الذين خذلوا الحسين (ع) في المدينة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
ورد أنَّ الإمام الحسين (ع) قال: عند قبر جدَّه رسول الله (ص) قبل خروجه من المدينة: "السلام عليك يا رسول الله أنا الحسينُ ابن فاطمة، فرخُك وابن فرختِك، وسبطُك، والثقلُ الذي خلَّفته في أمتِّك، فاشهد عليهم، يا نبيَّ اللّه! أنَّهم قد خذلوني، وضيّعوني، ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك -صلّى اللّه عليك-".
فمن خذل الإمام الحسين (ع) حينها؟
والحال أنَّه لم تصل إليه أخبار الكوفة بعدُ ولم يذهب الى مكة أيضًا ليعرف أحوال الناس هناك، وبالتأكيد ليس المقصود من ذلك بني أُميَّة لأنهم لم يكونوا يومًا من أنصاره أو أنصار أخيه أو أبيه. فمن المقصود بقوله: "خذلوني وضيَّعوني".
الجواب:
الإمام الحسين (ع) هو الخليفة الشرعي لرسول الله (ص) بعد أبيه الإمام أمير المؤمنين (ع) وأخيه الإمام الحسن (ع) -بمقتضى مثل حديث الثقلين المتواتر وغيره- فكان على الأمَّة أنْ تُقِرَّ له بذلك وتُؤازره على ذلك، فكلُّ من لم يُقرَّ له بالإمامة ويُبايعه ويؤازره فهو ممَّن خذَله كما هو الشأن فيمَن لم يُبايع أمير المؤمنين (ع) بعد رسول الله (ص) وفيمَن لم يُبايع ويؤازر الإمام الحسن (ع) بعد استشهاد أمير المؤمنين (ع).
وأساساً لم يكن الحسين (ع) بحاجة إلى أنْ يُعلنَ عن ثورته ونهضته المباركة لو لم تخذلْه الأمَّة وتنصرف عنه إلى غيره، فلو أنَّ الأمة بايعتْه على الإمامة كما أوصى بذلك رسولُ الله (ص) لانكفأ بنو أميَّة ولم تقم لهم دولة ولا كانت لهم سلطة وسطوة، لكنَّ الأمَّة تخاذلت عنه بل ومالَأ الكثيرُ منهم الأمويين فضيَّعوا بذلك وصيَّة رسول الله (ص) في أهل بيته (عليهم السلام). وهذا هو معنى: "فاشهدْ عليهم يا نبيَّ الله أنَّهم قد خذلوني وضيَّعوني".
ثم إنَّ الإمام الحسين (ع) -بعد استشهاد الإمام الحسن (ع) وبعد أنْ دعا معاوية الأمة إلى مبايعة يزيد بولاية العهد- أعلن عن رفضِه المطلق للقبول بولاية يزيد للعهد وتعرَّض للتهديد والضغط لكنَّه لم يرضخ(1)، وظلَّ عشر سنوات يُحرِّض الأمَّة على إعلان الرفض للقبول بولاية يزيدٍ للعهد لكنَّه لم يجد من الأمَّة استجابةً تُذكر، ولذلك تمكَّن معاوية من تمرير هذا المشروع، فما إنْ تُوُفِّيَ معاوية حتى صارت مقاليد الحكم بيد يزيد وبايعته الناس على ذلك ومَن لم يبايع كان على استعدادٍ للبيعة، وبلغ خذلان الأمة للإمام الحسين (ع) حدًّا بحيثُ صار هو مطالبًا بالبيعة ليزيد قسرًا وإلا فمآله القتل، وبعث إليه الوالي الأموي على المدينة وأخبره عن قرار القتل إنْ لم يُبايع(2). فهل يجرؤ الأمويُّون على ذلك لولا خذلان أهل الحجاز -المدينة ومكَّة-؟!
لذلك وجد الحسينُ (ع) نفسه وحيدًا في مدينة الرسول (ص) مع نفرٍ يسير من أنصاره وأهل بيته (ع) فاضطُرَّ للخروج منها إلى مكَّة محاولةً منه في استنهاض ما يُمكن استنهاضه من هذه الأمَّة، فخروجه من المدينة نشأ عن علمِه بخذلانهم له وضعفِهم عن الانتصار لحقِّه والاحتضان لنهضته، إذ أنَّه ظلَّ معهم عشر سنوات يستحثُّهم على التعبير عن رفضهم لولاية عهد يزيد لكنَّ الوهنَ والخلود للراحة والعافيَّة قد استولى عليهم.
ولهذا بثَّ شكواه لرسول الله (ص) فقال: "أنا الحسينُ بن فاطمة، فرخُك وابن فرختِك، وسبطُك، والثقلُ الذي خلَّفته في أمتِّك، فاشهد عليهم، يا نبيَّ اللّه! أنَّهم قد خذلوني، وضيّعوني، ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك -صلّى اللّه عليك-"[3).
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
29 / محرَّم الحرام / 1442هـ
18 / سبتمبر / 2020م
1- اختيار معرفة الرجال -الطوسي- ج1 / ص258، الاحتجاج - الطبرسي- ج2 / ص21، الإمامة والسياسة -ابن قتيبة الدينوري- ج1 / ص208، 209، الكامل -ابن الأثير - ج3 / ص507، 511، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص250، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص323، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص157.
2- الأمالي -الصدوق- ص216، مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص13، الفتوح -ابن أعثم- ج5 / ص10.
3- مقتل الحسين -الخوارزمي- ص269، 270، الفتوح -ابن أعثم- ج5 / ص18.