ائتمنكَ قاتلُ الحسين (ع) على سيفِه؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعتُ سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) يقول لشيعتِه: "عليكم بأداء الأمانة، فوالذي بعث محمداً بالحقِّ نبيَّاً، لو أنَّ قاتل أبيَ الحسينِ بن عليٍّ ( عليهما السلام ) ائتمنني على السيف الذي قتلَه به لأدَّيتُه إليه"(1).
ما هو توجيهُكم لهذه الرواية ألا يعدُّ ذلك من التساهل من زين العابدين (ع) مع قتلة الحسين (ع)؟
الجواب:
الرواية بصدد المبالغة في التأكيد على لزوم الأداء للأمانة، وأنَّ هذا التكليف ثابتٌ حتى لو كان صاحبُ الأمانة فاسقاً أو كافراً، وكان الشيءُ الذي ائتمنك عليه قد وصلَك منه أذى.
فليس مفادُ الرواية أنَّه لو ائتمنني قاتلُ الحسين (ع) على سيفه لقبلتُ ذلك منه وأديتُه له بعد ذلك بل مفادها أنَّه لو قبلتُ الاستئمان له لكان عليَّ الأداء، فهي لا تدعو لقبول أمانةَ الفاسق وإنَّما تدعو للأداء في فرض القبول تماماً كما لو قيل: لو كان عليَّ دينٌ لفاسقٍ غشوم لوفيتُ له بدينه، فهذا الكلام لا يعني الدعوة الى الاستدانة والتعامل مع الفاسق وإنَّما يعنى الدعوة إلى الوفاء بالدَّين حتى لو كان الدائن فاسقاً.
وبتعبير آخر: الرواية لا تدعو للتعامل مع الفسقة والظلمة والقتلة، ولا تدعو لقبول أماناتهم، وإنَّما هي بصدد بيان أنَّه لو فُرض القبول -لأيِّ سببٍ من الأسباب- بالاحتفاظ بشيءٍ من أموالِهم لكان ذلك مقتضياً لوجوب أدائها إليهم. فمفاد الرواية هو مفاد قولِ أمير المؤمنين -في حديث الأربعمائة الذي يرويه الصدوق في الخصال بسنده عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال: أدُّوا الفريضةَ والأمانةَ إلى من ائتمنكم، ولو إلى قتلة أولاد الأنبياء (عليهم السلام)"(2).
فليس في الرواية إشعارٌ بصحَّة التساهل مع قتلة الإمام الحسين(ع) لأنَّها لا تدعو للتعامل معهم والقبول لأماناتهم بل مفادُها هو أنَّ أفظع الأمور المتصوَّرة وأشقَّها على النفس أنْ يكون السيفُ الذي قُتل به الحسين (ع) قد صار أمانةً في يدِك فإنَّه رغم مشقَّةَ أدائه لصاحبِه على النفس يتعيَّنُ عليك الأداء والإيفاء له بما ائتمنَكَ عليه. وفي ذلك مبالغةٌ في تأكيد الشريعة على وجوبِ الأداء للأمانة.
وهنا ينبغي التنبيه على أمرٍ: وهو أنَّ مفروض الرواية الشريفة هو أنَّ قاتل الحسين (ع) لو ائتمنك على السيف الذي كان قد قتَلَ به الحسين (ع) وقبلتَ منه ذلك فإنَّ عليك أداء الأمانةِ له، فليس في مفروض الرواية أنَّه لو ائتمنَك مَن يريد قتل الحسين (ع) على سيفة لوجب عليك اعطاءه السيف الذي تعلم أنَّه سيقتلُ به الحسين (ع) فإنَّ ذلك غير جائزٍ قطعاً لأنَّه يكونُ من الإعانة على الإثم.
فمفروض الرواية أنَّ قاتل الحسين (ع) بعد أنْ قتله لو ائتمنك على السيف الذي قتلَ به الحسين (ع) وقبلتً منه الاحتفاظ بالأمانة لوجب عليك تسليمه إياه متى ما طلبه منك. ويتأكَّدُ ذلك من مدلول كلمة قاتل الحسين (ع) فإنَّ مفاد اسم الفاعل هو تلبسُّه بجريمة القتل لا أنَّه سوف يتلبَّسُ بها فيما بعد، فإنَّ ذلك خلاف الظاهر، فحين يُقال فلانٌ قاتلُ زيد فإنَّ المستظهَر من ذلك هو أنَّه قد قتلَه وأنَّه قد تحقَّق منه فِعلُ القتل.
وكذلك يُستظهرُ من الرواية أنَّ مفروضَها هو أنَّ الائتمان وقع بعد تحقُّق القتل، يُستظهرُ ذلك من مدلول الفعل الماضي في فقرة: "الذي قتلَه به" فمفادُ هذه الفقرة هو أنَّ قاتل الحسين (ع) قد ائتمنك على سيفِه بعد أنْ قتلَ به الحسين (ع) لا أنَّه ائتمنك على سيفِه قبل أن يقتلَ به الحسين (ع) فإنَّ ذلك خلافُ الظاهر من الرواية كما أنَّه منافٍ لما هو المعلوم بالضرورة من حرمة الإعانة على قتل الحسين (ع) ولو بما هو أدنى من ذلك.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
21 / محرَّم الحرام / 1444ه
20 / اغسطس / 2022م
1- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص319، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج19 / ص76.
2- الخصال -الشيخ الصدوق- ص614، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج19 / ص76.