﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ ..﴾ بيان لطبيعة المرأة بما هي

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

سماحة الشيخ:

هناك مَن يقول إنَّ التنشئة الاجتماعية هي السبب وراء تخلُّف المرأة في المواقع القياديَّة الكبيرة، وجاءت الروايات التي تمنع من تمكين المرأة من المواقع القياديَّة الحساسة مثل الولاية والقضاء .. الخ بسبب واقع ذلك العصر، والدليل أنَّ القرآن قال: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾.

فالقرآن هنا لا يُقرِّر أنَّ هذه هي التنشئة المناسبة لطبيعة المرأة، ولكنَّه يصفُ واقع المرأة عندما يتمُّ تنشئتها اجتماعياً وأسريا تجاه حبِّ الزينة فتكون عاجزة.

والسؤال: هل القرآن في مقام التوصيف لواقع المرأة في عصر النصِّ، أم أنَّه في مقام تقرير ما ينبغي أنْ تنشَّأ عليه المرأة وهو حبُّ الزينة؟ ثم ماذا عن قوله تعالى: ﴿وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾؟ أليس ذلك نتاج تلك التنشئة؟

الجواب:

هي لم تُنشَّأْ في الحلية لأنَّهم اختاروا لها ذلك بل لأنَّ طبيعة خَلْقها وتكوينها اقتضى ذلك، فحتى البنت التي لا تحظى بهذه التنشئة تجدُ نفسها تميلُ إلى هذه التنشئة، ومتى ما سنحتْ لها الفرصة وتهيئت لها الظروف فإنَّها تعودُ إلى ما تقتضيه طبيعتُها.

﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ ..﴾ بصدد الكناية عن طبيعة المرأة:

ثم إنَّ ظاهر هذه الفقرة من الآية: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ﴾ هو أنَّها بصدد الكناية عن طبيعة المرأة، وليست بصدد التوصيف للواقع الخارجي، فهي تماماً كما يُقال: زيدٌ كثيرُ الرماد، فإنَّ المتكلِّم لا يقصدُ من ذلك أنَّ بيت زيدٍ مليءٌ بالرماد، وإنَّما يقصدُ مِن ذلك أنَّه كريم، فقد لا يكون في بيت زيدٍ رمادٌ أصلاً، فلأنَّ كثرة الرماد في البيت تنشأ عادةً فيما سبق عن كثرة طهي الطعام المقدَّم للضيوف لذلك صار يُكنَّى عن الكرم بكثرة الرماد، ولهذا يكون المتكلِّم صادقاً في وصف زيدٍ بكثير الرماد حتى لو لم يكنْ في بيت زيد رمادٌ إذا كان كريماً، فالإخبار عن زيدٍ بأنَّه كثيرُ الرماد إخبارٌ في الواقع عن أنَّه كريم.

كذلك هو الإخبار عن المرأة بالناشئة في الحلية ليس المقصود منه التوصيف لواقعها الخارجي، وإنَّما المقصودُ من ذلك هو الكناية عن طبيعتها المناسبة للتنشئة في الحلية، فحتى لو لم تنشأ المرأة في الحلية فإنَّه يصحُّ وصفُها بالناشئة في الحلية، لأنَّ المقصود من هذا التوصيف هو الاخبار عن طبيعتها.

وعليه فمعنى قوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ﴾ هو: أوَمن كان طبعه اللِّين والعاطفة والميل إلى الدَّعة ومظاهر الزينة مِن الحلل والحُلي.

القرينة على أنَّها ليست بصدد التوصيف للواقع الخارجي:

والقرينة على أنَّ الآية لم تكن بصدد التوصيف لواقع المرأة الخارجي هو أنَّه ليس كلُّ امرأةٍ وبنتٍ في عصر النصِّ كانت تُنشَّأ في الحلية بل لم يكن الكثير من النساء في عصر النصِّ ينشأنَ في الحلية، خصوصاً سكَّان البوادي -والتي هي أكثر أراضي الحجاز ونجد- فنساءُ البادية ترعى الأغنام في الهجير ولهب الشمس والصحاري المفتوحة والمترامية، فكانت ترعى الأغنام وتحميها من الضباع والهوام، وكانت تجلبُ الماء من الواحات والآبار، وتحملُ الأخشاب والأشواك لتكون وقوداً للنار، وكانت تذبحُ الشاة وتسلخُها، وكانت تحلبُ الناقةَ وتسوس الخيل، وتُكابدُ مع الرجال قسوةَ التنقُّل والأسفار، وهكذا كانت نساءُ الأرياف تحرثُ الأرض وتسوسُ ثيران الحرث، وتحصدُ الزرع، وتجني الثمر، وتطحنُ بالرحى، فلم تكن الحالة العامَّة للمرأة هو النشوء في الحلية ورغم ذلك وصفَها القرآن بالناشئة في الحلية، وفي ذلك قرينةٌ على أنَّ الآية لم تكن بصدد التوصيف للواقع الخارجي للمرأة بل كانت بصدد الكناية عن أنَّ ذلك هو المناسبُ لشأنها وطبيعتها.

وعليه فمنشأ عدم صلاحية المرأة للمواقع القيادية كالقوامة والولاية ليس هو طبيعة التنشئة بل هو ما تقتضيه طبيعتها التي فُطِرت عليها وملكاتها النفسيَّة المودَعة في جبلَّتِها، وهي لا تختلفُ باختلاف الزمن، ولا يطرأ عيها تغييرٌ يُذكر وإنْ تفاوتت طبيعة التربية والثقافة، والواقع المُعاش خيرُ برهانٍ لمَن أنصف نفسَه من نفسه ولم يُكابِر أو يُداهن.

فالمرأة تحظى -منذ ما يزيدُ على القرن من الزمن في الكثير الحواضر- بمثل ما يحظى به الرجل من فُرَص التعليم ووسائل التربية وما زالت المرأة -إلا مَن شاء الله- تشغلُها الزينةُ ومظاهرُ الجمال الشخصي، وتغلبُها العاطفة، وتستهويها مقتضيات الرقَّة والدِّعة وتستوحشُ الحزم. وتُخفِقُ فيما تُخفق فيه غير المتعلِّمة فيما يتَّصل بشؤون القوامة والولاية، وتُحسِنُ ما تُحسنُه غير المتعلِّمة.

فعدم صلاحيَّة المرأة للمواقع القيادية لم ينشأ عن كيفية التنشئة بل نشأ عن طبيعة المرأة النفسيَّة والجسديَّة والصفات التي فُطِرت عليها لتكون بها قادرة على أداء الأدوار المُناطة بها والتي لا تقلُّ شأناً عن الأدوار التي يقومُ بها الرجل.

﴿وَهُوَ فِي الْخِصَامِ .. وصف لما تقتضيه طبيعة المرأة:

وأمَّا قوله تعالى: ﴿وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ فهو أوضح في التصدِّي لبيان صفةٍ هي ملازمة غالباً للمرأة بمقتضى طبيعتها وليس بمقتضى ما تلقَّته من تربية وتعليم، فذلك هو المستظهَر عرفاً حينما يُنعت جنسٌ أو صنفٌ بنعتٍ من النعوت، فالعرفُ يفهم أنَّ هذا النعت ثابتٌ لهذا الجنس بما هو، وليس بما يطرأ عليه من حالاتٍ عارضة. فحين يُقال مثلاً: الأسدُ لا يخاف، فإنَّ العرف يفهمُ من ذلك أنَّ هذا النعت وهذا الوصف هو من مقتضيات طبيعته، وليس لحالةٍ عرضت عليه أو تدريبٍ قد تلقَّاه، وهكذا حينما يُقال: الغنم يأكلُ العشب، فإنَّ العُرف يفهم أنَّ ذلك من مقتضيات طبيعته وليس لتدريبٍ قد تلقَّاه، ويفهم كذلك أنَّ هذا النعت ثابتٌ لعامَّة أفراد هذا الجنس من الحيوان، وهذا بخلاف ما لو كان المنعوت فرداً مشخَّصاً فإنَّ النعت لا يكون ظاهراً في أنَّه من مقتضيات طبيعة المنعوت كما لا يفهم العُرف مِن ذلك أنَّ هذا النعت ثابتٌ لكلِّ أفرد الجنس الذي ينتمي إليه المنعوت، فلو قيل: زيدٌ قويُّ البنية، فإنَّ العرف لا يفهم أنَّ القوَّة في البُنية هو من مقتضيات طبيعة زيد، ولا يفهم أنَّ هذا النعت ثابتٌ لكلِّ أفراد الجنس الذي ينتمي إليه زيد.

فحيث إنَّ الآية كانت بصدد وصف جنس المرأة لذلك فالمستظهَر عرفاً أنَّ هذا الوصف هو مِن مقتضيات طبيعتها، وأنَّ هذا الوصف ثابتٌ لكلِّ أفراد الجنس. نعم لو كان هذا الوصف الذي أفادته الآية ثابتٌ لهندٍ مثلاً أو سعاد فإنَّه لا يكون ظاهراً في أنَّ هذا الوصف الثابت لهند نشأ عن مقتضى طبيعتها فلعلَّه نشأ عن عارضٍ عرضَ عليها كما أنَّه لا يكون ظاهراً في أنَّ هذا الوصف ثابتٌ لكلِّ امرأة، فقد يكون هذا الوصف خاصَّاً بهند.

أمَّا حينما يُجعل الوصف بإزاء جنس المرأة فإنَّ العُرف يفهم أنَّ هذا الوصف ثابتٌ للمرأة بما هي امرأة أي ثابت لها بمقتضى طبيعتها وليس لتعليم قد تلقَّته أو ظرفٍ عارضٍ قد وقع لها، كما أنَّ العرف يفهم من جعل هذا الوصف بإزاء جنس المرأة أنَّ هذا الوصف ثابتٌ لكلِّ فردٍ من أفراد المرأة.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

1 / جمادى الثاني / 1443ه

5 / يناير / 2022م


[1]- سورة الزخرف / 18.