فيها وفاتُه- لعليٍّ (عليه السلام): يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا عليُّ إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهديَّاً، فأنت ياعليُّ أوَّلُ الاثني عشر إماماً سمَّاك اللهُ تعالى في سمائه: عليَّاً المرتضى، وأميرَ المؤمنين، والصديِّقَ الأكبر، والفاروقَ الأعظم، والمأمونَ، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحدٍ غيرك. يا عليُّ أنت وصيي على أهل بيتي حيِّهم وميتهم .. وأنت خليفتي على أُمتي من بعدي. فإذا حضرتْك الوفاةُ فسلِّمها إلى ابنيَ الحسنِ البَرِّ الوصول، فإذا حضرتْه الوفاةُ فليسلِّمها إلى ابنيَ الحسينِ الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرتْه الوفاة فليسلِّمها إلى ابنِه سيِّد العابدين ذي الثفَنات عليٍّ، فإذا حضرتْه الوفاةُ فليسلِّمها إلى ابنِه محمَّدٍ الباقر، فإذا حضرته الوفاةُ فليسلِّمها إلى ابنِه جعفرٍ الصادق، فإذا حضرتْه الوفاةُ فليسلِّمها إلى ابنِه موسى الكاظم، فإذا حضرتْه الوفاةُ فليسلمها إلى ابنِه عليٍّ الرضا، فإذا حضرتْه الوفاةُ فليسلِّمها إلى ابنِه محمَّدٍ الثقةِ التقي، فإذا حضرتْه الوفاة فليسلِّمها إلى ابنِه عليٍّ الناصح، فإذا حضرته الوفاةُ فليسلِّمها إلى ابنِه الحسنِ الفاضل، فإذا حضرته الوفاةُ فليسلِّمها إلى ابنِه محمَّدٍ المستحفظ من آل محمد عليهم السلام. فذلك اثنا عشر إماما، ثم يكونُ من بعده اثنا عشر مهديَّا، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلِّمها إلى ابنِه أوَّلِ المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسمٌ كاسمي واسم أبي وهو عبد الله، وأحمد، والاسمُ الثالث: المهدي، هو أوَّل المؤمنين"(1).
ما مدى صحة هذه الرواية؟ وما هو تفسيرُها الصحيح؟
الجواب:
أمَّا سند الرواية المذكورة فقد أوردها الشيخُ الطوسي في كتاب الغَيبة قال (رحمه الله): أخبرنا جماعةٌ، عن أبي عبد الله الحسين بن عليِّ بن سفيان البزوفري، عن عليِّ بن سنان الموصلي العدل، عن عليِّ بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمِّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) -في الليلة التي كانت فيها وفاته- لعلي (عليه السلام).
فالواضح أنَّ سند الرواية ضعيفٌ، وذلك لاشتماله على عددٍ من المجاهيل بل إنَّ أكثر رجال سنده مِن المجاهيل وهم:
1- علي بن سنان الموصلي العدل.
2- علي بن الحسين.
3- أحمد بن محمد بن الخليل.
4- جعفر بن أحمد المصري.
5- عمه الحسن بن علي.
6- عن أبيه.
فكلُّ هؤلاء لم يُذكرْ لهم توثيق في كتب الرجال، وبعضُ هؤلاء لا ذكر له أساسًا فلا تُعرف له هويَّة، وبذلك تكون الرواية شديدة الضعف وساقطةً عن الاعتبار.
وأمَّا من حيثُ المتن والمضمون فهي إلى قوله: "فليسلْمها إلى ابنه محمَّدٍ المستحفِظ من آل محمد (عليهم السلام). فذلك اثنا عشر إماما" مطابقةٌ للمتواتر من الروايات التي نصَّت على أسماء الأئمة الإثني عشر المعصومين من أهل البيت (ع) أولُهم عليُّ بن أبي طالب وآخرُهم محمَّد بن الحسن المهدي المنتظر، ولذلك فهذا المقدار من الرواية معتضدٌ ومؤيَّد بالروايات المتواترة.
وأمَّا الذي لا يُشبهُ مضامين المُتواتر من الروايات فهما فقرتان:
الأولى: قولُه في ذيل الرواية: "ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديًّا، فإذا حضرتْه الوفاة فليسلِّمْها إلى ابنِه أوَّلِ المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسمٌ كإسمي واسم أبي وهو عبد الله، وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوَّلُ المؤمنين".
فهذه الفقرة: لم تثبت بسندٍ صحيح ولا هي مطابقةٌ للروايات المتواترة، لذلك فهي فاقدة للحجيَّة وساقطةٌ عن الاعتبار، على أنَّها لا تخلو من اضطراب في المعنى، فهي تقول إنَّ لأوَّل المهديين ثلاثة أسماء -والمتكلِّم بحسب الرواية هو النبيُّ (ص) صاحبُ الوصية- فالاسمُ الأوَّل لأوَّلِ المهديين مطابِقٌ لاسم النبيِّ (ص) ومعنى ذلك أنَّ اسمه محمَّد، واسمُ أبيه عبدالله، فيكون اسمُ أوَّل المهديين (محمَّد بن عبد الله) كاسم النبيِّ (ص) واسم أبيه، وهذا معناه أنَّه ليس ابناً للإمام المهدي الثاني عشر(ع) لأنَّ اسم الإمام المهدي هو محمد بن الحسن، فينبغي أنْ يكون اسم أوَّل المهديين محمد بن محمد، فكيف يصحُّ القول بأنَّ أوَّل المهديين هو ابنُ الإمام الثاني عشر وفي ذات الوقت يكون اسمه محمد بن عبد الله؟!.
ولو قيل إنَّ اسم أوَّل المهديين محمد والاسم الثاني عبد الله، فعبدُ الله ليس اسم أبيه وإنَّما هو اسمُه الثاني، لو قيل ذلك لكان مقتضاه أنَّ الاسم الثالث هو أحمد إلا أنَّ الرواية تقول إنَّ الاسم الثالث هو المهدي لأنَّها قالت: "والاسم الثالث: المهدي".!!
ولو التزمنا أنَّ أسماءه هي محمَّد وعبد الله وأحمد والمهدي فإنَّ مقتضى ذلك أنَّ لأوَّل المهديين أربعةَ أسماء، وهذا منافٍ لصريح الرواية حيث قالت: "له ثلاثة أسامي" فإمَّا أنْ يكون "المهدي" هو الإسم الرابع أو يكون "عبد الله" اسم أبيه وليس من أسمائه وكلا الأمرين لا يُمكن قبولُه، لأنَّه إذا كان "عبد الله" اسم أبيه فهذا منافٍ لكونه ابناً للإمام الثاني عشر وقد صرَّحت الرواية أنَّه ابنه، وإنْ كان "عبد الله" هو اسمٌ من أسماء أوَّل المهديين فهذا معناه أنَّ له أربعة أسماء وقد صرَّحت الرواية أنَّ له ثلاثة أسماء وليس أربعة. فالرواية لذلك مضطربة فلا يصحُّ التعويل عليها.
ثم إنَّ هنا احتمالًا آخر لمعنى الرواية وهو أنَّ الضمير في قوله: "له ثلاثة أسامي" يرجعُ إلى الإمام الثاني عشر وذلك بقرينة أنَّ كلَّ الضمائر التي سبَقتْ هذا الضمير ترجعُ إلى الإمام الثاني عشر، فليكن الضمير في قوله: "له ثلاثة أسامي" راجعًا أيضًا إلى الإمام الثاني عشر، فيكون معنى هذه الفقرة من الرواية أنَّ الذي له ثلاثة أسماء هو الإمام الثاني عشر (ع) الاسم الأول محمد بن عبد الله، والاسم الثاني أحمد، والإسم الثالث المهدي، وهذا المعنى أيضًا منافٍ لما دلَّت عليه الروايات المتواترة التي نصَّت على أنَّ والد الإمام الثاني عشر هو الإمام الحسن العسكري (ع) وهذا يؤكِّد ما ذكرناه من اضطراب معنى الرواية، وهو يسلب الوثوق بصدورها ويُوجبُ الإطمئنان بأنَّها إمَّا أنْ تكون مكذوبة أو وقع لبسٌ لدى الراوي فنقلها على غير الوجه الذي سمعه، وعلى كلا التقديرين تكون الرواية ساقطة عن الاعتبار، هذا لو كانت صحيحة السند كيف والحال أنَّها جمعت بين ضعف السند كما تقدَّم واضطراب المتن.
الفقرة الثانية: قولُه في صدر الرواية: "ومن بعدهم إثنا عشر مهديَّاً" فإنَّ هذا المضمون وإنْ كان قد ورد في رواياتٍ أُخرى لكنَّها رواياتُ آحاد، ورواياتُ الآحاد لا تُؤسَّس عليها عقيدة، على أنَّ هذه الروايات الآحاد أكثرُها إنْ لم يكن جميعها ضعيفة الأسناد، وهي كذلك منافيةٌ لروايات الرجعة البالغة حدَّ التواتر الإجمالي، ومنافيةٌ لما ثبتَ بالضرورة من أنَّ الأئمة بعد الرسول (ص) إثنا عشر إماماً وأنَّ الإمام الثاني عشر هو الإمامُ المهديُّ بن الحسن العسكري (ع) وأنَّه خاتمُ الأئمة وخاتمُ الأوصياء وخاتمُ المهديِّين (ع)، ومنافية لما دلَّ على أنَّ الأرض لا تخلو من إمامٍ من الأئمة الإثني عشر (ع) إلى أنْ يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها، فرواياتُ المهديين بعد الإمام المهديِّ بن الحسن (ع) مضافاً لضعفها سنداً فإنَّها منافيةٌ لكلِّ هذه الطوائف من الروايات وذلك ما يزيدُها سقوطاً عن الإعتبار.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- الغيبة -الشيخ الطوسي- ص150-151.