تداخل عدَّتي الطلاق الرجعي والوفاة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
إذا توفي الرجل أثناء عدَّة مطلَّقته طلاقاً رجعياً، هل عليها أن تعتدَّ منه عدَّة الوفاة أو ليس عليها سوى الاتمام لعدَّة الطلاق؟ وإذا كان يلزمها أنْ تعتدَّ منه عدَّة الوفاة فهل يلزمها مضافاً إلى ذلك إتمام عدَّة الطلاق أو أنَّ الحكم هو تداخل العدَّتين؟
الجواب:
الظاهر أنَّه لم يقع خلاف في أنَّ المطلَّقة الرجعيَّة إذا مات زوجها قبل انقضاء عدَّتها منه فإنَّه يجبُ عليها أنْ تعتدَّ منه عدَّة الوفاة، وذلك لأنَّ المطلَّقة الرجعيَّة بحكم الزوجة بل هي زوجة حقيقة ما لم تنقض عدَّتها منه ولذلك فهما يتوارثان لو مات أحدهما قبل انقضاء العدَّة الرجعيَّة، نعم لو كان الطلاق بائناً فهي أجنبية بمجرَّد إيقاع الطلاق ولذلك لا تلزمُها عدةُ الوفاة لو مات مطلِّقها أثناءَ العدَّة وإنَّما يلزمُها الاكتفاء بإتمام عدَّة الطلاق.
مستندُ وجوب العدَّة على المطلَّقة الرجعيَّة:
ويدلُّ على وجوب عدَّة الوفاة على المطلَّقة الرجعيَّة مضافاً إلى كونها بحكم الزوجة فتكون مشمولة لأدلَّة وجوب العدَّة على الزوجة المتوفى عنها زوجها يدل عليها مضافا إلى ذلك العديد من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):
منها: صحيحة هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَه امْرَأَةٌ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا؟ قَالَ: تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الأَجَلَيْنِ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا"(1).
ومنها: صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: سَمِعْتُه يَقُولُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طُلِّقَتْ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ولَمْ تَحْرُمْ عَلَيْه فَإِنَّهَا تَرِثُه ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وإِنْ تُوُفِّيَتْ وهِيَ فِي عِدَّتِهَا ولَمْ تَحْرُمْ عَلَيْه فَإِنَّه يَرِثُهَا"(2).
ومنها: موثقة سماعة قال: "سألتُه عن رجلٍ طلَّق امرأته، ثم إنَّه مات قبل أنْ تنقضيَ عدَّتُها، قال: تعتدُّ عدَّة المتوفَّى عنها زوجُها ولها الميراث"(3).
ومنها: معتبرة أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَه طَلَاقاً يَمْلِكُ فِيه الرَّجْعَةَ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا؟ قَالَ: تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الأَجَلَيْنِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وعَشْراً"(4).
هل تتداخل العدَّتان:
هذه الروايات وثمة غيرُها صريحة في وجوب عدَّة الوفاة على المطلَّقة الرجعيَّة إذا تُوفِّي زوجُها قبل انقضاء العدَّة، نعم وقع الكلام في أنَّه هل يلزمُها مضافاً إلى عدَّة الوفاة إتمام ما بقيَ عليها من عدَّة الطلاق أو أنَّ العدَّتين تتداخلان؟
الظاهر أنَّه لم يقع خلاف -كما في الجواهر(5)- في أنَّ وظيفة المطلَّقة الرجعيَّة في هذا الفرض هو استئناف عدَّة الوفاة فيكون ما اعتدَّت به من عدَّة الطلاق بحكم اللاغي لا قبل الاعتداد للوفاة ولا بعده بل الواجب عليها بمجرد وصول خبر الوفاة إليها أنْ تعتدَّ منه عدَّة الوفاة وتخرج من العدَّة بانقضاء الأربعة أشهر وعشرا.
ويدلُّ على ذلك ما يظهرُ من مثل صحيحة هشام ومعتبرة ابن أبي عمير حيث أفادتا أنَّ وظيفة المطلَّقة الرجعيَّة الاعتداد بأبعد الأجلين وهي الأربعة أشهر وعشرا، فلو كان يجبُ عليها الاتمام لعدَّة الطلاق لقال تعتدُّ بالعدَّتين أو ما يقرب من هذا المعنى، فقوله: "تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الأَجَلَيْنِ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا" أو "تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الأَجَلَيْنِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وعَشْراً" ظاهر بأنَّ وظيفتها متمحِّضة في ذلك بل إنَّ ذلك هو الظاهر من مثل صحيحة محمد بن قيس وموثقة سماعة، فإنَّ السؤال فيهما عن وظيفة المطلَّقة الرجعيَّة فجواب الإمام (ع) أنَّ وظيفتها الاعتداد عدَّة الوفاة ظاهرٌ في تمحُّض وظيفتها في ذلك وأنَّ ما بقي من عدَّة الطلاق إما أن يدخل في عدَّة الوفاة وإما أن تكون عدَّة الطلاق قد انتفت لانتفاء موضوعها بموت الزوج أثناء العدَّة.
حكم المطلَّق المسترابة:
ومن ذلك يظهرُ حكم المسترابة المطلَّقة رجعياً التي قد تمتدُّ عدَّها لأكثر من أربعة أشهر وعشرا فهي كذلك تكون وظيفتها متمحِّضة في الاعتداد بعدَّة الوفاة بمقتضى إطلاق مثل صحيحة محمد بن قيس وموثقة سماعة وهو كذلك مقتضى ما يظهر من الروايات من أنَّ المطلَّقة الرجعيَّة زوجة فيكون حكمها حكم الزوجة المتوفَّى عنها زوجها متمحِّض في الاعتداد بعدَّة الوفاة، وأما التعبير في مثل صحيحة هشام بأنَّها تعتدُّ بأبعد الأجلين فالمقصود منه عدَّة الوفاة كما صرّحت الرواية الصحيحة بذلك وكذلك صرحت معتبرة ابن أبي عمير فأبعد الأجلين في الروايتين معناه عدَّة الوفاة، فالمطلَّقة الرجعيَّة تعتدُّ عدة الوفاة مطلقاً سواء كانت مستقيمة الحيض أو كانت مسترابة، نعم لو تبيَّن حملها أثناء العدَّة فإنَّها في مثل هذا الفرض تعتدُّ بالوضع كما هو شأن الحامل.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
18 / جمادى الأولى / 1444ه
13 / ديسمبر / 2022م
1- الكافي -الكليني- ج6 / ص121.
2- الكافي -الكليني- ج6 / ص121.
3- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج3 / ص545.
4- الكافي -الكليني- ج6 / ص120.
5- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص260.