أفضليَّة نافلة الفجر على النوافل

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل حديث: (ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها) معتبرٌ لدينا نحن الشيعة؟ وهل له طرقٌ معتبرةٌ لدينا؟

الجواب:

حديثُ: "ركعتا الفجرِ خيرٌ من الدنيا"(1) أو "ركعتا الفجرِ خيرٌ من الدنيا جميعاً"(2) مرويٌّ من طُرِق السنَّة عن عائشة عن النبيِِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، ولم أجد هذا الحديث بهذا اللفظ أو ما يقربُ منه في طُرقنا.

نعم أفاد بعضُ علمائنا أنَّ نافلة الفجر هي أفضلُ النوافل الراتبة، منهم الشيخ الصدوق(رحمه الله) نقلاً عن والده قال في مَن لا يحضره الفقيه: "قال أبى (رضي الله عنه) في رسالته إلي: اعلم يا بنى إنَّ أفضل النوافل ركعتا الفجر، وبعدهما ركعة الوتر، وبعدها ركعتا الزوال، وبعدهما نوافل المغرب، وبعدها تمام صلاة الليل، وبعدها تمام نوافل النهار"(3).

وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله) في الخلاف: "ركعتا الفجر من النوافل أفضل من الوتر" فتكون هي الأفضل على الإطلاق بناءً على أنَّ أفضل النوافل الراتبة هي الوتر، فإذا كانت نافلة الفجر أفضلَ من الوتر فمقتضى ذلك هو أنَّها الأقضل على الإطلاق، وقال الشيخ في الخلاف: "دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم"(4) وكذلك قال المحقِّق الحلِّي في المعتبر: "ركعتا الفجر أفضل من الوتر.. ثم نافلة المغرب .. ثم صلاة الليل"(5).

ولعلَّ منشأ دعوى الأفضليَّة هو ما ورد في مثل موثقة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر، قال: مع طلوع الفجر إنَّ الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡهُودٗا﴾ يعني صلاة الفجر تشهدُه ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار، فإذا صلَّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أُثبت له مرَّتين، تثبتُه ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار"(6).

وورد ما يقربُ من هذا المضمون في عددٍ من الروايات:

منها: ما أورده الكليني بسنده أَبِي حَمْزَةَ الثمالي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ -في حديث طويل ورد فيه-: "وأَقَرَّ الْفَجْرَ عَلَى مَا فُرِضَتْ لِتَعْجِيلِ نُزُولِ مَلَائِكَةِ النَّهَارِ مِنَ السَّمَاءِ ولِتَعْجِيلِ عُرُوجِ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ إِلَى السَّمَاءِ، وكَانَ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ ومَلَائِكَةُ النَّهَارِ يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّه (ص) صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡهُودٗا﴾ يَشْهَدُه الْمُسْلِمُونَ ويَشْهَدُه مَلَائِكَةُ النَّهَارِ ومَلَائِكَةُ اللَّيْلِ"(7).

ومنها ما أورده بسنده عن عَبْدِ اللَّه بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَامِرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "لَمَّا عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّه (ص) نَزَلَ بِالصَّلَاةِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ .. وتَرَكَ الْفَجْرَ لَمْ يَزِدْ فِيهَا لِضِيقِ وَقْتِهَا، لأَنَّه تَحْضُرُهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ ومَلَائِكَةُ النَّهَارِ"(8).

وكذلك ما أورده الصدوق في الأمالي بسنده عن معاوية بن عمار، عن الحسن بن عبد الله، عن أبيه، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): "وأما صلاة الفجر ..، وهي الصلاة التي تشهدُها ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار .."(9).

إلا أنَّه لا يبعد أنَّ المقصود من هذه الروايات هو فريضة الفجر وليس نافلة الفجر، نعم قد يقال إنَّ نافلة الفجر تحظى بذات الفضيلة التي تحظى بها فريضة الفجر وهي شهود ملائكة الليل وملائكة النهار، وهذا ما لا تحظى به سائر النوافل الراتبة إلا أنَّه ورغم ذلك فإنَّ هذه الروايات لا تدلُّ على أكثر من فضيلة نافلة الفجر، وأما دلالتُها على أنَّها أفضل النوافل على الإطلاق فغيرُ ظاهرٍ من هذه الروايات، فلعلَّ ثمة ملاكاتٍ وخصوصياتٍ أخرى لمثل نافلة الليل أو الوتر تكون مقتضيةً للأفضليَّة على نافلة الفجر.

فهذه الروايات لا تصلحُ لإثبات الأفضلية لنافلة الفجر، نعم لعلَّ ما أفاده الشيخ الطوسي في الخلاف من أنَّ أخبارنا تدلُّ على أفضلية نافلة الفجر على نافلة الوتر يقصد منها أخباراً أخرى لم تصل إلينا أو لم نقفْ عليها. وهكذا هو الشأن في مستند دعوى الإجماع الذي أفادها الشيخ الطوسي في الخلاف. وكذلك فإنَّ من المظنون استناد والد الشيخ الصدوق (رحمه الله) -في دعواه أفضلية نافلة الفجر على سائر النوافل- إلى أخبارٍ لم تصل، نعم جزم صاحب الحدائق(10) أنَّ مستنده هو ما ورد في كتاب الفقه الرضوي: "واعلم أنَّ أفضل النوافل ركعتا الفجر، وبعدهما ركعة الوتر، وبعدها ركعتا الزوال، وبعدهما نوافل المغرب، وبعدها صلاة الليل، وبعدها نوافل النهار"(11).

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

2 / رجب / 1444ه

25 / يناير / 2023م


1- صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج2 / ص160.

2- مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ج6 / ص265

3- مَن لا يحضره الفقيه -الصدوق-ج1 / ص496.

4- الخلاف -الطوسي- ج1 / ص523.

5- المعتبر -المحقق الحلي- ج2 / ص16.

6- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج2 / ص37، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج4 / ص212.

7- الكافي -الكليني- ج8 / ص341.

8- الكافي -الكليني- ج3 / ص487.

9- الأمالي -الصدوق- ص257.

10- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني-ج6 / ص38.

11- فقه الرضا -علي ابن بابوبه القمي- ص140.