جزئية البسملة لكلِّ سورة عدا براءة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل البسملة جزءٌ من كلِّ سورة من سِوَر القرآن عدا سورة براءة أو هي جزءٌ من سورة الفاتحة دون سائر السِوَر؟

الجواب:

لا ريب كما لا خلاف عندنا في أنَّ آية البسملة جزءٌ من سورة الفاتحة، ويدلُّ عليه -مضافاً إلى التسالم- ما أفادته الروايات الكثيرة الواردة عن أهل البيت (ع) والتي منها صحيحة محمد بن مسلم قال: "سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال نعم. قلتُ: بسم الله الرحمن الرحيم من السبع؟ قال: نعم هي أفضلهن "(1).

وأمَّا أنَّها جزءٌ من كلِّ سورة فهو مورد خلافٍ بين العامَّة وبين مشهور الإماميَّة، فالمعروف بين الكثير من فقهاء العامَّة هو أنَّها جزء من فاتحة الكتاب دون سائر سورالقرآن (2)، وأمَّا ما عليه مشهور الإمامية (3) فهو أنَّ آية البسملة جزءٌ من كلِّ سورة من سور القرآن عدا سورة براءة، ويُستدلُّ على ذلك بعددٍ من الروايات:

الرواية الأولى: صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) إِذَا قُمْتُ لِلصَّلَاةِ أَقْرَأُ: {بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } فِي فَاتِحَةِ الْقُرْآنِ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِذَا قَرَأْتُ فَاتِحَةَ الْقُرْآنِ أَقْرَأُ: { بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} مَعَ السُّورَةِ قَالَ: نَعَمْ "(4).

وتقريب الاستدلال بالرواية -بحسب ما أفاده السيد الخوئي-(5) أنَّ سؤال السائل ليس عن جواز قراءة البسملة قبل السورة، فإنَّ ذلك من الواضحات بل هو من الضروريات، وكذلك فإنَّ السؤال ليس عن استحباب قراءة البسملة لوضوح ذلك أيضاً خصوصاً لمثل معاوية بن عمار، فإنَّ البسملة من القرآن وجواز قراءتها يُساوق رجحانه، لذلك فالمتعيَّن أنَّ السؤال كان عن وجوب قراءة البسملة قبل السورة، وقد أجابه الإمام (ع) بالإيجاب فتكون البسملة قبل قراءة السورة واجبة بمقتضى ذلك، ولأنَّه لا يُحتمل أنَّ الوجوب للبسملة قبل السورة نفسيٌّ استقلالي لذلك يتعيَّن أنَّ وجوبها نشأ عن جزئيتها للسورة وبه يثبت المطلوب.

الرواية الثانية: صحيحة يحيى بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (ع) جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ ابْتَدَأَ بِ ﴿بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ فِي صَلَاتِه وَحْدَه فِي أُمِّ الْكِتَابِ فَلَمَّا صَارَ إِلَى غَيْرِ أُمِّ الْكِتَابِ مِنَ السُّورَةِ تَرَكَهَا ؟ فَقَالَ: الْعَبَّاسِيُّ لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ، فَكَتَبَ بِخَطِّه يُعِيدُهَا مَرَّتَيْنِ عَلَى رَغْمِ أَنْفِه يَعْنِي الْعَبَّاسِيَّ"(6).

وتقريب الاستدلال بالرواية أنَّ الأمر بإعادة السورة لترك البسملة أو بإعادة الصلاة لترك البسملة ظاهرٌ في وجوب البسملة للسورة، وحيث لا يحتمل أنَّ وجوبها نفسيٌّ استقلالي لذلك يتعيَّن أنَّ وجوبها نشأ عن جزئيتها للسورة.

وقوله: "يُعِيدُهَا مَرَّتَيْنِ" متعلِّق -ظاهراً- بكتب أي أنَّه كتب يعيدها مرتين للتأكيد ثم أضاف إلى هذا التأكيد تأكيداً آخر بقوله: "رَغْمِ أَنْفِه" أي رغم أنف العباسي الذي أفتى بعدم البأس من ترك البسملة قبل السورة. وفي ذلك إشعار بالتشنيع على ما عليه العامة من دعوى عدم وجوب البسملة للسورة، وحيث أنَّ عدم أيجابهم لقراءة البسملة قبل السورة نشأ عن دعواهم عدم جزئيتها فيكون هذا التشنيع قرينةً أخرى على جزئية البسملة للسورة وأنَّ دعوى عدم جزئيتها لكلِّ سورة خطأ مستحقٌّ للاستهجان والتشنيع.

الرواية الثالثة: ما رواه العياشي في تفسيره عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "سرقوا أكرم آيةٍ في كتاب الله بسم الله الرحمن الرحيم"(7).

وتقريبُ دلالة الرواية على المطلوب ظاهر، فإنَّها ناظرة إلى ما عليه العامَّة مِن دعوى عدم جزئية البسملة للسورة، فذلك هو المراد من نسبة السرقة إليهم، إذ أنَّهم ملتزمون بقرآنيَّة البسملة وأكثرهم ملتزم بقرائتها للفاتحة فيتعين أنَّ متعلَّق السرقة هو البسملة لسائر السور، فالرواية شديدة الظهور في المطلوب إلا أنَّها ونظرا لضعف سندها بالإرسال فإنَّها تصلح للتأييد.

الرواية الرابعة: ما رواه العياشي في تفسيره عن صفوان الجمال قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): "ما أنزل الله من السماء كتاباً إلا وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم، وإنَّما كان يُعرف انقضاء السورة بنزول بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ ابتداءً للأخرى"(8).

ومحلُّ الشاهد من الرواية على المطلوب قوله(ع): "بنزول بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ ابتداءً للأخرى" فإنَّه ظاهر في أنَّ مبتدأ السورة النازلة هو البسملة، فهي ضمن النازل من عند الله مع السورة الجديدة فتكون منها، على أنَّ ذلك هو مقتضى كونها مبتدأ السورة، فمبتدأ الشيءِ جزءٌ منه كما هو واضح، فالرواية صالحة للتأييد لكونها مرسلة.

الرواية الخامسة: ما رواه العياشي أيضاً في تفسيره عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جدِّه عن عليٍّ (عليه السلام) قال: بلغه أنَّ أُناساً ينزعون بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ فقال: هي آيةٌ من كتاب الله أنساهم إيَّاها الشيطان"(9).

وتقريب دلالتها على المطلوب ظاهرٌ، فإنَّ المراد مِن نزعهم للبسملة من كتاب الله ليس هو حذفها من المصحف فإنَّهم ملتزمون برسمها في المصحف في مبتدأ كلِّ سورة، فالمتعين أنَّ المراد من نزعها هو ما عليه العامَّة من عدم قراءتها في الصلاة عند كلِّ سورة لبنائهم على عدم جزئيتها وقد أنكر الإمام (ع) عليهم ذلك ونسب ما هم عليهم من البناء على عدم جزئيتها إلى فعل الشيطان وأنَّه مَن أنساهم إيَّاها.

هذا وفي مقابل هذه الروايات ورد ما يظهر منه عدم جزئية البسملة لغير سورة الفاتحة فمِن ذلك صحيحة الحلبيين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّهما سألاه عمَّن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب قال: نعم إنْ شاء سرَّاً وإنْ شاء جهراً فقالا: أفيقرأها مع السورة الأخرى؟ فقال لا"(10).

إلا أنَّه يتعيَّن حمل هذه الرواية وشبهها على التقية لاستحكام التعارض بينها وبين الروايات السابقة فيكون مقتضى مرجِّحات باب التعارض هو ترجيح الطائفة الأولى لموافقة الطائفة الثانية لمذهب العامَّة فتُحمل على صدورها تقيةً.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

4 / شوال / 1443ه

6 / مايو / 2022م


1- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص57.

2- المغني -عبد الله بن قدامة- ج1 / ص523، بداية المجتهد ونهاية المقتصد -ابن رشد الحفيد- ج1 / ص102، الشرح الكبير -عبد الرحمن بن قدامة- ج1 / ص519.

3- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج 8 / ص105، منتهى المطلب -العلامة الحلِّي- ج5 / ص48، مستند الشيعة -النراقي- ج5 / ص80.

4- الكافي -الكليني- ج3 / ص312، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص58.

5- المستند في شرح العروة -الخوئي- ج14 / ص326، 327.

6- الكافي -الكليني- ج3 / ص313، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص58.

7- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص119.

8- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص119.

9- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص21.

10- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص61.