معنى: ( برزن من الخدور ناشرات الشعور ..)
المسألة:
كيف يُمكن التوفيق بين ما ورد عن الإمام الحسين (ع) في وصيته إلى السيِّدة زينب بأمرها بعدم شقِّ الجيب والعويل واللطم عليه وما ورد في الزيارة: "فلمَّا رأينَ النساء جوادَك مخزيًّا والسرجَ عليه ملويًّا ، برزنَ من الخدور، ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات، وللوجوه سافرات، وبالعويل داعيات"؟
الجواب:
الثابتُ أنَّ السيِّدة زينب (ع) كانت قد التزمتْ بوصايا الحسين (ع) فلم تُبدِ جزعًا ظاهرًا على سيِّد الشهداء بل ظهَرَ عليها من رَباطةِ الجأش وقوَّةِ الجَنان ما تصاغرتِ الجبالُ الشامخات دونَه، وكذلك ثبتَ عن أُخريات كنَّ معها مِن العلويَّات، فلم يَخرجنَ عن سَمتِ الوَقار رُغم هَولِ الحدَث إلا أنَّ مَن كنَّ في ركبِ الحُسين (ع) مِن النساء لم يكنْ جميعُهُنَّ من ذواتِ المقامات السامية، ففيهنَّ الإماء وفيهنَّ زوجاتُ الشهداء، وفيهنَّ الصغيرات، وهؤلاء راعهنَّ جلالُ الخَطبِ وأذهَلَنَّ عن أنفسِهن فخرجنَ مُندهشات قد هيمنَ الحزنُ والهلعُ على مشاعرهنَّ وأخذ الخوفُ منهنَّ مأخذَه، فهُنَّ بين حُماةٍ قد بضَّعتِ السيوفُ أوصالَهم وبينَ عسكرٍ غشوم ورِحالٍ قد اشتعلتِ النارُ في أطرافِها، لذلك خرجنَ من الأخبية ذاهلاتٍ وإلى مصرع الحُسين قاصدات يحتمينَ بجُثمانِه المقدَّس ويطمحُ بعضُهن في تعليلِه وتضميدِ جُراحاتِه وتأملُ أُخرى في أنْ تُظلِّله بردائِها وتُروِّحُ عليه بفاضل ثيابِها، هكذا هنَّ البناتِ الصغيرات الفاقدات والقريبات المثكولات.
فهنَّ لم يتعمَّدنَ الخروج على هذه الحال ولكنَّ هولَ الحدثِ أذهلهنْ والخوفُ من هذا العسكر الغشوم جعل بعضَهن يَخرجنَ دون تحفُّظ، فالعراء في مثل هذا الظرف آمنُ من الخِباء.
وقعَ ذلك قبلَ تدارُكِ العقيلة لهنَّ برفقِ الأُمِّ الرؤوم وحزْمِ الرجال أعني الذين لا يطيشُ لهم رأيٌ فأخذتْ بأيديهنَّ وهي تُسكِّن من خواطرهن وتأمرهنَّ بالصبر والوَقار وتُذكِّرهنَّ وصيةَ الحسين الشهيد (ع).
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور