لمَاذا يَتمُّ تَغسِيلُ أهلِ البَيتِ (ع) عِندَ مَوتِهِم؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمد

المسألة:

لمَاذا يَتمُّ تَغسِيلُ أهلِ البَيتِ (ع) عِندَ مَوتِهِم وهم طَاهِرُونَ مُطهَّرُونَ؟! وكذلك غسل الجنابة والتطهير من الخبث؟

وكيف نوجِّهُ ما رويَ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "لِلإِمَامِ عَشْرُ عَلَامَاتٍ يُولَدُ مُطَهَّرًا مَخْتُونًا، وإِذَا وَقَعَ عَلَى الأَرْضِ وَقَعَ عَلَى رَاحَتِه رَافِعًا صَوْتَه بِالشَّهَادَتَيْنِ، ولَا يُجْنِبُ .. ونَجْوُه كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ .."(1).

الجواب:

الغُسل والوضوء وتغسيلُ الأموات وتطهيرُ البدن -ممَّا تَعرُضُ عليه من الأخباث- تكاليف شرعيَّة فرضَها اللهُ تعالى على عموم المكلَّفين، فالنبيُّ الكريم (ص) وأئمةُ أهل البيت (ع) شأنُهم في ذلك شأنُ سائر الناس، فكما يجبُ على كلِّ مكلَّفٍ الوضوءُ إذا قام إلى الصلاة كذلك يجبُ الوضوء على النبيِّ (ص) وأهل بيته (ع) إذا قاموا إلى الصلاة كما هو مقتضى إطلاق قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ..﴾(2) وكذلك يجب عليهم الغسل عند التحقُّق لموجبِه، وكذلك يجب تغسليهم إذا توفَّاهم الله تعالى كما يجبُ فعل ذلك مع سائر المسلمين.

فكما لا يصحُّ أنْ يُقال إنَّ الله تعالى حيثُ شرَّع الصلاة لتنهى عن الفحشاء والمنكر فهي ليست واجبةً على النبيِّ (ص) وأهل بيته (ع) لأنَّهم معصومون من الفحشاء والمنكر فكما لا يصحُّ التفوُّه بهذا القول كذلك لا يصحُّ التوهُّم لسقوط الغُسل والتغسيل عن النبيِّ (ص) وأهل بيته (ع) لأنَّهم مطهَّرون، فالغُسل والتيمُم والتغسيل تكاليفُ فرضَها الله تعالى على كافَّة العباد لملاكاتٍ لا يعلمُها من تمام الوجوه سوى الله تعالى وعلى جميع العباد أنْ يمتثلوا أوامره ويُسلِّموا بأحكامه وإنْ لم يُدركوا الوجهَ من فرضِها فإنَّ ذلك هو مقتضى العبوديَّة لله والتسليم بحكمتِه المطلقة.

 فالخوض في مثل هذه المسائل مضافًا إلى أنَّه بلا طائل فإنَّه لا يخلو من سوء الأدب.

وأمَّا معنى ما رُويَ عن أبي جعفرٍ (ع) من أنَّ الإمام لا يُجنب فهو أنَّه لا يحتلم، وذلك لأنَّ الاحتلام من لمَم الشيطان، والإمام (ع) منزَّه عن أنْ يُصيبَه شيءٌ من لمَم الشيطان في اليقظة والمنام، ويُؤيِّد ذلك ما رُوي في الكافي عن إِسْحَاقُ عَنِ الأَقْرَعِ قَالَ كَتَبْتُ إلى أَبِي مُحَمَّدٍ العسكري (ع) أَسْأَلُه عَنِ الإِمَامِ هَلْ يَحْتَلِمُ؟ فورَدَ الْجَوَابُ: "حَالُ الأَئِمَّةِ فِي الْمَنَامِ حَالُهُمْ فِي الْيَقَظَةِ لَا يُغَيِّرُ النَّوْمُ مِنْهُمْ شَيْئًا، وقَدْ أَعَاذَ اللَّه أَوْلِيَاءَه مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ .."(3).

ثم إنَّ الجنابة الناشئة عن المعاشرة الزوجيَّة لا تُوجب تنجُّس البدن فهي حدَثٌ كحدَثِ النوم غايته أنَّ الشارع تعبَّد المكلَّفين بالوضوء للصلاة بعد حدث النوم وتعبَّدهم بالغُسل بعد حدث الجنابة إلا أنَّ أيًّا منهما لا يُوجب صيرورة البدن نجسًا.

وأمَّا معنى قوله (ع): "ونَجْوُه كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ" فهو أنَّ رائحة نجوه كرائحة المسك، فحُذفتْ كلمة رائحة الأولى -والتي هي في موقع المُضاف إلى كلمة النجو- لدلالة الثانية عليها، وهذه الخصوصيَّة منحَها الله تعالى لأوليائه تكريمًا لهم، فهذه الفقرة لا ربط لها بالطهارة والنجاسة.

ثم إنَّ الطهارة والنجاسة من الأحكام الشرعيَّة الاعتبارية والتي لا تدور مدار الطهارة والقذارة العرفيَّة، ففضلاتُ الحيوان المحلَّل مثلًا طاهرةٌ -بحسب الاعتبار الشرعي- رغم قذارتها عرفًا، وسؤر الكافر نجسٌ رغم عدم قذارته عرفًا. 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

15 / جمادى الأولى / 1442هـ

30 / ديسمبر / 2020م


1- الكافي -الكليني- ج1 / ص388.

2- سورة المائدة / 6.

3- الكافي -الكليني- ج1 / ص509.