الجواب على النفي المُطلق لحصول التواتر في رواياتنا

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد

المسألة:

سماحة الشيخ:

أحدهم أثار اشكالاً حيث يزعم عدم وجود تواتر في الروايات مطلقا

يقول: إنَّ التواتر يتحقَّق في حياتنا العملية اليوميَّة حيث بأنفسنا يردنا خبر من أطراف كثيرة مثل وكالات الأنباء والمراسلين والأشخاص الذي شهدوا الحادثة وكتبوا عن ذلك في صفحاتهم الالكترونية مثلا، فهنا يتحقق التواتر.

ولكن عندما نأتي لستين رواية وكلها قد أخبرنا بها شخص واحد وهو الكليني، فهذا لا يفيد تواتر الخبر .. هذا خبر آحاد .. هذا الحال كمن يأتيك بخبر حدث في جدحفص قبل عشر سنوات ويعدد لك الشهود الذين أخبروه بذلك، فنحن سمعنا الخبر من شخص واحد وهو سمعه من عشرين ولم نسمع من الشهود الذين ذكرهم.

نعم كتاب الكافي ونسبته للشيخ الكليني متواتر، ولكن أي خبر داخل نفس الكتاب لا يعد متواترا حتى لو بلغت الروايات ما بلغت لأنَّ الراوي لنا هو فقط الكليني

الجواب:

صاحبُ الإشكال غفِل أو لا يعلم بأنَّ وسيلة الوصول إلى روايات أهل البيت (ع) لا تنحصر بالطُرق التي وصلتنا بواسطة الشيخ الكليني (رحمه الله) المتوفى سنة 328 / 329ه. فثمة الكثير من المحدِّثين وصلتنا رواياتُ أهل البيت (ع) من طُرقهم، وهذه الطُرق لا تمرُّ عبر الشيخ الكليني (رحمه الله) فمِن هؤلاء المحدِّثين:

الأول: الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق المتوفى سنة 381ه‍ له مصنفات كثيرة مثل كتاب من لا يحضره الفقيه، وكتاب التوحيد، والخصال، وكمال الدين واتمام النعمة، ومعاني الأخبار، وعيون أخبار الرضا (ع)، وعلل الشرائع، وفضائل الشيعة، وفضائل الأشهر الثلاثة، وثواب الأعمال، والأمالي وغيرها وكلُّ طرقه إلى روايات أهل البيت لا تمرُّ بالشيخ الكليني

الثاني: الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي المتوفي 368ه‍ صاحب كتاب كامل الزيارات.

الثالث: الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم أبي عبد الله العكبري البغدادي (336-413ه‍) له مصنفات كثيرة أهمها في الحديث كتاب الأمالي وكتاب الإرشاد.

الرابع: الشيخ أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي من أعلام القرن الثالث والرابع الهجري. صاحب كتاب التفسير بالمأثور عن أهل البيت (ع).

الخامس: الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة المتوفى 460ه الطوسي له طرق كثيرة لا تمرُّ بالشيخ الكليني وقد ذكر الكثير من طرقه في كتابه الفهرس والمشيخة، له مصنفات كثيرة أهمها في الحديث كتاب التهذيب، وكتاب الاستبصار، وكتاب الغيبة، وكتاب الأمالي، وكتاب اختيار معرفة الرجال للكشي.

السادس: الشيخ أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي من علماء القرن الرابع الهجري، صاحب كتاب كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر.

الثامن: الشيخ أبو عبد الله محمد بن ابن إبراهيم بن جعفر الكاتب المعروف ب‍ (ابن أبي زينب النعماني) المتوفى حدود سنة 360 ه‍ ق، صاحب كتاب الغيبة.

التاسع: الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري المتوفى سنة 260 ه‍، صاحب كتاب الغيبة المعروف بإثبات الرجعة، وكتاب الإيضاح وغيرهما.

العاشر: الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي من أصحاب الإمام الرضا والإمام الجواد، صاحب كتاب النوادر. له طرق إلى روايات أهل البيت (ع) وهو متقدم زمنًا على الشيخ الكليني.

الحادي عشر: الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق (ره) المتوفى سنة 329 ه‍ ق، صاحب كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة للفقيه وغيره.

الثاني عشر: الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي، صاحب كتاب المحاسن.

الثالث عشر: الشيخ أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري من أعلام القرن الثالث الهجري صاحب كتاب قرب الأسناد.

الرابع عشر: الشيخ أبو الحسن على بن الحسين بن على المسعودي المتوفى: 346ه صاحب كتاب إثبات الوصية.

الخامس عشر: الشيخ أبو علي محمد بن همام الإسكافي من أصحاب سفراء الإمام الحجة (عج) المتوفى سنة 336ه‍ صاحب كتاب التمحيص.

السادس عشر: الشيخ أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي من أعلام الغيبة الصغرى المتوفى 352ه صاحب التفسير بالمأثور عن أهل البيت (ع).

السابع عشر: النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي المتوفى سنة 363ه‍ صاحب كتاب دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل البيت رسول الله (عليه وعليهم أفضل السلام).

الثامن عشر: الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي 359-406ه صاحب كتاب خصائص الأئمة (عليهم السلام) وغيره.

التاسع عشر: الشيخ أبو محمد الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي من أعلام الرواة للقرن الثاني والثالث الهجري صاحب كتاب الزهد.

العشرون: الشيخ أحمد بن عبيد الله بن عياش المتوفي سنة 401ه‍ صاحب مقتضب الأثر في النصِّ على الأئمة الاثني عشر.

الحادي والعشرون: الحسين بن بسطام بن سابور الزيات وعبد الله بن بسطام بن سابور الزيات صاحبا كتاب طب الأئمة (ع).

الثاني والعشرون: الحافظ محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي المتوفى أوائل القرن الرابع الهجري صاحب كتاب المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ودلائل الإمامة وغيرهما.

الثالث والعشرون: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي المتوفى سنة 283ه صاحب كتاب الغارات وغيره.

الرابع والعشرون: الشيخ أبو الحسين سعيد بن هبة الله المشهور به قطب الدين الراوندي (رحمه الله) المتوفى سنة 573ه صاحب كتاب الدعوات، وكتاب الخرائج وكتاب قصص الأنبياء وغيرها

الخامس والعشرون: الشيخ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي المتوفي سنة 449ه صاحب كتاب الاستنصار في النصِّ على الأئمة الأطهار.

السادس والعشرون: الشيخ أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي المتوفى سنة 548ه صاحب كتاب الاحتجاج وكتاب مكارم الأخلاق، وكتاب إعلام الورى بأعلام الهدى وغيرها.

السابع والعشرون: الشيخ محمد بن الفتال النيسابوري في سنة 508ه‍ صاحب كتاب روضة الواعظين

الثامن والعشرون: أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ "الصفار" المتوفى سنة 290ه صاحب كتاب بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد (ع) وغيره.

التاسع والعشرون: علي بن الإمام جعفر الصادق (ع) من أصحاب الإمام موسى بن جعفر والإمام الرضا (ع) والإمام الجواد (ع) من أعلام القرن الثاني الهجري، صاحب كتاب مسائل عليِّ بن جعفر (ع).

الثلاثون: السيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى ابن طاووس الحلي المتوفى سنة 664ه‍ صاحب المصنَّفات الكثيرة.

الحادي والثلاثون: السيد عبد الكريم بن طاووس الحسني 647-693ه‍ صاحب كتاب فرحة الغري.

الثاني والثلاثون: السيد الامام ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي الحسني الراوندي 483-571ه‍ صاحب كتاب النوادر

هذه أسماء عددٍ وافر من المحدِّثين من علمائنا وصلتنا بعض كتبهم وهي مطبوعة وفي متناول اليد وهي بالعشرات وأكثرها محرزة الانتساب لمؤلفيها وقد اشتملت على طرقٍ كثيرة لهم إلى روايات أهل البيت (ع) يشقُّ مجموع هذه الطرق على الإحصاء، والكثير الكثير من هذه الطرق لا تمرُّ بالشيخ الكليني (رحمه الله) وليست متداخلة من طرف هذه الأسماء التي ذكرناها كما أنَّ بعضها متداخلة.

وعليه فلو كنَّا نبحث في قضية شرعيَّة أو عقائدية كغيبة الإمام المهدي (ع) -مثلًا- فوجدنا الكليني قد أورد رواياتٍ بطرقه في كتاب الكافي تدلُّ على ذلك، ورواياتٍ أوردها الشيخ الصدوق بطرقه في مثل كتاب كمال الدين، ورواياتٍ أوردها الشيخ المفيد بطرقه التي لا تمر بالكليني في الأمالي أو الإرشاد، وروايات أوردها الشيخ الطوسي بطرقه في كتاب الغيبة، وروايات أوردها الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة، وروايات أوردها النعماني في كتاب الغيبة، وروايات أوردها عليُّ بن إبراهيم القمي في تفسيره، ورواياتٍ أوردها جعفر بن قولويه في كامل الزيارات، وروايات أوردها الخزاز القمي في كفاية الأثر، ورواياتٍ أوردها والد الشيخ الصدوق في الإمامة والتبصرة، وروايات أوردها الشريف الرضي في خصائص الأئمة (ع)، وروايات أوردها الشيخ أحمد بن عبيد الله بن عياش في مقتضب الأثر في النصِّ على الأئمة الاثني عشر، ورواياتٍ أوردها المسعودي في كتابه إثبات الوصية، ورواياتٍ أوردها الكراجكي في عددٍ من كتبه، وروايات أوردها السيد ابن طاووس في عدد من كتبه، ورواياتٍ أوردها محمد بن جرير بن رستم الطبري الامامي في عددٍ من كتبه، ورواياتٍ أوردها محمد بن الفتال النيسابوري في كتابه روضة الواعظين أو غيره من كتبه، وروايات أوردها قطب الدين الراوندي في عددٍ من كتبه، فلو وجدنا أنَّ لهؤلاء الأعلام روايات بطرقٍ إلى أهل البيت (ع) تدلُّ على هذه القضية ووجدنا أنَّ هذه الطرق ليست متداخلة فلماذا لا يتشكَّل من ذلك تواتر بعد أن لم تكن هذه الطرق منتهية إلى الشيخ الكليني وحده أو إليه وإلى الشيخ الصدوق أو إليهما وإلى الشيخ الطوسي بل هي منتهية إلى هؤلاء وعددٍ وافر غيرهم.

على أنَّنا لسنا بحاجة إلى عددٍ وافر من أصحاب الأصول والمصنَّفات لتحصيل التواتر من جهتهم، فإنَّ القيمة الاحتمالية العالية لخبر كلِّ واحدٍ من هؤلاء الأعلام كالشيخ الكليني والصدوق والطوسي والقمي تُوجب سرعة الوصول إلى التواتر من جهتهم، نعم قد نحتاج إلى تكثير الطرق من غير جهة أصحاب الأصول والمصنَّفات الذين ذكرنا أسماءهم.

وهذا أمرٌ مدركٌ وجدانًا لدى العقلاء، فمثلًا لو جاءنا ثلاثةٌ أو أربعة من العلماء الأثبات المعروفين برجاحة العقل والورع والتقوى والتحرُّج عن الكذب فأخبروا عن مشاهدتهم عيانًا لواقعة فإنَّ الأسوياء من العقلاء يحصلُ لهم اليقين بحدوث الواقعة، فلا يحتاجون للوصول إلى اليقين بحدوث الواقعة -إذا لم تكن ثمة موانع- لأكثر من هذا العدد، وعلى خلاف ذلك لو أنَّ هؤلاء الثلاثة أو الأربعة قد أخبروا عن حدوث الواقعة بواسطة أربعة هم دونهم في التثبُّت والتقوى والورع فإنَّنا وإنْ كنا نقطع بأنَّ الواسطة أخبرتهم بالواقعة إلا أنَّنا نحتاج للقطع بحدوث الواقعة نفسها إلى عددٍ أكبر من الوسائط، وتحديد المقدار الذي نحتاجه يخضعُ زيادة ونقصًا لعوامل فصَّلنا الحديث حولها في المقدِّمة المطوَّلة التي قدَّمنا بها كتابنا تواتر النصِّ على الأئمة (ع) فلاحظ.

وعلى أيِّ تقدير فإنَّنا لا نحتاج من أصحاب الأصول والمصنَّفات أمثال الشيخ الكليني والصدوق والطوسي وأشباههم لأكثر من التثبُّت من أنَّ الواسطة أخبرتهم، وحصولُ اليقين بذلك لا يحتاج إلى عددٍ كبير نظرًا للقيمة الاحتماليَّة العالية لصدق كلِّ واحدٍ من هؤلاء الأعلام، ولهذا لا نحتاج لتشكيل التواتر من جهتهم إلى عددٍ كبير من المصنِّفين أمثالهم

وبتعبير آخر: إنَّ القيمة الاحتماليَّة لصدق الكليني أنَّ الواسطة قد أخبرته عاليةٌ جدًّا تصلُ لمرتبة الظنِّ القريب من العلم، فإذا انضمَّ إليها إخبارُ الشيخ الصدوق أنَّ الواسطة أخبرته فإنَّ نسبة الوثوق تتصاعد، فإذا انضمَّ إليها إخبارُ الشيخ علي بن إبراهيم القمِّي أنَّ الواسطة أخبرته، وانضمَّ إلى الإخبارات الثلاثة إخبارُ الشيخ جعفر بن قولويه وإخبار الشيخ أبي جعفر الطوسي فإنَّ تراكم القيم الاحتماليَّة -والتي هي عالية في نفسها- لهذه الاخبارت يُنتج اليقين سريعًا دون الحاجة إلى تكثير عدد الإخبارات لما يزيد على هذا المقدار بل لما هو دونه.

ولمزيد من التفصيل يمكنكم مراجعة المقدِّمة التي قدمنا بها كتاب تواتر النصِّ على الأئمة (ع).

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

14 / ذو الحجة / 1442هـ

25 / يوليو / 2021م