إقعاد الميِّت أثناء التغسيل
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد
المسألة:
هل يجوز إقعاد الميِّت أثناء تغسيله ليسهل بذلك تنظيفه أو إجراء الماء عليه؟
الجواب:
المشهور بين الفقهاء كراهة إقعاد الميِّت أثناء تغسيله بل أدُّعي الإجماع على ذلك([1]) ويدلُّ على الكراهة معتبرة الكاهلي قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ؟ فَقَالَ: اسْتَقْبِلْ بِبَاطِنِ قَدَمَيْه الْقِبْلَةَ .. وإِيَّاكَ أَنْ تُقْعِدَه .."([2]) ويؤيِّد ذلك ما ورد في مرسلة الدعائم عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: ".. ولا يُجلسه ولا يكبّه، فإنَّه إذا أجلسه اندقَّ ظهره"([3]) أي أنَّه يكون في معرض الإصابة بذلك لوهن بدنه بعد موته.
وكذلك يُمكن تأييد الكراهة بأنَّ الإقعاد منافٍ للرفق بالميِّت المأمور به كما في رواية عُثْمَانَ النَّوَّاءِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) إِنِّي أَغْسِلُ الْمَوْتَى قَالَ: وتُحْسِنُ؟ قُلْتُ: إِنِّي أَغْسِلُ فَقَالَ (ع): "إِذَا غَسَلْتَ فَارْفُقْ بِه"([4]) وكذلك ورد في معتبرة الكاهلي عن أبي عبد الله قال: ".. واغْسِلْه بِرِفْقٍ وإِيَّاكَ والْعُنْفَ .."([5]).
هذا وقد نُسب إلى بعض الفقهاء القول بحرمة الإقعاد للميِّت([6])، ولعله نشأ عن استظهار ذلك من قوله (ع) في معتبرة الكاهلي: "وإِيَّاكَ أَنْ تُقْعِدَه" وظهورُه في اللزوم وإنْ كان مسلَّمًا إلا أنَّه يتعيَّن رفعُ اليد عنه وذلك لاشتهار القول بالكراهة شهرةً عظيمة وهو ما يصلحُ قرينةً على عدم إرادة الحرمة من النهي عن الإقعاد الوارد في مثل معتبرة الكاهلي، خصوصًا مع الالتفات إلى أنَّ الإقعاد من المستحبَّات عند جمهور العامَّة([7]) فلو كان محرَّمًا عندنا لكان المناسب اشتهاره بين فقهائنا لكون المسألة ممَّا يكثر تداولُها لكونها من المسائل التي يعمُّ الابتلاء بها كيف والمتسالم عليه بينهم هو جواز الإقعاد نعم ذهب المشهور إلى كراهته.
وممَّا ذكرناه يتَّضح الحال في توجيه ما ورد في معتبرة أبي العباس البقباق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألتُه عن غسل الميت؟ فقال: "أقعده واغمز بطنَه غمزًا رفيقًا ثم طهِّره من غمز البطن .."([8]) فإنَّ الأمر بالإقعاد محمولٌ على التقيَّة كما أفاد الشيخ في الاستبصار والتهذيب([9]) لموافقته لفتوى جمهور العامَّة، أو يقال إنَّ مقتضى الجمع العرفي بين الأمر بالإقعاد والنهي عنه في مثل معتبرة الكاهلي هو حمل الأمر على الجواز، وحمل النهي على الكراهة.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
27 / جمادى الأولى / 1442هـ
11 / 01 / 2021م
[1]- الحدائق -الشيخ يوسف البحراني- ج3 / ص467، مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج3 / ص165.
[2]- الكافي -الكليني- ج3 / ص141، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج2 / ص483.
[3]- دعائم الإسلام -القاضي النعمان المغربي- ج1 / ص230.
[4]- الكافي -الكليني- ج3 / ص144، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص36.
[5]- الكافي -الكليني- ج3 / ص141، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج2 / ص483.
[6]- مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج3 / ص165.
[7]- منتهى المطلب -العلامة الحلِّي- ج7 / ص161.
[8]- تهذيب الأحكام -الطوسي -ج1 / ص446، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج2/ ص484.
[9]- الاستبصار -الشيخ الطوسي- ج1 / ص206، تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج1 / ص246.