مدَّة بقاء القائم (عج) بعد ظهوره
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
كيف نوفِّق بين الروايات التي تقول أنَّ الإمام الحجَّة (عج) تدوم دولتُه سبع سنين، وبين ما ورد في الدعاء: (حتى تُسكنَه أرضَك طوعًا وتُمتِّعه فيها طويلًا) إذ ليس بين السبع سنوات -وهي مدَّة قصيرة- تناسب مع الدعاء المأثور "وتمتِّعه فيها طويلا"؟
الجواب:
الروايات المتصدِّية لتحديد مدَّة بقاء الإمام القائم (ع) بعد ظهوره المبارك أو بعد استقرار دولته مختلفة اختلافًا بيِّنًا، ولا يخلو بعضُها من إجمال.
سبع سنين هي سبعون سنة:
فبعض هذه الروايات أفاد بأنَّه يبقى سبع سنين ولكنَّها ليستْ من سنين الدنيا بل إنَّ كلَّ سنةٍ من السنين السبع تمتدُّ لعشر سنين من سنيِّ الدنيا، ولهذا فبقاؤه بحسب سنيِّ الدنيا يمتدُّ لسبعين سنة، أفادت ذلك روايةُ عبد الكريم بن عمرو الخثعمي قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): كم يملكُ القائم؟ قال: سبع سنين يكون سبعين سنة من سنيِّكم هذه"(1).
تسع عشرة سنة وأشهرًا:
وبعض الروايات أفاد بأنَّه يبقى تسع عشرة سنة وأشهرًا:
فمِن ذلك رواية عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "إنَّ القائم (عليه السلام) يملكُ تسع عشرة سنة وأشهرا"(2).
ومن ذلك رواية جابر بن يزيد الجعفي، قال: "سمعتُ أبا جعفر محمَّدَ بن عليٍّ (عليه السلام) يقول: والله ليملكنَّ رجلٌ منا أهل البيت.. قلتُ له: وكم يقوم القائم (عليه السلام) في عالمه حتى يموت؟ فقال: تسع عشرة سنة من يوم قيامِه إلى يوم موته"(3).
يبقى أربعين سنة:
وأفادت بعضُ الروايات أنَّه يبقى أربعين سنة وهي رواية الاحتجاج عن زيد بن وهب الجهني عن الإمام الحسن (ع) عن أمير المؤمنين (ع) قال: ".. حتى يبعث اللهُ رجلًا في آخر الزمان .. يؤيِّده اللهُ بملائكته، ويعصمُ أنصاره، وينصره بآياته .. يملأ الأرض قسطاً وعدلا، ونورًا وبرهانا.. يملكُ ما بين الخافقين أربعين عامًا، فطوبى لمَن أدرك أيامَه، وسمع كلامه"(4).
يبقى ثلاثمائة وتسع سنين:
وثمة طائفة من الروايات يظهرُ من بعضها أنَّه يبقى ثلاثمائة وتسع سنين، وهي رواية الفضل بن شاذان عن عليِّ بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنَّ القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبِثَ أهلُ الكهف في كهفهِم، يملأ الأرض عدلاً وقسطا كما مُلئت ظلما وجورا، ويفتح اللهُ له شرقَ الأرض وغربها .."(5).
وكذلك اختلفت رواياتُ العامَّة في تحديد المدَّة التي يبقى فيها الإمام المهدي (ع) بعد ظهوره، فبعضُها أفاد بأنَّها مرددة بين الستِّ والسبع إلى التسع، وهي رواياتٌ عديدة، وبعضُها أفاد بأنَّها عشرون سنة، وبعضُها أفاد بأنَّها أربعون سنة وهي روايات عديدة، وبعضُها أفاد بأنَّها ثلاثمائة وتسع سنين.
الأرجح من الروايات:
وعليه ونظرًا للاختلاف الشديد بين الروايات في تحديد المدَّة التي سيبقى فيها الامام (ع) بعد ظهوره أو بعد استقرار دولته، ونظرًا لعدم إمكان الجمع العرفي بين مضامينها وأنَّ ما أفاده بعضُ الأعلام من وجوه الجمع أشبهُ شيءٍ بالجمع التبرُّعي المتكلَّف لذلك لا يُمكن البناء على تعيُّن شيءٍ من المُدد المذكورة وإنْ كان يقوى في النفس ترجيح روايات التسع عشرة سنة وأشهرًا، فإنَّ فيها ما هو معتبرٌ سندًا وهي رواية جابر بن يزيد الجعفي، مضافاً إلى أنَّ رواية ابن يعفور وردت بطرقٍ متعدِّدة فهي لذلك معتبرة.
وأمَّا رواية الفضل بن شاذان -التي اشتملتْ على أنَّ المدة ثلاثمائة وتسع سنين- فإنَّه وإنْ كان من المُستقرَب اعتبار سندها، إذ لا إشكال فيه إلا مِن جهة عليِّ بن عبد الله، وهو بحسب الأرجح أبو الحسن العطَّار القمِّي وهو ثقة، فتكون الرواية بناءً على ذلك معتبرة سندًا.
فهي من حيث السند معتبرة -بناءً على ما رجَّحناه- إلا أنَّه لا يبعد أنْ يكون المقصود منها هو بيان المدَّة التي يبقى فيها الأمام بعد الرجعة أي الإمام الذي سوف يرجعُ بعد موت القائم عجَّل الله فرجه، والذي يُؤيد ذلك معتبرة جابر بن يزيد الجعفي قال: "سمعتُ أبا جعفرٍ محمد بن عليٍّ (عليه السلام) يقول: والله ليملكنَّ رجلٌ منَّا أهل البيت ثلاثمائة سنة ويزداد تسعا، قال: فقلتُ له: ومتى يكون ذلك؟ قال: بعد موت القائم (عليه السلام). قلتُ له: وكم يقوم القائم (عليه السلام) في عالمه حتى يموت؟ فقال: تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته"(6).
فهذه الرواية جمعت بين المدَّتين وأفادت أنَّ الثلاثمائة والتسع سنين هي مدَّة بقاء من سيقوم بعد موت القائم عجَّل الله فرجه وأفادت صريحًا أنَّ مدَّة بقاء القائم من حين قيامه إلى أنْ يموت تسع عشرة سنة.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
21 / محرَّم الحرام / 1442هـ
1- الغيبة -الشيخ الطوسي- ص474.
2- الغيبة -النعماني- ص353. 354، 355
3- الغيبة -النعماني- ص354، بحار الأنوار -المجلسي- ج52 / ص298.
4- الاحتجاج -الطبرسي- ج2 / ص11.
5- الغيبة -الطوسي- ص474، بحار الأنوار -المجلسي- ج52 / ص291.
6- الغيبة -النعماني- ص354، بحار الأنوار -المجلسي- ج52 / ص298.