﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾ -2

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

الحَمدُ للهِ الوَلِيِّ الحَميدِ، الحَكيمِ المَجيدِ، الفَعّالِ لِما يُريدُ، عَلاّمِ الغُيوبِ، وخالِقِ الخَلقِ، ومُنزِلِ القَطْرِ، ومُدَبِّرِ أَمرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ، ووارِثِ السَّماواتِ وَالأَرضِ، الَّذي عَظُمَ شَأنُهُ فَلا شَيءَ مِثلُهُ، تَواضَعَ كُلُّ شَيء لِعَظَمَتِهِ، وذَلَّ كُلُّ شَيء لِعِزَّتِهِ، وَاستَسلَمَ كُلُّ شَيء لِقُدرَتِهِ، وَقَرّ كُلُّ شَيء قَرارَهُ لِهَيبَتِهِ.

نحمَدُه على ما كان، ونستعينُه من أمرِنا على ما يكون، ونستغفرُه، ونستهدِيه، ونشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ونشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه، أرسلَهُ بالحقِّ داعياً إلى الحقِّ، وشاهداً على الخَلْق، فبلَّغ رسالاتِ ربِّه كما أمرَه، لا متعدِّياً ولا مُقصِّرا، وجاهدَ في اللهِ أعداءَه، لا وانياً ولا ناكلاً، ونصحَ له في عبادِه صابراً مُحتسِبا، فقبضَه اللهُ إليه، وقد رضيَ عملَه وتقبَّل سعيَه صلَّى الله عليه وآلِه.

أُوصيكم عبادَ الله -ونفسي- بتقوى الله، واغتنامَ ما استطعتُم عملاً به من طاعتِه في هذه الأيام الخالية، والرفضَ لهذه الدنيا التاركةَ لكم، وإنْ لم تكونوا تُحبون تركَها، والمبليةَ لكم وإنْ كنتم تُحبُّون تجديدَها، فلا تتنافسوا في عزِّ الدنيا وفخرِها، ولا تعجبوا بزينتِها ونعيمِها، ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسِها، فانَّ عزَّ الدنيا وفخرَها إلى انقطاع، وإنَّ زينتَها ونعيمَها إلى زوال وإنَّ ضُرَّها وبؤسَها إلى نفاد، وكلُّ مدَّةٍ منها إلى مُنتهى، وكلُّ حيٍّ منها إلى فَناءٍ وبلاء، أوليسَ لكم في آثار الأولين وفى آبائكمُ الماضين معتَبَر. أولم تروا إلى الأموات لا يرجعون، والى الأخلاف منكم لا يخلُدون.

الهلَع من الصفات الجبلِّيَّة دون الجزعِ والبُخل:

يقولُ اللهُ تعالى في محكمِ كتابِه المجيد: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا / إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا / وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا / إِلَّا الْمُصَلِّينَ / الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾(1).

تحدَّثنا فيما سبقَ حولَ الآياتِ الثلاث من سورة المعارج، وقلنا إنَّ الهَلوع والذي هو من صيغ المبالغة مشتقٌ من الهلَع، والهلعُ يعني شدَّة الحرص، وقلنا إنَّ ظاهر الآية الأولى من الآيات الثلاث أنَّ صفة الهلَع من الصفات الجبلِّية في الإنسان أي أنَّه خُلقَ مطبوعاً ومجبولاً على شِدَّة الحِرصِ وحبِّ نيل الخير وجلبِه لنفسه، وهذه الصفةُ ليستْ مذمومةً في الإنسان ما لم تخرجْ عن حدِّ الاعتدال شأنُها في ذلك شأنُ سائر الصفاتِ الجبلِّيَّة في الإنسان، فالذمُّ المُستفادُ من سياقِ الآيات موجَّهٌ إلى سوءِ التدبير لهذه الصفةِ والخروجِ بها عن حدِّ الاعتدال، ولذلك استثنتْ هذه الآياتُ أصنافاً من الناس لا لأنَّهم غيرُ واجدِين لصفة الحِرص على نيلِ الخير بل لأنَّهم أحسنوا التوظيف لهذه الصفةِ، ولم تخرجْ بهم عن حدِّ الاعتدال، فالمصلُّونَ حريصونَ على الخير، وكذلك المنفِقون على السائلِ والمحرومِ والذين هم لفروجِهم حافظون، فكلُّ هؤلاءِ وسائرُ الأصنافِ الذين استثنتهم الآياتُ من سورة المعارج حريصونَ على جلبِ الخيرِ لأنفسِهم لكنَّه الخيرُ الواقعي وليس هو الخيرَ الوهمي أو المزاحَمَ بشرٍّ أكبر.

الاِعتدال في الحرص ليس مذموماً:

فشدَّةُ الحِرص ما لم تدفعْ إلى مثل الجزعِ والبخل ليست من الصفاتِ المذمومة في الإنسان، أمَّا إذا بلغت شدَّةُ الحِرص على الخير حدَّاً أصبح معها الإنسانُ جزوعاً منوعاً فإنَّ هذه الصفةَ تُصبح مذمومةً لا في نفسها وإنَّما لخروجِها عن حدِّ الاعتدال ولاقتضائها حينذاك نقضَ الغرض، فهو بجزعِه وبُخلِه لا يجلبُ الخيرَ لنفسه وإنَّما يتوهَّمُ ذلك، والواقعُ أنَّه يضرُّ بنفسِه ويسوقُها للهلاك والخُسران يوم القيامة، فهو وإنْ كان قد يجلبُ الخيرَ لنفسِه بجزعه وبخلِه لكنَّه خيرٌ مؤقَّت يعقُبه شرٌّ دائم، والخيرُ المستتبِع لشرٍّ أكبر ليس خيراً واقعاً كما أفاد أميرُ المؤمنين (ع) فيما روُي عنه في نهج البلاغة: "مَا خَيْرٌ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّارُ، ومَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ الْجَنَّةُ، وكُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ، وكُلُّ بَلَاءٍ دُونَ النَّارِ عَافِيَةٌ"(2).

معنى قوله تعالى: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾:

ثم إنَّ المراد ظاهراً من الجزوع في قوله تعالى: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾ هو مَن إذا كان في مكروهٍ أو أصابه مكروهٌ فقَدَ صوابَه، فصار فعلُه مِن وحي المكروه الذي هو فيه، وليس من وحي عقلِه أو دينِه، وذلك في مقابل الصابر الذي لا يُخرجُه المكروهُ الذي أصابه أو كان ملازماً له عن صوابِه، فكلٌّ من الجازعِ والصابرِ ينتابُه الحُزنُ والأسى لِمَا هو فيه مِن مكروهٍ إلا أنَّ الفرقَ بينهما أنَّ الصابرَ لا يُصغي لدواعي الحُزن والأسى بل يكبحُ النفسَ عن الانسياقِ والاسترسالِ مع مقتضيات الحُزن، فيبقى مستمسكاً بعقلِه ورشدِه وما يُوصي به دينُه. وأمَّا الجازعُ فينساقُ وراء دواعي المكروهِ الذي أصابَه أو كان مُلازماً له.

حقيقةُ الجزع واختلافُ مظاهرِه:

ومِن ذلك يتَّضح أنَّ المراد مِن الجزع ليس هو العويلَ والصراخَ عند المصيبة، فذلك مظهَرٌ من مظاهر الجزَع، وأمَّا حقيقتُه فهو الاِنسياق مع دواعي المصيبة، فتكونُ أفعالُه مِن وحي المصيبة وليس من وحي العقلِ والدين، ولهذا يتمظهَرُ الجزعُ بمظاهرَ مختلفة بحسبِ اختلاف طبيعةِ المصيبة، فمظهرُ الجزع عند الفقدِ يختلفُ عن مظهرِ الجزع من الفقر، وهو يختلفُ عن مظهرِه عند مواجهةِ المَخوف، فالجزعُ في كلِّ هذه الأحوال وشبهِها واحدٌ ولكنَّ آثارَه ومظاهرَه مختلفة، فهو في جميع هذه الأحوال يعني التخلِّي عن مقتضيات العقلِ والدين والخُلق، والركونُ لبواعثِ النفسِ المنفعَلة بالمصيبة، غايتُه أنَّ لذلك مظاهرَ مختلفة بحسب اختلاف طبيعة المصيبة.

فالمُبتلى بمصيبةِ الفقر -مثلاً- إذا أخرجتْه هذه المصيبة عن صوابِه، فلم يَعُد -تحت ضغط هذه المصيبة- يَعبأُ بدينٍ أو عقلٍ أو خُلق، فقادته هذه المصيبة إلى أنْ يسرقَ أو يبتزَّ أو يحتالَ أو يُماكرَ أو يُخادِع فهو جَزوع، وكذلك لو قادتْه هذه المصيبة إلى أنْ يُذِلَّ نفسَه أو يبيعَ شرفَه أو يُظاهِرَ الظلمة أو يستظهرَ بهم فهو جَزوع، ومصداقٌ جليٌّ لقوله تعالى: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾ فالشرُّ هو الفقر، وحيثُ قادَه التبرُّم والأذى والاِنزعاجُ من الفقر إلى التخلِّي عن مقتضيات العقلِ والدين والخُلق وألجئه إلى مقارفة ما لو لم يكن مبتلى بالفقر لمَا كان قد فعلَه لذلك فهو جَزوع.

وكذلك لو ابتُلي الإنسانُ بالمرض فقادَه الشعورُ بالأذى والألم إلى السخطِ على ربِّه واتَّهامه في عدلِه وحُسن تدبيره فهو جَزوع وإنْ لم يكن يئنُ أو يشكو، وكذلك لو ابتُلي في بعض ولده فكان فيهم المريض أو المُعاق فإذا قادته الحسرةُ على ولده والعناءُ الذي يُكابِدُه في تمريضِه إلى أنْ يشكوَ ربَّه أو يرتابَ في عدلِه أو يتهاونَ في فرائضه فهو جَزوع.

وإذا ابتُلي الإنسانُ بأمرٍ مخوف فتخلَّى عن قيمِه ومبادئه فداهنَ ومالئ حرصاً منه على العافية فهو جَزوع، وهكذا لو ابتُلي بالغُربة فقادته الوحشةُ منها إلى أنْ يأنسَ بالفاسقين أو الضالِّين فيخوضُ فيما يخوضون فهو جَزوع، لأنَّه أصغى إلى دواعي النفس المنفعلةِ بهذه المصيبة فقادتْه إلى التخلِّي عن دينِه وقيَمه. وهكذا لو استحكمَ الضجرُ أو السأمُ أو الهمُّ والغمُّ في النفس فعمدَ إلى الترويحِ عنها بالمعصية أو بما يُنافي سمتَ العقلاء فهو جزوعٌ أيضاً.

الجَزوع يجمعُ على نفسِه مصيبتين:

فالجزع ليس له مظهرٌ واحد وإنْ كانت حقيقتُه واحدة، فكلُّ مَن لم يصبر على المكروه فقادته دواعي المكروهِ إلى فعلِ ما لا يليقُ في الدين أو العقل أو الخُلُق فهو جزوع، فلعلَّه لذلك أفاد أميرُ المؤمنين (ع) فيما رُوي عنه أنَّه: "مَن لم يُنجِهِ الصبرُ أهلَكَه الجزع "(3) لأنَّ الجزوع يفقدُ صوابَه ويَغفلُ عن عن دينِه وينساقُ دون ترِّوٍ وراءَ ما يراه مُخلِّصا له ممَّا هو فيه أو منفِّساً لِما يعتلجُ في صدرِه، وذلك هو ما يَسوقُه لاجتراحِ الذنوب والمخازي، فيكون بذلك قد أوبَقَ نفسه وأهلَكها. فيكونُ قد جمع على نفسه مصيبتين الأولى هي التي وقعت عليه دون اختيارٍ منه، والثانية هي التي انساقَ إليها بمحضِ اختيارِه حرصاً منه على التخلُّص من الأولى، فقد يُفلحُ في التخلُّصِ من الأولى ولكنَّه قد أوبَقَ نفسَه بالمصيبة الثانية في الآخرة، وقد لا يُتاحُ له الخلاصُ من الأولى فيكون قد جمَعَ على نفسِه مصيبتين بل هو في كلا الحالين قد جمَعَ على نفسه مصيبتين، فقد ذاقَ مرارةَِ الأولى وسوف يتجرَّعُ في الآخرة مرارةَ الثانية لأنَّها وقعتْ منه بسوءِ اختيارِه، ولذلك ورد عن الإمام موسى بن جعفر (ع) أنَّه قال: "المصيبةُ للصابر واحدة، وللجازع اثنتان"(4) وورد عن أمير المؤمنين (ع) أنَّه قال: "المصيبةُ واحدة، وإنْ جزعتَ صارت اثنتين"(5) فالأولى هي التي وقعتْ عن غير اختيار، والثانيةُ هي التي وقعتْ عن سوءِ اختيار، والثانيةُ أشدُّ من الأولى، فالأولى تزولُ والثانيةُ تدوم أو تطول، ولهذا ورد عن أمير المؤمنين(ع) أنَّه قال: "اغلبوا الجزعَ بالصبر، فإنَّ الجزعَ يُحبِط الأجرَ ويُعظِمُ الفجيعة"(6) فالفجيعةُ مهما تعاظمت فإنَّها لا تدوم وهي مُعوَّضة، فإذا جزعَ الإنسانُ حُرم العِوَض وأوبَق نفسَه بعذابِ الله تعالى يوم القيامة، وهذا هو معنى أنَّ الجزع يُضاعِفُ الفجيعة.

ووردَ عن أمير المؤمنين (ع) انَّه قال: "إنَّ للنكبات غاياتٌ لابدَّ أنْ يُنتَهى إليها، فإذا حُكم على أحدِكم بها فليُطأطأ لها ويصبر حتى تجوز، فإنَّ إعمال الحيلةِ فيها عند إقبالها زائدٌ في مكروهها"(7) أي إنَّ للنكبات والمِحن نهاياتٌ لابدَّ أنْ تنتهي إليها فإذا ابتُلي أحدٌ بشيءٍ منها فعليه أنْ يُطأطأ لها فلا يُكابرُها بل يصبرُ ويتجلَّد، فإنَّه إنْ أعمَلَ الحيلةَ في الخلاصِ منها فإنَّه يزيدُ في مكروهِها، فإمَّا أنْ لا يُفلحَ بحيلتِه في الخلاصِ منها فيكون قد جمعَ على نفسِه مصيبتين، وإمَّا أنْ يفلحَ في الخلاص منها ولكنَّه يكون قد أوبَقَ نفسَه في الآخرة، فذلك هو معنى ما أفاده (ع) من أنَّ إعمال الحِيلة فيها يزيدُ في مكرورهِها أو يكون ذلك هو بعضُ ما يُستفاد من قوله (ع). كما يشهدُ لذلك ما رُوي عنه في نصٍّ آخر: "فيجب على العاقل أنْ ينامَ لها إلى إدبارها فإنَّ مكابدتها بالحيلة عند إقبالها زيادةٌ فيها"(8) أي أنَّه يجبُ على العاقل أنْ يُقابلَ المكارِهَ برحابة صدرٍ إلى أنْ تُدبِر، وذلك لأنَّ مكابدتها بالحيلة يزيدُ في مكرورهِها.

أنجعَ ما ينفعُ في تخفيف المصيبة:

ثم إنَّ انجعَ ما ينفعُ في تخفيف المصيبة أيَّاً كانت طبيعتُها هو توقُّعُها واستقبالُها إذا أقبلت برحابة صدرٍ والإيقانُ بأنَّها معوَّضة والاستعانةُ عليها بتهوينِها واستصغارِها في مقابل ما يُبتلى به الآخرون، فإذا استجمعَ في نفسِه هذه الخصال هانتْ عليه المصيبة، وصار في وسْعِه الصبرُ عليها، وأمَّا إذا استعظمَها ورخَّ لها فقدَ أعانَ على نفسِه، لذلك ورد عن أمير المؤمنين(ع): "أنَّ الجزع أتعبُ من الصبر"(9)، وأنَّ: "الجزعَ عند المصيبة يزيدُها، والصبرُ عليها يُبيدُها"(10) فالصبرُ لا يُلغي المصيبة ولكنَّه يُهوِّنها حتى كأن المصابَ في عافيةٍ منها أو أنَّ الصبرَ عليها يُخفِّفُ من غلوائِها ويُسهم في الحدِّ من آثارِها وتبعاتِها حتى كأنَّها لم تقعْ ولم يبتلِ المُصاب بها.

معنى قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾:

ثم قال تعالى يصفُ الإنسان الذي لم يُحسن تدبيرَ ما جُبل عليه من شدَّةِ الحرص: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾ فهو إنْ ابتُلي بمثل الفقر يجزع، وإنْ مسَّه الخير وأقبلتْ عليه الدنيا فإنّه يبخلُ ويمنعُ الناس من أنْ ينتفعوا بشيءٍ ممَّا صارَ في يدِه جشَعاً وحِرصاً على أنْ يحوزَ الخيرَ كلَّه لنفسِه، فما صار في يدِه لم يكن ليُشبِعَ نهَمه بل هو يحرِصُ على المزيد، ولذلك لا تسخو نفسُه، ولا يطيبُ لها أنْ تبذِلَ شيئاً مما نالته لذوي الإعواز والحاجة بل هو يبخلُ ويمنعُ ما في يدِه عن ذوي الحقوق، فلا يُنفقُ على مَن تجبُ عليه نفقتُهم وإنْ أنفق خشيةَ التعيير لم يكد يتجاوزُ انفاقُه حدَّ الكفاف، وأمَّا الزكاةُ الواجبة والخمسُ فهو يراهما مغرَماً ويتذرعُ بكلِّ حيلةٍ حتى لا يُخرجَهما مِن ماله، فإمَّا أنْ يدَّعي لنفسِه الفقر أو يجتهد في التماس الرُخَص وما يُعبَّرُ عنه بالمخارج الشرعيَّة أو يتَّهم الفقراء بأنَّهم يتظاهرون بالفقر، وأنَّهم لا يستحقُّون الزكاة وأنَّ القائمين على صرف الخمس في مواردِه لا يُحسنون صرفَه أو لا يصرفونَه أساساً في مصارفِه بل يحوزونه لأنفسِهم كلُّ ذلك وشبهِه يتذرعُ به البخيلُ ليمنعَ حقَّ الله جلَّ وعلا مِن ماله، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا﴾(11) وقال تعالى: ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾(12).

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ / فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ / إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾(13).

والحمد لله ربِّ العالمين

 

خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور

1 من ذي الحجَّة 1443هـ - الموافق 1 يوليو 2022 م

جامع الإمام الصّادق (عليه السلام) - الدّراز


1- سورة المعارج / 19-22.

2- نهج البلاغة -خُطب الإمام علي(ع)- ص544، الكافي -الكليني- ج8 / ص24.

3- نهج البلاغة- خطب الإمام علي- ص502.

4- تحف العقول -ابن شعبة الحراني- ص414.

5-عيون الحكم والمواعظ -الليثي الواسطي- ص26

6-عيون الحكم والمواعظ -الليثي الواسطي- ص90.

7- تحف العقول -ابن شعبة الحراني- ص 201.

8- بحار الأنوار -المجلسي- ج57 / ص79، عيون الحكم -الليثي الواسطي- ص157.

9- الدعوات -القطب الراوندي- ص167.

10- ميزان الحكمة -الريشهري- ج1 / ص280.

11- سورة التوبة / 98.

12- سورة محمد / 38.

13- سورة الكوثر.