أم البنين الغائب الحاضر يوم كربلاء
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
السلام عليكم شيخنا :
ذكرتم في مقالٍ لكم أنَّ أم البنين يحتمل أنَّها لم تكن موجودة أيام واقعة كربلاء ومن المعروف بين الشيعة أنَّ قداسة هذه المرأة كانت بسبب تقديمها أولادها لنصرة الحسين (ع) فإنْ صح أنها كانت متوفاة قبل الواقعة فما هي ميزة هذه السيدة؟
الجواب
يكفي هذه السيدة الجليلة شرفاً أنَّ الله تعالى قد اختار لها أنْ تكون أُمَّاً لأربعة شهداء هم مِن خيرة شهداء الإسلام، وفي طليعتهم العباسُ بن عليٍّ (ع) الذي ورد في المأثور -كما في الأمالي والخصال للشيخ الصدوق- عن الإمام زين العابدين (ع) أنَّه قال فيه: "وإنَّ للعباس عند اللهِ تبارك وتعالى منزلةً يغبطُه بها جميعُ الشهداءِ يوم القيامة"(1).
هذا الشرفُ لم تحظَ به أمٌّ من أمهاتِ شهداء كربلاء -والذين هم خيرة شهداء الإسلام- فلم يتَّفق لغير السيدة أمِّ البنين من أمهات الشهداء استشهادُ أربعةٍ من أبنائهن في واقعة الطفِّ خصوصاً وأنَّ هؤلاءِ الشهداء هم مجموعُ أبناء السيدة، ليس لها غيرهم.
ومن المقطوع به أنَّ التفاني والاستبسال والاستماتة التي ظهرت بجلاءِ في مواقفِ هؤلاء الشهداء العظام يوم كربلاء دفاعاً عن الإسلام وعن رائد الإسلام وإمام المسلمين (ع) لم تنشأ جُزافاً بل نشأت عن تربيةٍ وإعدادٍ كان للسيِّدة أمِّ البنين الدورُ الأكبر في إنجازه وتعميقِه في جوانحهم. والمؤشِّر لذلك أنَّه كان ثمة رجالٌ من الهاشميين القريبين نسباً من عليٍّ والحسين (ع) لم يكونوا بالمستوى الذي كان عليه أبناءُ أمِّ البنين.
فسواءً كانت أمِّ البنين (رضوان الله عليها) على قيد الحياة يومَ كربلاء أو لم تكنْ على قيد الحياة فقد حازتْ قصَبَ السبْقِ وحظيتْ بالسهمِ الأوفرِ بإعدادِها لرجالٍ قلَّ نظيرُهم في تاريخ الشهداء. فهي الغائبُ الحاضرُ بما أودَعتْه من سجايا الخير ومعاني الفضيلة والإباءِ والتضحيةِ والإيثارِ في أفئدةِ أبنائِها الأبرار، فأينعَ وأثمرَ زرعُها، فكان إيثارُهم من إيثارِها، وتضحياتُهم مِن تضحياتِها، وانقيادُهم لدينِهم وإمامِهم مِن انقيادِها، ودماؤهم التي اصطبغتْ منها صحراءُ كربلاء كان مِن دمائِها .
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
3 / رجب المرجب / 1444هــ
26 / يناير/ 2023م
1- الخصال -الصدوق- ص68، الأمالي -الصدوق- ص548.