مارية العبدية هل هي أخت قاتل الأكبر (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
مارية بنت مُنقذ العبدي (رضوان الله تعالى عليها) هل هي أخت مرَّة بن منقذ العبدي الذي قتل عليَّاً الأكبر (عليه السلام)؟
الجواب:
ليس من المُحرَز أنَّ السيِّدة ماريَّة العبديَّة كانت أختاً لمرَّة بن مُنقذ العبدي قاتل الشهيد عليِّ بن الحسين الأكبر (ع) فالسيِّدة مارية وإنْ كانت تنحدرُ من ذات القبيلة التي ينتمي إليها مرَّة بن مُنقذ العبدي، وهي قبيلة عبد القيس إلا أنَّ والد مارية مردَّدٌ بين مُنقِذ وبين سعد، فلا يُعلمُ أنَّها مارية بنت مُنقذ أو هي مارية بنت سعد العبدي.
ففي تاريخ الطبري قال: قال أبو مخنف: وذكر أبو المخارق الراسبي: "اجتَمَعَ ناسٌ مِنَ الشّيعَةِ بِالبَصرَةِ في مَنزِلِ امرَأَةٍ مِن عَبدِ القَيسِ يُقالُ لَها مارِيَةُ ابنَةُ سَعدٍ -أو مُنقِذٍ- أيّاماً، وكانَت تتَشَيَّعُ، وكانَ مَنزِلُها لَهُم مَألَفاً يَتَحَدَّثونَ فيهِ، وقَد بَلَغَ ابنَ زِيادٍ إقبالُ الحُسَينِ (عليه السّلام)، فَكَتَبَ إلى عامِلِهِ بِالبَصرَةِ أن يَضَعَ المَناظِرَ ويَأخُذَ بِالطَّريقِ"(1).
فراوي هذا النصِّ -ولعلَّه الناسخ- متردِّدٌ في اسم والد السيِّدة مارية وهل هو منقذ أو هو سعد، فبناءً على أنَّ اسمَه سعد فمارية ليست أختاً لمرَّة بن مُنقذ العبدي جزماً، لأنَّه لم يقع خلافٌ في ضبط اسم مرَّة بن مُنقِذ قاتل الأكبر(ع)، وأمَّا بناءً على أنَّ اسم والد مارية منقذ العبدي، فإنَّ ذلك وإنْ كان يُوجب احتمال أنَّه أخٌ لمارية لكنَّه لا يُمكن الجزمُ بذلك لاحتمال أنَّه مجرَّد تشابهٌ في الاسم.
هذا وقد ضبطَ ابنُ الأثير في الكامل اسم والد مارية بسعد ولم يُشر إلى الاختلاف في الاسم وهو ما يُوجب ترجيح أنَّ اسمه سعد وليس منقذا قال:
"واجتمع ناسٌ من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس يقال لها مارية بنت سعد، وكانت تتشيع، وكان منزلها لهم مألفا يتحدثون فيه. فعزم يزيد بن نبيط على الخروج إلى الحسين وهو من عبد القيس، وكان له بنون عشرة، فقال: أيُّكم يخرجُ معي؟ فخرج معه ابنان له عبد الله، وعبيد الله، فساروا فقدموا عليه بمكة ثم ساروا معه فقتلوا معه"(2).
وفي قاموس الرجال للتستري عنونها بمارية بنت منقذ أو سعيد العبديَّة(3) ولم أجد أحداً احتمل أنَّها أختٌ للشقي مرَّة بن منقذ العبدي وقد ذكر بعضهم أنَّ زوج مارية وأبناءها استشهدوا مع أمير المؤمنين (ع) في حرب الجمل، ولم أتثبتْ من ذلك.
وعلى أيِّ تقديرٍ فالسيدة مارية العبديَّة كانت من أعلام نساء الشيعة في البصرة وكان بيتُها موئلاً للشيعة ومنه عقد الشهيد يزيد بن ثبيط -نبيط- العبدي العزم على اللِّحاق بركب الإمام الحسين (ع) فخرج هو واثنان من أبنائه فأدرك الحسين في الأبطح من مكةَ الشريفة، وظلَّ معه إلى أنْ استُشهد بعد أنْ استُشهد ولداه بين يدي الإمام الحسين (ع) في الحملة الأولى.
وقد وثَّق ذلك الطبري نقلاً عن أبي مخنف عن الراسبي قال: قالَ: "فَأَجمَعَ يَزيدُ بنُ نُبَيطٍ الخُروجَ -وهُوَ مِن عَبدِ القَيسِ- إلَى الحُسَينِ (عليه السّلام)، وكانَ لَهُ بَنونَ عَشَرَةٌ، فَقالَ: أيُّكُم يَخرُجُ مَعي؟ فَانتَدَبَ مَعَهُ ابنانِ لَهُ: عَبدُ اللَّهِ وعُبَيدُ اللَّهِ، فَقالَ لِأصحابِهِ في بَيتِ تِلكَ المَرأَةِ: إنّي قَد أزمَعتُ عَلَى الخُروجِ، وأنَا خارِجٌ، فَقالوا لَهُ: إنّا نَخافُ عَلَيكَ أصحابَ ابنِ زِيادٍ، فَقالَ: إنّي وَاللَّهِ لَو قَدِ استَوَت أخفافُهُما بِالجَدَدِ لَهانَ عَلَيَّ طَلَبُ مِن طَلَبَني.
قالَ: ثُمَّ خَرَجَ فَتَقَدّى فِي الطَّريقِ حَتّى انتَهى إلى حُسَينٍ (عليه السّلام)، فَدَخَلَ في رَحلِهِ بِالأَبطَحِ، وبَلَغَ الحُسَينَ (عليه السّلام) مَجيئُهُ فَجَعَلَ يَطلُبُهُ، وجاءَ الرَّجُلُ إلى رَحلِ الحُسَينِ (عليه السّلام)، فَقيلَ لَهُ: قَد خَرَجَ إلى مَنزِلِكَ، فَأَقبَلَ في أثَرِهِ، ولَمّا لَم يَجِدهُ الحُسَينُ (عليه السّلام) جَلَسَ في رَحلِهِ يَنتَظِرُهُ، وجاءَ البَصرِيُّ فَوَجَدَهُ في رَحلِهِ جالِساً، فَقالَ: ﴿بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾(4) قالَ: فَسَلَّمَ عَلَيهِ وجَلَسَ إلَيهِ فَخَبَّرَهُ بِالَّذي جاءَ لَهُ، فَدَعا لَهُ بِخَيرٍ، ثُمَّ أقبَلَ مَعَهُ حَتّى أتى فَقاتَلَ مَعَهُ، فَقُتِلَ مَعَهُ هُوَ وَابناهُ"(5).
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
8 / محرم الحرام / 1444ه
7 / أغسطس / 2022م
1- تاريخ الطبري -محمد بن جرير الطبري- ج5 / ص353.
2- الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص21.
3- قاموس الرجال -التستري- ج11 / ص116.
4- سورة يونس / 58
5- تاريخ الطبري -محمد بن جرير الطبري- ج5 / ص354، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص21، أبصار العين في أنصار الحسين (ع) -السماوي- ص190.