معنى: "السلام على ابن سدرة المنتهى"
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد آل محمد
المسألة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
جاء في زيارة الناحية المقدَّسة: "السلامُ على ابنِ سدرةِ المنتهى"(1) فما معنى هذه العبارة؟
الجواب:
التعريف الإجمالي بسدرة المنتهى:
سدرة المنتهى خلقٌ عظيمٌ من خلْقِ الله جلَّ وعلا لا نعلم كنهَهُ وحقيقتَه، ويظهرُ مِن قوله تعالى": {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى / عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى / عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}(2) أنَّ النبيَّ الكريم (ص) قد بلغ موضعَها حين عُرج به إلى السماء كما يظهرُ من هذه الآيات أنَّ عندها تقعُ جنَّةُ الخلد التي وعدَ اللهُ بها عباده الصالحين، فهي المراد من جنَّة المأوى التي أفادت هذه الآيات أنَّها تقعُ عند سدرة المنتهى.
هذا وقد قيل إنَّ سدرة المنتهى تقعُ عن يمين العرش فوق السماء السابعة، ينتهي عندها علمُ كلِّ ملَك(3)، بمعنى أنَّ الملائكة لا تعلمُ بما بعد هذا الموضع، ولعلَّ ممَّا يؤيِّد ذلك ما ورد في حديث المعراج أنَّ النبيَّ الكريم (ص) حين بلغَ به جبرئيلُ سدرةَ المنتهى قال له: تقدَّم يا رسول الله، ليس لي أنْ أجوز هذا المكان، ولو دنوتُ أنملةً لاحترقت"(4).
وفي تفسير القمي بسنده عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: فلمَّا انتهى به إلى سدرة المنتهى تخلَّف عنه جبرئيلُ فقال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): في هذا الموضع تخذلُني؟ فقال: تقدَّم أمامَك، فواللهِ لقد بلغتَ مبلغاً لم يبلغْه أحدٌ من خلقِ الله قبلَك .."(5).
وفي البصائر بسنده عن عبد الصمد بن بشير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: انتهى النبيُّ (صلى الله عليه وآله) إلى السماء السابعة، وانتهى إلى سدرة المنتهى قال: فقالت السدرة ما جاوزني مخلوقٌ قبلك .."(6).
وفي العلل للشيخ الصدوق بسنده عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر (ع) قال: يا حبيب {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى / عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى / عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} يعنى عندها وافى به جبرئيلُ حين صعد إلى السماء، قال: فلمَّا انتهى إلى محلِّ السدرة وقف جبرئيلُ دونها وقال: يا محمد إنَّ هذا موقفي الذي وضعَني اللهُ عزَّ وجلَّ فيه، ولن أقدِرَ على أنْ أتقدَّمه، ولكن امضِ أنتَ أمامَك إلى السدرةِ فقف عندَها، قال: فتقدَّم رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) إلى السدرةِ وتخلَّف جبرئيلُ (ع)"(7).
واحتمل السيِّد الطباطبائي في الميزان أنَّ منشأ إضافة السدرة إلى المنتهي -والذي هو اسم مكان بمعنى موضع الانتهاء- هو أنَّها واقعة في منتهى السماوات بدليل أنَّ الجنَّة عندها والجنَّة في السماء(8)، ويظهر من الآيات البناء على إبهام البيان لحقيقة سدرة المنتهى والشأن الذي منه وله خلقت كما يُشعر ذلك قوله تعالى:{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}(9).
وقيل أيضاً في مقام التعريف بسدرة المنتهى أنَّ إليها ينتهي ما يعرج إلى السماء، وما يهبط من فوقها من أمر الله، وهذا المعنى يتَّسق مع ما تقدَّم من أنَّ علم الملائكة ينتهي عندها ومع ما تقدَّم من الروايات.
ويؤيِّده أيضاً ما في محاسن البرقي بسنده عن حبيب السجستاني، قال: قال أبو جعفر (ع): "إنَّما سُمِّيت سدرة المنتهى لأنَّ أعمال أهل الأرض تصعد بها الملائكة الحفظة إلى محل السدرة، وقال: الحفظة الكرام البررة دون السدرة، يكتبون ما ترفعه إليهم الملائكة من أعمال العباد في الأرض وينتهون بها إلى محلِّ السدرة"(10).
معنى ومقتضى البنوَّة لسدرة المنتهى:
وأمَّا البنوَّة في قوله (ع): "السلام على ابن سدرة المنتهى" فالظاهر أنَّ المراد منها البنوَّة التشريفيَّة تماماً كما هو المراد حينما تُخاطب أحداً بقولِك يا ابن الإسلام ويا ابن القرآن، فإنَّ المقصود من البنوَّة في مثل هذا الخطاب هو التشريفُ والتعظيم لشأنِ المخاطَب.
فلأنَّ البنوَّة الحقيقيَّة هي أقرب العلائق النسبيَّة، ولأنَّ ابن الشريف نسباً يتشرَّفُ ببنوَّته له، لذلك استُعيرت البنوَّة للتعبير بها شرف المنتَسِب لما هو شريفٌ وعظيم فقولنا: يا ابن القرآن فيه استعارة مكنيَّة بحسب اصطلاح علماء المعاني، وذلك لأنَّ فيه تشبيهٌ للقرآن بالإنسان الذي يكون له ولد، فالمشبَّه هو القرآن، والمشبَّه به هو الإنسان لكنَّه حُذف وجيء بشيء من لوازمِه وهو البنوَّة فكأنَّ القرآنَ إنسانٌ له أبناء نسبيين والمخاطَب هو أحدُ أبنائه، فلأنَّ القرآن عظيم فأبناؤه يكتسبون العظمةَ من انتسابهم إليه.
كذلك هو مفاد يا ابن سدرة المنتهى فلأنَّ سدرة المنتهى هي مِن أعظم خلق الله تعالى لأنَّ أعمال العباد ينتهي إليها، وعندها ينتهي علمُ الملائكة، ومنها يهبط أمرُ الله تعالى، وإليها تصعدُ أرواح الشهداء، وهي فوق السماء السابعة، وعن يمين العرش، وعندها جنَّةُ المأوى، فلأنَّها بهذه العظمة لذلك يكون المنتَسِب لها بالبنوَّة عظيماً لعظمتها أي أنَّ مخاطبة الإمام (ع) بأنَّه ابنُ سدرة المنتهى أُريدَ منه التعبير عن عظمتِه وعلوِّ شأنِه.
وكذلك فإنَّ الابن النسبي يكونُ شديدَ القُرْب من أبيه، ويكون مطَّلعاً على أحوال أبيه، ويكون مقبولَ القول والشفاعةِ عند أبيه، لذلك فإنَّ التعبير عن الإمام الحسين (ع) بأنَّه ابنُ سدرة المنتهى فيه إشارة بيِّنة إلى أنَّ الإمام (ع) مطَّلع وجدانا وتفصيلاً على حقيقة وأحوال وسائر شؤون سدرة المنتهى تماماً كاطلاع الابن على أحوال أبيه. فهو عارفٌ بما تعرجُ به الملائكة، وبما يهبطُ من الأمر، وبما يصعدُ إليها من أرواح الشهداء، ومقرَّه عندها فوقَ السماء السابعة حيثُ جنَّة المأوى وعن يمين العرش، فإنَّ ذلك هو مقتضى البنوَّة، إذ أنَّ مقرَّ الابن يكون عند أبيه، فحيث هو ابن سدرة المنتهى فمقتضى ذلك أنَّ مقرَّه عندها.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
17 / محرَّم الحرام / 1444ه
16 / اغسطس / 2022م
1- المزار -محمد جعفر المشهدي- ص497
2- سورة النجم / 13-15.
3- مجمع البيان -الطبرسي- ج9 / ص292.
4- بحار الأنوار -المجلسي- ج18 / ص382.
5- تفسير القمِّي -علي بن إبراهيم القمي- ج2 / ص248.
6- بصائر الدرجات -محمد بن الحسن بن فرخ الصفار- ص210، وأوردها العياشي في تفسيره، تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص158.
7- علل الشرائع -الصدوق- ج1 / ص277.
8- تفسير الميزان -السيد الطباطبائي- ج19 / ص31.
9- سورة النجم / 16.
10- المحاسن -البرقي- ج2 / ص334. وأورد الشيخ الصدوق ذات الرواية في العلل بسنده حبيب السجستاني علل الشرائع -الصدوق- ج2 / ص576.