التكبير ثلاثاً والتهليل بعد النافلة

 بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

روى الشيخ الصدوق بسنده المُفَضَّلُ بنُ عُمَر قال: قُلتُ لأِبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام): لأِيِّ عِلَّةٍ يُكَبِّرُ المُصَلّي بَعدَ التَّسليمِ ثَلاثًا يَرفَعُ بِها يَدَيهِ؟ فَقالَ: لاِنَّ النَّبيَّ (صلى الله عليه وآله) لَمّا فَتَحَ مَكَّةَ صَلّى بِأَصحابِهِ الظُّهرَ عِندَ الحَجَرِ الأَسوَدِ، فَلَمّا سَلَّمَ رَفَعَ يَدَيهِ وكَبَّرَ ثَلاثًا وقالَ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ وَحدَهُ وحدَهُ، أنجَزَ وَعدَهُ، ونَصَرَ عَبدَهُ، وأعَزَّ جُندَهُ، وغَلَبَ الأَحزابَ وَحدَهُ، فَلَهُ المُلكُ ولَهُ الحَمدُ، يُحيي ويُميتُ، وهُوَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ"(1).

ثُمَّ أقبَلَ عَلى أصحابِهِ فَقالَ: لا تَدَعوا هذَا التَّكبيرَ، وهذَا التَّكبيرُ في دُبُرِ كُلِّ صَلاة مَكتوبَة، فَإِنَّ مَن فَعَلَ ذلِكَ بَعدَ التَّسليمِ وقالَ هذَا القَولَ، كانَ قَد أدّى ما يَجِبُ عَلَيهِ مِن شُكرِ اللهِ -تَعالى ذِكرُهُ- عَلى تَقويَةِ الإِسلام وجُندِهِ".

1- إنَّ الرواية التي تذكر استحباب التكبير ثلاثا بعد التسليم قد خصصته بالصلوات المكتوبة؟ فلماذا يؤتى بهذا الفعل في النافلة؟

2- وكيف يأتي أغلب الناس بالمستحب ناقصاً غير كامل فيكبِّرون ثلاثاً ويُهللون واحدة ولا يُكملون الدعاء، فهل ورد في هذه الكيفية المنتشرة نصٌّ؟

الجواب:

الأمرُ بالتكبير ثلاثاً بعد التسليم ورد كذلك في رواية زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: "إذا سَلَّمتَ فَارفَع يَدَيكَ بِالتَّكبيرِ ثَلاثًا"(2).

فمقتضى إطلاق الأمر بالتكبير ثلاثاً بعد التسليم هو محبوبيَّة التعقيب بذلك في مطلق الصلوات فريضةً كانت أو نافلة، واختصاص الأمر بالتكبير في رواية المفضل بالفريضة لا يُوجب تقييد رواية زرارة، إذ أنَّ مؤدَّى كلٍّ من الخطابين إثباتيٌّ لذلك لا تكون احدى الروايتين مقتضية لتقييد الأخرى تماماً كما لو ورد الأمر بالصوم يوم الخميس -مثلاً- وورد أمرٌ آخر بصوم أيام السنة فإنَّ الخطاب الأول لا يكون موجباً لتقييد استحباب الصوم بيوم الخميس خاصَّة بل يتعيَّن البناء على استحباب صوم يوم الخميس وكذلك استحباب صوم سائر الأيام، على أنَّ اختلاف روايات السُنن من حيث الاطلاق والتقييد يُحملُ -كما هو ثابتٌ في محلِّه- على تعدُّد المطلوب والتفاضل في المطلوب، بمعنى أنَّ الفاقد للقيد مطلوبٌ والواجد للقيد كذلك مطلوب ولكنَّ الطلب للواجد للقيد آكد، فالتكبير ثلاثاً في دبر كلِّ صلاة مطلوبٌ ولكنَّ مطلوبيَّته في دبر الفريضة آكد، والتكبير ثلاثاً دون الدعاء بعده مطلوب إلا أنَّ مطلوبيَّته ضمن الدعاء المذكور في رواية المفضَّل آكد.

وأمَّا ما تعارف بين الناس من التهليل بعد التكبير ثلاثاً فيُمكن تصحيحُه بأنَّه من أجلى مصاديق الذكر لله تعالى، وهو مستحبٌّ في نفسه على أيِّ حال وفي كلِّ وقت كما يقتضيه مثل قوله تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (3) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا / وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (4) وقوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (5).

وكذلك يقتضيه مثل صحيحة هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ مَنْ شُغِلَ بِذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُه أَفْضَلَ مَا أُعْطِي مَنْ سَأَلَنِي"(6).

ومعتبرة السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: أَوْحَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ إِلَى مُوسَى (ع): يَا مُوسَى (ع) لَا تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ، ولَا تَدَعْ ذِكْرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ تُنْسِي الذُّنُوبَ، وإِنَّ تَرْكَ ذِكْرِي يُقْسِي الْقُلُوبَ"(7).

وما رواه أحمد بن فهد في (عدَّة الداعي) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "اعلموا أنَّ خيرَ أعمالِكم عند مليكِكم وأزكاها وأرفعَها في درجاتِكم وخيرَ ما طلعتْ عليه الشمس ذكرُ اللهِ سبحانه وتعالى، فإنَّه أخبرَ عن نفسِه قال: أنا جليسُ مَن ذكرني"(8).

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

6 ذو القعدة 1443ه

6 يونيو 2022م


1- علل الشرائع -الصدوق- ج2 / ص360، وسائل الشيعة -الحرُّ العاملي- ج6 / ص453.

2- مستدرك الوسائل -النوري الطبرسي- ج5 / ص52.

3- سورة الأعراف / 205.

4- سورة الأحزاب / 41، 42.

5- سورة البقرة / 152.

6- الكافي -الكليني- ج2 / ص501.

7- الكافي -الكليني- ج2 / ص497.

8- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج7 / ص162.