التضمُّخ بالزعفران

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

روى ابن عباس عن النبيِّ (ص) أنه قال: "إذا كان ليلة القدر، تنزل الملائكة الذين هم سكان سدرة المنتهى، ومنهم جبرائيل، فينزل جبرائيل (عليه السلام) ومعه ألوية، ينصب لواءً منها على قبري، ولواءً على بيت المقدس، ولواءً في المسجد الحرام، ولواءً على طور سيناء، ولا يدع فيها مؤمنًا، ولا مؤمنة، إلا سلَّم عليه، إلا مدمن الخمر، وآكل لحم الخنزير، والمتضمِّخ بالزعفران".

ما معنى التضمُّخ بالزعفران؟ وهل هو حرام؟

الجواب:

المراد من التضمُّخ بالزعفران أو بالطيب المشتمل على الزعفران -المعبَّر عنه بالخَلوق- هو التلطُّخ به وصبغ البدن أو اللحية أو الثياب بالزعفران بنحوٍ يظهرُ لونُه على الموضع المصبوغ به، وأمَّا ظهور رائحته دون لونِه فليس مقصودًا من الرواية ظاهرًا.

وأمَّا حكم التضمُّخ بالزعفران فهو الإباحة، وأمَّا الرواية المذكورة فلم ترد مِن طُرقنا، فقد نقلها الطبرسي في مجمع البيان(1) عن كتب العامَّة(2) وقد ورد مِن طرقهم كذلك ما هو قريبٌ من مضمون هذه الرواية.

فمن ذلك ما أورده الطبراني في المعجم الأوسط بسنده عن ابن عباس عن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قال: "ثلاثة لا تقربهم الملائكة الجنب، والكافر، والمتضمِّخ بالزعفران"(3).

ومن ذلك أيضًا ما أورده عن البزاز -كما في مجمع الزوائد- عن بريدة عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قال: "ثلاثة لا تقربهم الملائكة السكران، والمتضمِّخ بالزعفران والحائض أو الجنب"(4).

وأوضح من ذلك ما أورده أحمد بن حنبل في مسنده والبخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: "نهى نبيُّ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) أنْ يتزعفر الرجل"(5).

وظاهر الروايات المذكورة هو إطلاق النهي عن التلطُّخ بالزعفران في الصلاة وغيرها، وهي مستندُ من أفتى منهم بحرمة التضمُّخ بالزعفران على الرجل مطلقًا في الصلاة وفي غيرها، وأفتى آخرون بالكراهة لورود ما دلَّ في بعض رواياتهم على الرخصة، وزعم بعضُهم أنَّ روايات الرخصة ناسخة، وبناءً عليه لا يكون التضمُّخ بالزعفران مكروهًا.

وأمَّا ما ورد من طرقنا فمنه موثقة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "صِبْغُنَا الْبَهْرَمَانُ وصِبْغُ بَنِي أُمَيَّةَ الزَّعْفَرَانُ"(6).

ولعلَّه أراد مِن ذلك أنَّ صبغ الثياب بالزعفران من عمل المترَفين، والرواية تدلُّ بإطلاقها على كراهة لبس الثياب المصبوغة بالزعفران مطلقًا في الصلاة وفي خارجها لكنَّها ليست ظاهرة في كراهة التضمُّخ بالزعفران لغرض التطيُّب، فإنَّ المستظهَر من صبغ الثياب بالزعفران هو اتَّخاذ الزعفران صبغًا للثياب وذلك بقرينة المقابلة بين صبغ الثياب بالزعفران وصبغها بالبهرمان والذي هو نوعٌ من الأصباغ تُصبغ به الثياب. وعليه لا دلالة للرواية على كراهة التطيُّب بالزعفران وإنْ ظهر لونُه على الثياب أو البدن.

نعم ورد في رواية يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله (عليه السلام): "أنَّه كره الصلاة في المشبع بالعصفر المضرَّج بالزعفران"(7).

فبناءً على أنَّ المراد من المضرَّج بالزعفران هو المضمَّخ به -كما هو الظاهر- تكون الرواية صالحة للاستدلال بها على كراهة الصلاة في الثياب الملطَّخة بالزعفران بناءً على التسامح في أدلَّة السنن، لكنَّها لا تدلُّ على كراهة تطييب البدن أو اللحية بالزعفران حال الصلاة، فإنَّ ظاهر الرواية أنَّ الموصوف بالمضرَّج -والذي هو موضوع الكراهة- هو الثياب بقرينة المقابلة بينه وبين المشبع بالعصفر، فإنَّ العصفر من الأصباغ وليس من الطيب، وعليه فالمكروه حال الصلاة -بحسب ظاهر الرواية- هو الاشتمال على الثوب المشبع بالعصفر والمضرَّج بالزعفران.

نعم ثمة رواية يُمكن أن يُستظهر منها كراهة التضمُّخ بالطيب المشتمل على الزعفران مطلقاً في الصلاة وفي غير حال الصلاة، وهي مرسلة جعفر بن محمد بن شريح عن عبد الله بن طلحة النهدي قال: سمعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: "ثلاثة لا يقبلُ الله لهم صلاة: جبَّار كفَّار، وجنبٌ نام على غير طهارة، والمتضمِّخ بخَلوق"(8) فإنَّ الخلوق -كما قيل- هو نوع من الطيب مشتملٌ على الزعفران، ولعلَّ منشأ النهي عنه لو تمَّت الرواية هو أنَّه من الطيب الخاص بالنساء -كما قيل- فيكون التطيُّب به -في ذلك العهد- نحواً من التشبُّه بالنساء، أو أنَّ منشأ النهي عن التطيُّب به هو أنَّه كان من خُلُق المترفين، ومع الإغماض عن ذلك فالرواية صالحة لإثبات الكراهة مطلقاً حتى في غير حال الصلاة إلا أنْ يُقال بأنَّ رواية يزيد بن خليفة تصلحُ قرينةً على تقييد إطلاق المرسلة.

والمتحصَّل أنَّ ما يُمكن البناء على كراهته هو لبس الثياب المصبوغة بالزعفران مطلقًا وذلك لموثَّقة زرارة، وأمَّا المضمَّخة بمعنى المطيبة بالزعفران فلا دليل على كراهة الاشتمال عليها إلا بناءً على التسامح في أدلَّة السُنن نظراً لضعف الروايتين، ومع البناء على هذه القاعدة فإنَّ ما يُمكن التثبُّت من كراهته هو الاشتمال على الثياب المزعفرة حال الصلاة وإنْ كان الأولى تركه خارج الصلاة حذراً من الغضاضة الناشئة عن المرسلة.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

3 / جمادى الأولى / 1442هـ

18 / 12 / 2020م


1- تفسير مجمع البيان -الطبرسي- ج10 / ص409.

2- الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي) -الثعلبي- ج10 / ص255.

3- المعجم الأوسط -الطبراني- ج5 / ص311.

4- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج5 / ص72.

5- مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ج3 / ص101، صحيح البخاري -البخاري- ج7 / ص48.

6- الكافي -الكليني- ج6 / ص48.

7- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج2 / ص373.

8- مستدرك الوسائل -النوري- ج1 / ص425.