حديثٌ حولَ شرارِ الناس
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، اللّهُمَّ أَنْتَ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ، الخالِقُ الرَّازِقُ، المُحْيِي المُمِيْتُ، البَدِيُ البَدِيعُ، لَكَ الجَلالُ وَلَكَ الفَضْلُ وَلَكَ الحَمْدُ، وَلَكَ المَنُّ وَلَكَ الجُودُ وَلَكَ الكَرَمُ، وَلَكَ الاَمْرُ وَلَكَ المَجْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، يا واِحُد يا أحَدُ يا صَمَدُ يا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاكْفِنِي ما أَهَمَّنِي، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً(ص) عَبْدُه ورَسُولُه.
عباد الله: اتقوا الله وصلوا الأرحام، فإنَّه أبقى لكم في الدنيا، وخيرٌ لكم في الآخرة [و] مَن سرَّه أنْ يُبسط له في رزقِه، ويُنسأُ له في أجلِه فليصِلْ رَحِمَه".
يقولُ اللهُ تعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿إِنَّ شَرَّ الدوابَّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ البُكْمُ الذِّيْنَ لاَ يَعْقِلُوْن﴾(1).
الآيةُ من سورة الأنفال وهي كما يظهرُ مِن مساقِها بصدد الذمِّ والتقريع لمَن اختاروا الإعراض عن الهدى، وقد وصفتهم الآيةُ المباركة بأنَّهم شرُّ الدواب، ومعنى ذلك أنَّهم أسوأ الدوابِّ وأكثرُها شرَّاً، فكلمة "شر" في الآية تعني الأكثر شرًّا، فهي من أسماء التفضيل، وذلك في مقابل كلمة خير فإنَّها كذلك من أسماء التفضيل، فخير الناس بمعنى أكثر الناس خيراً، وأمَّا الدوابُّ فهو جمعُ دابَّةٍ، وهي مطلقُ ما يدبُّ على الأرض من الأحياء، فيصدقُ هذا الاسم على الإنسان، والبهائمِ، والزواحفِ، والحِشار، وجميع الأحياء التي تدبُّ على الأرض من خلق الله جلَّ وعلا، فمفادُ الآية هو أنَّ أسوأ الدوابِّ وأكثرَها شرًّا الصمُّ البكمُ الذين لا يعقلون، أي الذين منحَهم اللهُ تعالى العقلَ والسمعَ واللسان فاختاروا تعطيلَها فأصبحوا وكأنَّهم صمٌّ بكمٌ لا يعقلون.
وأمَّا لماذا هم شرُّ الدواب؟ فلأنَّ اللهَ تعالى ميَّزهم عن سائر الحيوانات بالسمعِ واللسان والعقل فلم ينتفعوا منها بشيءٍ، لذلك فهم كالأنعام كما ورد في آيةٍ أخرى بل هم أضلُّ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾(2).
والحديثُ ليس حول مفاد الآية المباركة بنحو التفصيل وإنَّما كان الغرض من تلاوتها هو التمهيد بها لاستعراض بعض الروايات الواردة عن الرسول الكريم (ص) والواردةِ عن أهل بيته (ع) في بيان مصاديق شرِّ الدواب وشرِّ الناس حتى نجتنبَهم ونحاذرَ أنْ نكون منهم.
فمن هم شرُّ الدوابِّ وشرُّ الناس؟
فقد تصدَّت العديدُ من الروايات لبيان مَن هم شرُّ الناس، ومَن هم أكثرُ الناس سوءً وخسَّةً، فمِن ذلك ما ورد عن الرسول الكريم (ص) أنَّه قال: "ألَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِ رِجَالِكُمْ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّه، فَقَالَ: إِنَّ مِنْ شِرَارِ رِجَالِكُمُ الْبَهَّاتَ الْجَرِيءَ الْفَحَّاشَ، الآكِلَ وَحْدَه، والْمَانِعَ رِفْدَه، والضَّارِبَ عَبْدَه، والْمُلْجِأ عِيَالَه إِلَى غَيْرِه"(3).
فالواجدُ لهذه الخصال -بمقتضى الرواية الشريفة- هو مِن شرار الرجال:
أمَّا البهّات: فهو كثيرُ التعيير والتنقُّص من أقدار الناس لسوء ظنِّه وحدَّة طبعه، فهو يعيبُ على هذا وينتقصُ من ذاك، ويغتابُ هذا ويتَّهمُ ذاك، فلا تراه إلا ساخطًا على خلق الله، لا يُعجبه من الناس أحد، فإذا مرَّ عليه زيد انتقده وأغلظَ في تقريعِه، وإذا مرَّ عليه اسم عمروٍ عابه أو سفَّه رأيه أو انتقص مِن قدره ؛ فهذا مِن شرار خلق الله، فالبهّات هو الذي يتَّهمُ الناس ويعيبهم ويُكثر من نقدِهم على غير وجه حقٍّ، ويُكثرُ من غيبتهم والتوهين لهم، وإساءة الظنِّ بهم، فهذا من شرِّ الدوابِّ الذين أشارت إليهم الآية المباركة.
وأمَّا الجريء: فهو الجَسور الذي لا يضع اعتباراً لأحد، يفعل كلَّ ما يحلو له دون تحفظ أو خجل "قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له"(4) وهو معنى ما ورد عن أهل البيت (ع): "إذا لم تستح؛ فافعل ما شئت"(5) فالحياء من الإيمان، والحياء لباسُ الأخيار وحِلْيةُ الأبرار، أما الجرأة بالمعنى المذكور فهي حلية الأشرار، فالواجد لهذه الصفة الممقوتة يتطاول على الناس في غَيبتهم دون الملاحظة لأيِّ اعتبار، ويتجاسرُ عليهم في محضرهم، ويقترفُ الأفعال المُخزية والمَشينةَ دون أن يشعرَ بالخجل، فذلك هو الجريء الذي عنته الرواية الشريفة.
وأمَّا الفحَّاش: فهو البذيءُ اللسان السبَّاب، الذي يقدحُ في أعراض الناس، ويتعاطى الألفاظَ الوضيعةَ التي تخدشُ الحياءَ، والألفاظَ المستقبحة والمستهجَنة، فلا تكادُ تخلو فقرةٌ ينطقُ بها دون أن تكون مشتملةً على مساءةٍ أو كلمةِ فُحشٍ أو شتيمةٍ أو سُباب أو نقدٍ لاذعٍ أو تعيير، فهذا هو الفحَّاش.
وأمَّا الآكل وحده: فهو أحدُ اثنين: إمَّا أنْ يكون متكبرًا يستنكفُ من أنْ يأكلَ معه صبيٌّ، يخشى على ثيابه أنْ تتسخ أو أنْ يأكلَ معه فقيرٌ لأنَّ ذلك لا يناسبُ مقامه وعلوِّ منزلتِه بحسب زعمه أو أنَّه يقولُ في نفسه إذا أكلتُ مع هذا الصنف من الناس فسوف يتوهَّمون أنِّي مثلُهم وفي مستواهم فتذهبُ هيبتي وتذوب الحواجزُ التي بيني وبينهم لأنَّ المشاركة في الأكل عادةً ما تكسرُ الحواجز، لذلك يحثُّ أهلُ البيت(ع) الناس على حضور الولائم، وإطعام الطعام، لأنَّ طبيعة الأكل الجماعي يبعثُ على المؤانسة ويكسرُ الكثير من الحواجز التي تكون بين الناس.
فهذا الإنسان لا يُريد أن تذوبَ الحواجزُ بينه وبين الناس، لأنَّه يرى نفسَه أرفعَ شأناً منهم، فالذي يأكلُ وحده إمَّا أنْ يكون جبَّارًا متغطرسًا يسوئه أنْ يأكلَ معه الآخرون لأنَّه يراهم دون قدره ومقامه، فهو ينظرُ إليهم باستعلاء وفوقيَّة، فالآكل وحدَه إمَّا أن يكون كذلك أو يكون بخيلًا يخشى أنْ يأكلَ الآخرون من طعامِه أو أنْ يضطر إلى دعوتهم لو استجاب وحضر إلى ولائمهم، فاعتبار الآكل وحده من شرار الناس إمَّا أن يكون المرادُ منه الإشارةَ إلى كونه متكبرًا أو الإشارة إلى كونه بخيلًا، ولعلَّ الأرجح هو أنَّ الرواية أرادت الإشارة إلى الأول وهو أن يكون منشأُ اختياره الأكلَ وحده هو التكبُّر والاستعلاء وذلك لأنَّ البخل قد أُشير إليه في الفقرة التي بعدها وهي قوله (ص): "والمانع رفده".
والمانع رفده: هو مَن يمنع عطاءه لبخله وشدَّة تعلُّقه بأمواله، فهو لا يُنفق ولا يتصدَّقُ، وإذا أعطى كان عطاؤه قليلًا ويمنُّ كثيرًا، هذا لو اضطرَ إلى العطاء حياءً أو لغايةٍ في نفسه وإلا فكثيرًا ما يكونُ عطاؤه باللسان، فتسمعُ منه جعجعةً ولا ترى طحنا، أعطينا وبذلنا وسوف نفعل ولدينا مشاريع خيريَّة، يتفاخرُ أمام الناس ويتباهى بعطاءاته الوهميَّة التي لا واقع لها فهو ممَّن: ﴿يُحِبُونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾(6).
ويضرب عبده: فهو سيء الخُلُق يظلم من هو أضعفُ منه، فيبخسُه حقَّه وقد يحرمُه من حقِّه، وقد يتعدَّى عليه فيضربُه أو يُؤذيه، فتجدُ بعضَ الناس يضرب خادمَه، ولا يتحرَّج أن يسبَّه وكأنَّه ليس من البشر، وإذا كان في موقع الرئيس فإنَّه يتعالى على من هم دونه في العمل يُكثِرُ من زجرِهم وتوبيخهم دون مبرِّر وقد يهينُهم وقد يشتمهم، وقد يُكلِّفهم فوق ما يُطيقون، فهذا من شرار الناس.
والمُلجِأُ عيالَه إلى غيره: وذلك بأنْ يتخلَّى عن مسئوليته تجاههم لبُخلِه، فيلجئون إلى غيره، أو يُسيءُ إلى عياله فيكرهونه، فيبحثون عن متنفَّسٍ عند غيره، فحين لا يجدُ العيالُ رعايةً وعطفًا من مُعيلِهم فإنَّهم يبحثون عمَّن يرعاهم ويعطفُ عليهم، وحينذاك قد يعطفُ عليهم الخيِّرون، وقد يعطفُ عليهم الأشرار فيقتبسون الشرَّ والفساد منهم، فكان الأب هو السببَ، لأنَّه ألجأ عياله إلى غيره، فهو لذلك من شرار الناس.
ويقولُ الرسول الكريم (ص) في موطنٍ آخر كما في الخصال للصدوق : "ألا أُخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المشاؤون بالنميمة، المفرِّقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العيب"(7).
فمَن هو النمَّام؟ هو الذي يُوغرُ صدرك على أخيك، يسمعُ منه حديثًا يُغيظك فينقله إليك، فقد يكون قاصدًا لإيقاع الفتنة والوقيعة بين الأحبَّة وقد لا يكون قاصدًا، وعلى كلا التقديرين فهو نمَّام لأنَّ ما فعله سوف ينشأ عنه وقوعُ العداوة بين الطرفين، فهذا الأثرُ السيء سوف يتحقَّق بقطع النظر عن قصد الناقل أو عدم قصده، ولذلك لا ينبغي للمؤمن أنْ يكون على رسْلِه ينقلُ كلَّ ما يسمعُه دون حسابٍ ودون تأمُّلٍ في العواقب، فقد تكونُ عاقبة نقله للحديث الذي سمعَه التفريقَ بين زوجين أو بين أخوين أو صديقين، وقد تترتَّب على نقله دون رعايةٍ قطيعةٌ كاملة بين قبيلتين أو بين أُسرتين، وقد تترتَّب عن ذلك ثاراتٌ وتُسفك لذلك الدماء وتُستباح الحقوق والحرمات، لذلك فالنمَّامُ من شرارِ الناس.
الباغون للبَراءِ العيبَ: ثمة أناسٌ إذا وجدوا عيبًا في إنسان أفشوه، فهؤلاء سيئون، وأسوأُ منهم مَن يبحثون عن عيوب الناس بغية إفشائها، فيتتبعون أحوال الناس ويرصدون أفعالهم وأقوالهم ومتى ما عثروا على عيبٍ أو خطيئةٍ لأحدٍ فرحوا بها وجدُّوا في إفشائها بين الناس، فمثلُ هؤلاء يتحمَّلون وزرين عظيمين الأول هو تتبُّع عثراتِ المؤمنين وهو من أعظم الذنوب وأشنعِها، والثاني هو افشاؤها وإذاعتها بين الناس، وهو من أقبح الظلم والتعدِّي على حرمات الناس، وعاقبةُ ذلك وخيمة في الدنيا والآخرة ففي الحديث: أنَّ "مَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِه ومَنْ حَفَرَ لأَخِيه بِئْرًا وَقَعَ فِيهَا، ومَنْ هَتَكَ حِجَابَ غَيْرِه انْكَشَفَ عَوْرَاتُ بَيْتِه"(8).
وثمة صنفٌ من الناس هو أسوأُ من هذين الصنفين، وهم الذين أشار إليهم الرسول (ص) بقوله: "الباغون للبراء العيب" فهؤلاءِ حينَ لا يجدونَ عيبًا فيمَن يتتبعون أحواله فإنَّهم يختلقون له عيوبًا رغم علمِهم ببراءته ويعملونَ على ترويجها وإذاعتها، فهؤلاء قد جمعوا بين الكذب والتتبع لعثرات المؤمنين وإفشاءِ السيء من القول، فهؤلاء هم أسوأ الأصناف الثلاثة.
شرُّ الناس مَن لا يقبلُ العذرَ:
وممَّا ورد عن أهل البيت (ع) في بيان مَن هم شرُّ الناس ما روي عن أمير المؤمنين (ع) قال: "شرُّ الناس مَن يظلمُ الناس، وشرُّ الناس من يغشُّ الناس، وشرُّ الناس مَن لا يقبلُ العذرَ ولا يُقيلُ الذنب"(9).
فحين يخطأ أخوك في حقِّك ثم يأتي فيعتذرُ فلا تقبل عذره؟! فأنت من شرار الناس، فكان ينبغي أنْ تلتمسَ له عذرًا لا أنْ تُلجئه إلى الاعتذار، ومعنى أنْ تلتمسَ له عذرًا أن تقول في نفسك لعلَّه كان غاضبًا، لعلَّه لم يقصد، لعلَّه ندِم، أنا لا أحبُّ أنْ أراه في موضع الاعتذار فيبدو عليه الانكسار تلك هي أخلاق المؤمن، وأمَّا السيئ من الناس فهو حين يُخطأ الآخرون يجد في ذلك فرصةً لإخضاعهم وإذلالهم وذلك بتهويل خطئهم وإجبارهم على الاعتذار له في محضر الناس ليكونوا في موقع المهانة، مثل هذا الإنسان ينطوي على مرضٍ في قلبِه.
شرُّ الناس مَن لا يشكر النعمة:
ويقول أمير المؤمنين (ع): "شرُّ الناس مَن لا يشكر النعمة، ولا يرعى الحُرمة"(10).
فأسوأ الناس مَن يُسدي إليه الآخرون معروفًا فلا يشكرهم بل يتنكَّر لفضلهم، وأسوأ منه من يقابل الإحسان بالإساءة فهو يتستر على الفضل والإحسان فإذا ظهر له سوء فيمن أحسن إليه عمل على إشاعته بين الناس حرصًا منه على تصغير من أحسن إليه في أعين الناس، فمثل هذا يُعدُّ من شرار الناس كما أفاد أمير المؤمنين (ع).
شرُّ الناس من لا يُرجى خيرُه:
ويقول أمير المؤمنين (ع): "شرُّ الناس من سعى بالإخوان ونسي الإحسان، وشرُّ الناس من لا يُرجى خيرُه"(11).
فثمة أناسٌ لا يخطرون على بالٍ حين الحاجة لماذا؟ لأنَّه لا خير فيهم ولا نفعَ يُرتجى منهم، وثمة أناسٌ كلَّما وقعت فاقةٌ أو نشبت مُعضلةٌ فإنَّهم يكونونَ الملجأَ والمرجع، فالخيرُ منهم مأمول، لذلك يقصدُهم الناس يتوقعون رفدَهم ومؤازرتَهم، فهؤلاء هم خيارُ الناس، وأمَّا الفريقُ الآخر الذين لا يُنتظرُ منهم نفعٌ، ولا يعبئون بما أصابَ الناس فهؤلاءِ من شرار الناس.
شرُّ الناس من لا يثقُ بأحدٍ لسوءِ ظنِّه:
ويقول أمير المؤمنين (ع): "شرُّ الناس من لا يثقُ بأحدٍ لسوءِ ظنِّه، ولا يثقُ به أحدٌ لسوءِ فعله"(12).
فهذا لا يثق بأحد لأنَّه سيء الظنِّ ويتوهم أنَّ كلَّ الناس مثله سيئون، ولا يثقُ به أحد وذلك ليس لسوء ظنِّهم به بل لسوء فعله وقبيح خصاله وما صار يُعرف عنه من الختل والغدر والخديعة والغش، فمثل هذا يكون من شرار الناس.
شرُّ الناس مَن يرى أنَّه خيرُهم:
ويقول أميرُ المؤمنين (ع): "شرُّ الناس مَن يرى أنَّه خيرُهم"(13).
فهو من شرار الناس لأنَّه مبتلى بالعُجب، والعجب بالنفس مِن أسوأ الخصال وأقبح الأدواء النفسيَّة، فهو يرى نفسه أنَّه أفضلُ الناس، وأورعُ الناس، وأتقاهم وأعبدُهم، وأكثرُهم فهمًا وعلمًا وفطنةً، فتراه إذا تحدَّث فإنَّه يُعلي من شأنِ نفسه، ويرمي الآخرين بعدم الفهم وأنَّه ينقصُهم الوعي والحكمة، فهو وحده الحكيم والخبير الذي لا تفوتُه شاردةٌ ولا واردة، فمثلُ هذا الإنسان مبتلىً بداء العظمة لذلك فهو غارقٌ في نفسه مكبَّل بأوهامه ونرجسياته، يعظِّم ذاته ويحتقرُ الآخرين، ويستبدُّ برأيه إلى أنْ يهلك فهو من شرار الناس، وأمَّا صفة الخيِّر فهو مَن يحترم الناس فيحرصُ على أنْ يجمع عقولَهم إلى عقله، فيرى أنَّ تجاربهم وآراءهم وأفهامهم جديرةٌ بالاهتمام والرعاية لذلك فهو يحرصُ على مشاورتهم فيأخذُ عنهم إذا استجودَ رأيَهم ويحترمهم إذا لم يقتنع برأيهم.
اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد واغفر لعبادك المؤمنين
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ / وَالْعَصْرِ / إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ / إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾(14).
والحمد لله ربِّ العالمين
خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور
10 من شعبان المعظَّم 1444هـ - الموافق 3 مارس 2023م
جامع الإمام الصّادق (عليه السلام) - الدّراز
1- سورة الأنفال / 22.
2- سورة الأعراف / 179.
3- الكافي -الكليني- ج2 / ص292.
4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج16 / ص35.
5-مستدرك الوسائل -النوري- ج8 / ص466.
6- سورة آل عمران / 188.
7- الخصال -الصدوق- ص183.
8- الكافي -الكليني- ج8 / ص19.
9- جامع أحاديث الشيعة -البروجردي- ج13 / ص418، عيون الحكم والمواعظ ص293، 295.
10- عيون الحكم والمواعظ ص293.
11- عيون الحكم والمواعظ ص294.
12- عيون الحكم والمواعظ ص295.
13- عيون الحكم والمواعظ ص293.
14- سورة العصر / 1-3.