العدَّةُ من طلاقِ الخصيِّ والمجبوب

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل تجب العدَّة على مطلَّقة الخصيِّ والمجبوب؟

الجواب:

الدليل على وجوب العدَّة على مطلَّقة الخصيِّ:

أمَّا الخصيُّ فالظاهرُ أنَّه لم يقع خلافٌ بين الفقهاء(1) في وجوب العدَّة على مطلَّقته إذا كان قادراً على الدخول وكان قد تحقَّق منه، ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى إطلاق الروايات التي نصَّت على أنَّ موضوع الوجوب للعدَّة هو الدخول والوقاع في الفرج، يدلُّ عليه مضافاً إلى ذلك صحيحة أَبِي عُبَيْدَةَ الحذاء قَالَ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) عَنْ خَصِيٍّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وفَرَضَ لَهَا صَدَاقاً وهِيَ تَعْلَمُ أَنَّه خَصِيٌّ؟ فَقَالَ: جَائِزٌ، فَقِيلَ: إِنَّه مَكَثَ مَعَهَا مَا شَاءَ اللَّه ثُمَّ طَلَّقَهَا هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ ألَيْسَ قَدْ لَذَّ مِنْهَا ولَذَّتْ مِنْه .."(2).

نعم وردت في مقابل ذلك صحيحةٌ لأحمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألتُ الرضا (ع) عن خصيٍّ تزوَّج امرأةً على ألفِ درهم ثم طلَّقها بعد ما دخل بها؟ قال (ع): لها الألفُ الذي أخذتْ منه، ولا عدَّة عليه"(3).

وقد أفاد أحدُ الأعلام أنَّ مقتضى الجمع بين الروايتين هو حمل صحيحة الحذَّاء على الاستحباب، فتكون نتيجة الجمع هي عدم وجوب العدَّة على مطلَّقة الخصيِّ، غايته أنَّه يُستحبُ لها أنْ تعتدَّ منه.

إلا أنَّ الواضح -كما أفاد عددٌ من الأعلام- أنَّ هذا الجمع تبرعي، فإنَّ التعارض بين إثبات العدَّة المستفاد من قوله "نعم" وبين نفيها المستفاد من قوله: "ولا عدَّة عليها" من التعارض المستقِر والمستحكِم، وذلك لتكاذب مدلولي الخبرين ونفي كلٍّ منهما للآخر، فمفاد صحيحة الحذاء هو وجوب العدَّة، ومفاد صحيحة البزنطي هو عدم وجوبها، ولا يمكن الجمع بين الوجوب وعدمه، ولهذا فالمتعيَّن هو الرجوع إلى مرجِّحات باب التعارض، وهي تقتضي ترجيح صحيحة الحذَّاء لموافقتها لظاهر الكتاب وهو قوله تعالى: ﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾(4) فإنَّ ظاهر الآية هو أنَّ موضوع الوجوب للعدَّة هو المماسَّة والذي هو بمعنى الدخول وهو متحقِّقٌ من الخصيِّ بحسب الفرض.

العدَّة على مطلَّقة المجبوب:

وأمَّا المجبوب فالمشهور بين الفقهاء -كما أفاد صاحب الحدائق-(5) هو عدم وجوب العدَّة على مطلَّقته، إذ أنَّ موضوع الوجوب للعدَّة على المطلَّقة هو الدخول بها، والدخول غير قابلٍ للتحقق من المجبوب.

وفي مقابل ذلك نُسب إلى الشيخ الطوسي في المبسوط القول بوجوب العدَّة على مطلقة المجبوب إذا كان سليم الانثيين فإنْ كانت حاملاً فعدتها بالوضع وإلا فتعتدُّ بالشهور(6).

العدَّة على مطلَّقة المجبوب في فرض الحمل:

أمَّا دعوى وجوب العدَّة على مطلَّقة المجبوب في فرض الحمل فيُمكن الاستدلال له بإطلاق ما دلَّ على وجوب العدَّة على الحامل كقوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾(7).

فموضوع وجوب العدَّة في الآية وأنَّها تنتهي بالوضع هو المطلَّقة الحامل والمفترض هو إمكان حصول الحمل من المجبوب لافتراض سلامة انثييه ووصول مائه بمثل المساحقة لرحم زوجته، لذلك يتعين عليها أنْ تعتدَّ منه لو طلَّقها، ويُؤيدُ ذلك تعيُّن انتساب الحمل إليه وأنَّه لا يصحُّ منه نفي الولد عن نفسه إلا باللعان وأنَّه في فرض الشك يكون الولد منتسبٌ إليه لقاعدة الفراش.

إلا أنَّ الصحيح هو عدم صحة الاستدلال بالآية على وجوب العدَّة على الحامل من طلاق المجبوب وذلك لأنَّ الآية إنَّما هي مقام بيان أمد العدَّة على الحامل لو طلِّقت وليست في مقام بيان ما يوجب العدة، فمفاد الآية هو أنَّ من وجبت عليها وكانت حاملاً فعدَّتها تنتهي بالوضع أمَّا ما هي الأسباب الموجبة للعدَّة فالآية ليست بصدد البيان له.

هذا ولكن يُمكن الاستدلال على وجوب العدَّة على مطلَّقة المجبوب الحامل بما دلَّ على أنَّ العدَّة من الماء كما في صحيحة محمد بن مسلم، وهذا ما سنُبينه فيما بعد.

العدَّة في فرض عدم الحمل وعدم نزول ماء المجبوب:

وأمَّا دعوى وجوب العدَّة على مطلَّقة المجبوب في فرض إحراز عدم الحمل وفرض عدم صبِّ مائه عليها فهو بلا موجبٍ ظاهراً، وذلك لأنَّ موضوع العدَّة على غير الحامل لا يخلو إمَّا أن يكون منحصراً بالدخول والمفترض عدم إمكان وقوعِه من المجبوب، وإمَّا أنْ يكون موضوع العدَّة هو الدخول أو انصباب الماء بمثل المساحقة والمفترض احراز عدم تحقُّق انصباب الماء منه، لذلك فلا موجب للعدَّة في هذا الفرض، والظاهر أنَّ هذا الفرض خارجٌ عن مورد فتوى الشيخ الطوسي (رحمه الله).

وتبقى في المقام فرضيتان:

العدَّة في فرض الحمل واحتمال نزول ماء المجبوب:

الفرضيَّة الأولى: هي وقوع المعاشرة من المجبوب لزوجته بمثل المساحقة والاحتكاك واحتمال انصباب مائه عليها أو احراز انصباب مائه عليها مع عدم احراز دخوله في رحمِها، وهذه الفرضية بكلا شقيها هي التي يُفتي الشيخ -ظاهرا- بوجوب العدَّة فيها على مطلَّقة المجبوب.

والذي يرد على دعوى إيجاب العدَّة في هذه الفرضيَّة هو أنَّه لا موضوع لوجوب العدَّة، إذ أنَّ موضوعها لو كان هو الدخول محضاً فهو غير قابل للتحقُّق، وإن كان هو دخول المني في رحم الزوجة فهو غير محرَزٍ بحسب الفرض، نعم لو تبيَّن حملُها تعيَّن عليها وجوب الاعتداد ولكن ذلك يصيِّرها من ذوات الأحمال فتكون داخلة في الفرض السابق.

ودعوى وجوب العدَّة لصدق المماسَّة فتكون مشمولةً لما دلَّ على أنَّ المماسَّة موجبةٌ للعدَّة لقوله تعالى: ﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾(8) هذه الدعوى لا تتم، فإنَّ المراد من المماسَّة هو الدخول -كما هو الظاهر وكما نصَّت على ذلك الروايات- والدخول غير قابلٍ للتحقُّق من المجبوب.

العدَّة في فرض الحمل واحراز دخول ماء المجبوب: 

الفرضيَّة الثانية: هي وقوع المعاشرة من المجبوب لزوجته بمثل المساحقة والاحتكاك مع إحراز دخول مائه في رحمها، وهنا لو بنينا على أنَّ موضوع وجوب العدَّة هو الدخول محضاً فحينئذٍ لا موجبَ للعدَّة على مطلَّقة المجبوب في هذا الفرض إلا مع تبيُّن وقوع الحمل.

وأمَّا بناء على أنَّ دخول ماء الزوج في رحم الزوجة من موجبات العدَّة -كما هو ليس ببعيد- فما أفاده الشيخ من وجوب العدَّة على مطلَّقة المجبوب تامٌ.

ويُمكن أنْ يُستدلَّ للقول بوجوب العدَّة من دخول الماء في رحم الزوجة بمعتبرة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) قَالَ: "الْعِدَّةُ مِنَ الْمَاءِ"(9).

واستظهار أنَّ الإمام (ع) بصدد بيان الحكمة مِن جعل العدَّة ولم يكن بصدد البيان لموضوع وجوب العدَّة وذلك بقرينة ما ورد في صحيحة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: سَأَلَه أَبِي وأَنَا حَاضِرٌ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأُدْخِلَتْ عَلَيْه فَلَمْ يَمَسَّهَا، ولَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا حَتَّى طَلَّقَهَا هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْه فَقَالَ: إِنَّمَا الْعِدَّةُ مِنَ الْمَاءِ قِيلَ لَه: فَإِنْ كَانَ وَاقَعَهَا فِي الْفَرْجِ ولَمْ يُنْزِلْ فَقَالَ: إِذَا أَدْخَلَه وَجَبَ الْغُسْلُ والْمَهْرُ والْعِدَّةُ"(10) فإنَّ الظاهر من هذه الصحيحة هو أنَّ تمام موضوع العدَّة هو الوقاع في الفرج، وأنَّ قوله (ع): "الْعِدَّةُ مِنَ الْمَاءِ" لم يكن سوى بيانٍ لحكمة تشريع العدَّة والتي لا يدورُ فرض العدَّة مدارها.

هذا الاستظهار لو تمَّ فإنَّه وإن كان يقتضي وجوب العدَّة حتى في فرض عدم الإنزال مع تحقُّق الدخول لكنَّه يقتضي أيضاً وجوب العدَّة بالإنزال في الرحم حتى مع عدم الدخول، إذ مِن غير المحتمل أن يكون مورد الحكمة من تشريع العدَّة غير موجبٍ للعدَّة، نعم مقتضى كون "العدَّة من الماء" حكمةً وليست علَّة هو أنَّه تثبت العدَّة لما هو أوسع من دخول الماء فتثبت مثلاً بالدخول مع احراز عدم الإنزال ولكنَّ البناء على أنَّ العدَّة لا تثبت مع احراز دخول الماء معناه أنَّ دخول الماء ليس حكمةً أساساً من تشريع العدَّة، فافتراض أنَّ حكمة تشريع العدَّة هو الماء والحذرُ من اختلاط المياه يقتضي البناء على أنَّ إحراز دخول الماء ولو من غير طريق الجماع موجبٌ للعدَّة.

وأمَّا ما قد يقال إنَّ مقتضى تعليق وجوب العدَّة على الدخول هو عدم ثبوت العدَّة بدخول الماء دون دخول، ومقتضى كون العدَّة من الماء هو وجوب العدَّة بدخول الماء فيقع التعارض بنحو العموم من وجه.

فإنَّه يقال إنَّه يُمكن الجمع بين الدليلين بالبناء على أنَّ الدخول سببٌ للعدَّة، ودخولُ الماء بغير الجماع سببٌ آخر للعدَّة لما ثبت في محلِّه من أنَّه إذا عُلِّق جزاء على شرط ثم علِّق ذات الجزاء على شرط آخر فإنَّ الجمع العرفي يقتضي البناء على أنَّ الجزاء يتحقَّق بأحد الشرطين تماماً كما في مثال إذا خفيَ الأذان فقصِّر، وإذا خفيت الجدران فقصِّر، فإنَّ مقتضى الجمع بين النصَّين هو وجوب التقصير بتحقُّق أحد السببين كذلك المقام فإنَّ مقتضى الجمع بين تعليق العدَّة على الدخول وتعليقها على وصول الماء من غير دخول هو أنَّ أحد السببين كافٍ في إيجاب العدَّة

وعليه فالظاهر هو صحَّة دعوى أنَّ إحراز دخول ماء الزوج في رحم زوجته ولو من غير طريق الجماع موجبٌ للعدَّة، ولا أقلَّ من أنَّ ذلك هو مقتضى الاحتياط كما يُستظهر من صاحب الجواهر(11).

الوجه لدعوى اعتداد مطلَّقة المجبوب بالأقراء وجوابه:

يبقى الكلام في الوجه من دعوى الشيخ أنَّ عدَّة مطلَّقة المجبوب غير الحامل تكون بالشهور وليس بالأقراء فإنَّ من المحتمل أنَّ الوجه لذلك هو أنَّ المجبوب -نظراً لامتناع وقوع الدخول منه- لا يتحقق في مورده الطلاق في طهر المواقعة، لذلك يصح منه الطلاق في ظرف الطهر مطلقاً. وعليه فلا تكون عدة مطلَّقته بالأطهار فيتعين أنَّها بالشهور كما هو شأنْ المسترابة والتي لا تحيض وهي في سنِّ من تحيض.

إلا أنَّ هذا الوجه لا يتم فإنَّه مع البناء على وجوب العدَّة على مطلقة المجبوب غير الحامل يمكن البناء على أن تكون عدَّتها بالأقراء وذلك بأنْ يقال أنَّ طلاقه لا يصح إلا في طهرٍ غير الطهر الذي أدخل فيه ماءه في رحمها.

وعليه فمطلَّقة المجبوب غير الحامل إذا كانت مستقيمة الحيض فهي مشمولة لإطلاقات ما دلَّ على أنَّ عدَّة مستقيمة الحيض تكون بالأقراء.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

17 ربيع الثاني 1444ه

13 نوفمبر 2022م


1- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص395.

2- الكافي -الكليني- ج6 / ص151.

3- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج7 / ص375.

4- سورة الأحزاب / 49.

5- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص396.

6- جواهر الكلام -الشيح حسن النجفي- ج 32 / ص215.

7- سورة الطلاق / 4.

8- سورة الأحزاب / 49.

9- الكافي -الكليني- ج6 / ص84.

10- الكافي -الكليني- ج6 / ص109.

11- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص218.