ذُبح الحسينُ كما يُذبح الكبش ومن القفا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم ورحمة الله شيخنا

هل ذُبح الإمام الحسين (ع) من القفا كما هو المتداول بين الناس؟

 

الجواب:

ذُبح الإمام الحسين (ع) كما يُذبح الكبش كما نصَّت على ذلك صحيحة الريَّان بن شبيب عن الرضا (عليه السلام) -في حديث- أنَّه قال له: "يا بن شبيب إنْ كنتَ باكيًا لشيءٍ فابكِ للحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) فإنَّه ذُبح كما يُذبحُ الكبش

 

وكذلك معتبرة الفضل بن شاذان قال: سمعتُ الرضا (عليه السلام) يقول: "لمَّا أمر اللهُ عزَّ وجلَّ إبراهيم عليه السلام أنْ يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه –إلى قوله (ع)- قال: يا إبراهيم فإنَّ طائفةً تزعمُ أنَّها من أمةِ محمَّدٍ ستقتلُ الحسين ابنَه مِن بعده ظلمًا وعدوانا كما يُذبح الكبش .."(2).

 

وكذلك روى الشيخُ الصدوق (رحمه الله) في الأمالي بسنده عن ابن عباس قال: إنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) –قال- ".. وموضعُ مصرعِه أرضُ كربٍ وبلاءٍ وقتلٍ وفناء، تنصرُه عصابةٌ من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أُمتي يوم القيامة، كأنِّي أنظرُ إليه وقد رُمي بسهمٍ فخرَّ عن فرسه صريعًا، ثم يُذبح كما يذبحُ الكبش مظلومًا. ثم بكى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) وبكى مَن حوله .."(3).

 

فالحسينُ (ع) ذُبح كما يُذبح الكبش يعني من جهة المَذبح والمنحر أي الحلق، وهذا ما أكَّدته النصوص التاريخيَّة ولكنَّ رأسَه الشريف احتُزَّ من القفا أي من جهة العُنق كما أُشير لذلك في الخطبة التي ألقاها الإمامُ السجاد (ع) في الشام، بحسب رواية المناقب لابن شهراشوب قال: قال (ع): ".. أنا ابنُ المقتولِ ظُلما، أنا ابنُ المَحزوزِ الرأسِ من القفا، أنا ابنُ العطشان حتى قضى .."(4).

 

وكذلك وردت الإشارة لهذا المعنى في تأبين السيِّدة زينب (ع) لأبي عبد الله الحسين (ع) بحسب رواية ابن شهراشواب في المناقب قال: وكانت زينبُ (ع) تقول: "وا محمَّداه صلَّى عليك مليكُ السماء، هذا حسينٌ مرمَّلٌ بالدماء، صريعٌ بكربلاء، مُقطَّعُ الأعضاء، مجزوزُ الرأسِ من القفا، مسلوبُ العمامة والرداء .."(5).

 

وكذلك رواه السيِّد ابنُ طاووس في اللهوف مع اختلافٍ يسير، وأفاد أنَّ ذلك وقع حين إخراج النساء والمرور بهنَّ على مصارع الشهداء قالت: "يا محمَّداه بناتُك سبايا وذريتُك مقتَّلة تَسفي عليهم ريحُ الصبا، وهذا حسينٌ محزوزُ الرأسِ من القفا، مسلوبُ العمامة والرداء .."(6).

 

وعليه فمقتضى الجمع بين ما دلَّ على أنَّ الإمام سيِّد الشهداء (ع): "ذُبح كما يُذبحُ الكبش" وبين ما ورد من أنَّه (ع)" محزوزُ الرأسِ من القفا" هو أنَّه ذُبح من جهة المنحر والحلق ثمَّ أحتزَّ رأسه الشريف من جهة العُنق، وأمَّا ما يُقال من أنَّه –روحي فداه- أُلقي على وجهه فلم أجد في شيءٍ من المصادر ما يدلُّ عليه بل الواردُ على خلاف ذلك، ولولا أنَّي لا أحبُّ الخوض في التفاصيل المذكورة الموجِعة للقلب لبينتُ ذلك.

 

وأمَّا منشأ التنصيص على أنَّ رأسَّه الشريف قد تمَّ حزُّه من جهة القفا -أي العُنق- فهو الإشارة إلى أنَّهم –خذَلهم الله– قد أبانوا رأسَه وهو بعدُ لم تزهقْ روحه، فكان بوسعِهم الانتظارُ به حتى تفيضَ روحُه بعد الذبح إلا أنَّهم -لخسَّتِهم وعتوِّهِم- قطعوا رأسه الشريف وهو بعدُ على قيد الحياة فجمعوا عليه ألم الذبح وألم القطع.

 

فلا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله العليِّ العظيم والعاقبةُ للمتَّقين.

 

والحمدُ لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمّد صنقور

11 / محرم الحرام / 1442هـ

31 / أغسطس / 2020م


1- الأمالي –الصدوق- ص192، عيون أخبار الرضا –الصدوق – ج1 / ص268، وسائل الشيعة –الحر العاملي- ج14 / ص502.

2- عيون أخبار الرضا (ع) –الصدوق- ج1 / ص187.

3- الأمالي -الصدوق- ص177. الخصال –الصدوق- ص59.

4- مناقب آل أبي طالب –ابن شهراشوب- ج3 / ص305.

5- مناقب آل أبي طالب –ابن شهراشوب- ج3 / ص260.

6- اللهوف –السيد ابن طاووس- ص78.