معنى: يقتلُ ذراري قتلَة الحسين (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
كيف يقتصُّ إمامُنا المهدي (ع) من قتَلةِ جدِّه الإمام الحسين (ع) وهو إنَّما يظهر في زمانٍ غير زمان جدِّه الإمام الحسين (ع)؟
الجواب:
تحديد المراد من ذراري قتلَة الحسين (ع):
الوارد هو أنَّه (ع) يقتلُ ذراري قَتَلةِ الحسين(ع) فمِن ذلك ما ورد في معتبرة عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلتُ لأبي الحسن عليِّ بن موسى الرضا (ع) يا بن رسول الله ما تقولُ في حديث رُوي عن الصادق (ع) أنَّه قال: "إذا خرج القائم قتلَ ذراري قتلَةِ الحسين (ع) بفعال آبائها؟ فقال (ع): هو كذلك، فقلتُ فقول اللهِ عزَّ وجل: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾(1) ما معناه؟ فقال صدق اللهُ في جميع أقوالِه لكنَّ ذراري قتلَةِ الحسين يرضون أفعال آبائهم ويفتخرون بها ومَن رضي شيئاً كان كمَن أتاه .."(2).
فمفادُ الرواية أنَّ الذين يقتلُهم الأمام المهدي (ع) من ذراري قتلَة الحسين (ع) هم الراضون بفعل آبائهم المفتخرون بصنيعهم، وأمَّا غيرهم من ذراري قتلةِ الحسين لو اتَّفق وجودُهم فغيرُ مشمولين لاستحقاق القتل بمقتضى التعليل الوارد في الرواية وهو أنَّ استحقاقهم للقتل نشأ عن ارتضائهم بما فعله آباؤهم، ومعنى الرضا بقتل الحسين (ع) هو الاعتقاد بأنَّ دمَ الحسين (ع) مباحٌ ومهدور ولا حرمة له، ولا يعتقدُ مسلمٌ بذلك إلا أنْ يكون ناصبياً مُعلناً للعداء للرسول (ص) وأهل بيته (ع) ومثلُه لا يتورَّع عن سفكِ الدمِ الحرام وقتل الأبرياء من الناس والإفساد في الأرض، إذ أنَّ مَن يرى إباحةَ دمِ الحسين (ع) فإنَّه لن يرى حريجةً في استباحة دماء مَن هم دونَه من سائر عباد الله تعالى.
فالمقصودُ من قتلَة الحسين -الذين لم يُباشروا قتله- ومِن ذراري قتلَة الحسين (ع) هم الراضون بفعل أسلافِهم والمعتقدون بمعتقدِهم والسائرون على منهاجهم في استباحة الدم الحرام والإفساد في الأرض والصدِّ عن دين الله والحربِ على أوليائه، فمثلُ هؤلاء من قتلَة الحسين (ع) وإنْ لم يُباشروا قتلَه ولم يُدرِكوا زمانه.
القرآن أسندَ قتلَ الأنبياء لمَن لم يباشروا قتلهم:
ولهذا نسبَ القرانُ المجيد قتلَ الأنبياء لليهود المعاصرين للنبيِّ الكريم (ص) رغم أنَّ مَن باشر قتلَ الأنبياء هم أسلافُهم، قال تعالى: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ / ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾(3).
فالذلةُ التي ضُربتْ عليهم، والغضبُ الإلهي الذي يَبوءون به نشأ -كما أفادت الآية- عن أنَّهم كانوا يقتلون الأنبياء رغم أنَّهم لم يُباشروا قتلَ الأنبياء وإنَّما كان ذلك مِن فِعل أسلافِهم. فقد استحقُّوا أن يُنسبَ إليهم قتل الأنبياء لأنَّهم رضوا بفعل أسلافِهم واعتمدوا طريقَهم فسفكوا الدمَ الحرام وأشاعوا الفساد في الأرض.
وورد في الكافي للكليني عن أبي عبد الله الصادق (ع) .. قَالَ: "إِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ قَتَلَتَنَا مُؤْمِنُونَ فَدِمَاؤُنَا مُتَلَطِّخَةٌ بِثِيَابِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِنَّ اللَّه حَكَى عَنْ قَوْمٍ فِي كِتَابِه: ﴿أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُه النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾(4) قَالَ: كَانَ بَيْنَ الْقَاتِلِينَ والْقَائِلِينَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ فَأَلْزَمَهُمُ اللَّه الْقَتْلَ بِرِضَاهُمْ مَا فَعَلُوا"(5).
وأورد هذه الرواية العياشي في تفسيره إلا أنَّه ذكر أنَّ الإمام (ع) قال في ذيلها: "فكان بين الذين خُوطبوا بهذا القول وبين القاتلين خمسمائة عام، فسمَّاهم اللهُ قاتلين برضاهم بما صنعُ أولئك"(6).
فالذين قتلوا الرسُل هم أسلافُ المخاطَبين في الآية، وتفصلُهم عن القتَلَة -بحسب الرواية- خمسمائة سنة ورغم ذلك أسندت الآية قتلَ المُرسلين إليهم، وذلك لرضاهم -كما أفادت الرواية- بما فعلَ أسلافُهم، ومعنى الرضا هو الاعتقاد بصحَّة ما فعله أسلافُهم والتأييد لصنيعهم، ولن يبلغ الإنسانُ حدَّا يعتقدُ معه بصحَّة قتل الأنبياء ويَغتبطُ به إلا وهو على شاكلةِ مَن باشَر قتلهم.
وورد في تفسير العياشي عن محمد بن الأرقط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لي: تنزلُ الكوفة؟ قلتُ: نعم قال: فترونَ قتلَةَ الحسين (عليه السلام) بين أظهرِكم؟ قال: قلتُ: جعلتُ فداك ما بقيَ منهم أحد قال: فإذاً أنتَ لا ترى القاتلَ الا مَن قَتل أو مَن وليَ القتل، ألم تسمع إلى قول الله: ﴿أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُه النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ فأيُّ رسولٍ قتلَ الذين كان محمَّدٌ صلَّى الله عليه وآله بين أظهرِهِم، ولم يكن بينَه و بين عيسى رسولٌ، إنَّما رضوا قتلَ أولئك فسُمُّوا قاتلين"(7) فإسناد القتل للمخاطَبين في الآية وتسميتهم قاتلين نشأ عن أنَّهم رضوا بما فعلَ أسلافُهم.
وورد أيضاً في تفسير العياشي: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله قال(ع) في مقام البيان لقوله تعالى: ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ وإنَّما نزل هذا في قوم يهود، وكانوا على عهد محمَّد صلَّى الله عليه وآله، لم يقتلوا الأنبياء بأيديهم، ولا كانوا في زمانِهم، وإنَّما قتلَ أوائلُهم الذين كانوا مِن قَبلِهم، فجعلَهم اللهُ منهم، وأضاف إليهم فعلَ أوائلِهم بما تبعوهم وتولَّوهم"(8).
فمفادُ الرواية هو أنّهم نُزِّلوا منزلةَ القتلَة للأنبياء -رغم أنَّهم لم يقتلوهم بأيديهم- لأنَّهم رضوا بما فعلَه أوائلُهم وتبعوهم وتولَّوهم، ومعنى قوله (ع): "وتولَّوهم" هو أنَّهم أعلنوا الانتماء لقتَلة الأنبياء وأنَّهم يتبنَّون ما كان عليه أسلافُهم، وأمَّا التبعية فتعني العمل بما كان يعملُه أسلافُهم من استباحة الدم الحرام والحربِ على حملةَ رسالة الأنبياء.
قتلَة الحسين (ع) هم السائرون في الناس بالجَور والعدوان:
والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنَّ المراد من اقتصاص الإمام الحجَّة (ع) من قتَلَة الحسين ممَّن لم يباشروا قتلَه والاقتصاص من ذراري قتلة الحسين (ع) المراد من ذلك هو الاقتصاص ممَّن رضوا بفعل أسلافِهم وسلكوا مسلَكهم في استباحة الدمِ الحرام وإشاعة الفساد في الأرض، والصدِّ عن دين الله تعالى والحربِ على أولياء الله تعالى، فهؤلاء مِن قتلةِ الحسين وإنْ لم يُباشروا قتلَه ولم يُدركوا عصرَه، وهذا هو مفاد ما ورد من أنَّ الإمام المهدي (ع) يخرجُ بشعار يا لثاراتِ الحسين (ع)(9) فهو يثأرُ ممَّن هم على شاكلة قتلَةِ الحسين (ع) إذ لا يستقيمُ الدين ولا يزولُ الجورُ إلا بتصفية هؤلاء المُعلنين للحربِ على الدين والسائرين في الناس بالجَور والعدوان، الذين لا تُرجى هدايتُهم ولا ينكفئون عن تضليل الناس والبغي عليهم، فهؤلاء هم قتلةُ الحسين (ع) في كلِّ زمان، وبتصفيتهم على يد الإمام المهدي (ع) يزولُ الجور والظلم، ويسودُ القسط والعدل أرجاءَ الأرض، وهذا هو معنى ما وردَ من وصف الرسول الكريم (ص) لمهديِّ هذه الأمة بأنَّه الذي يملأُ الأرض قسطاً وعدلا كما مُلئت جوراً وظلما(10)، وهذا هو مفادُ الوعد الإلهي في قوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(11) وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾(12).
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
24 / محرم الحرام / 1444ه
23 / اغسطس / 2022م
1- سورة الأنعام / 164.
2- علل الشرائع ج1 / ص229، عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1 / ص247، كامل الزيارات -محمد بن جعفر بن قولويه- ص136، ثواب الأعمال -الصدوق- ص217.
3- سورة آل عمران / 111-112.
4- سورة آل عمران / 183.
5- الكافي -الكليني- ج2 / ص409.
6- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص208.
7- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص209، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج16 / ص143.
8- تفسير العياشي -محمد مسعود العياشي- ج1 / ص51، نور الثقلين -الحويزي- ج1 / ص102.
9- الأمالي -الصدوق- ص192، عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1 / ص268، المزار -محمد جعفر المشهدي- ص107، مستدرك الوسائل -النوري- ج11 / ص114.
10- لاحظ الباب الرابع والعشرين من كتاب كمال الدين وتمام النعمة -الصدوق- ص256، الأمالي -الصدوق- ص78، 419، الغيبة -النعماني- ص69، 83، 94، 195، الأمالي -الطوسي- ص46، الغيبة -الطوسي- ص48، 50، 52، 174، 179، 187، 188، 214، 336، 464،
11- سورة المجادلة / 21.
12- سورة الفتح / 28.