سلبُ خاتمِ الحسين (ع) وبترُ إصبعه
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
السلام عليكم:
المعروف أنَّ الإمام الحسين (ع) بعد مقتله قد تمَّ سلبُ خاتمه بعد قطع إصبعه وهي الخنصر التي فيها الخاتم فما مدى صحة ذلك فإنِّي وجدت رواية في أمالي الصدوق قد يُفهم منها خلاف؟
الجواب:
أورد خبرَ السلبِ لخاتم الحسين (ع) بعد مقتله السيدُ ابن طاووس في اللهوف:" قال: ثم أقبلوا على سلب الحسين(ع) فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي .. وأخذ خاتمة بجدلُ بن سُليم الكلبي، وقطع إصبعَه عليه السلام مع الخاتم، وهذا أخذه المختارُ فقطعَ يديه ورجليه، وتركَه يتشحَّطُ في دمِه حتى هلَك .."(1).
وأورد الخبر ابنُ نما الحلي في مثير الأحزان قال: ".. وأخذ درعه البتراء عمرُ بن سعد، وأخذ خاتمَه بجدلُ بن سُليم الكلبي وقطع إصبعه .."(2) ولكنَّه لم يذكر ما فعله المختار به ولكنَّه ذكر ذلك في كتابه ذوب النضَّار، قال: ".. وأتوه -أي المختار- ببجدلَ بن سُليم الكلبي، وعرَّفوه أنَّه أخذ خاتمَه، وقطعَ إصبعه، فأمر بقطعِ يديه ورجليه، فلم يزل ينزف دماً حتى مات .."(3).
وورد خبر ما فعله المختارُ ببجدل الكلبي في كتاب مقتل الحسين (ع) للخوارزمي قال: ".. ثم أُتي برجل يقال له: بجدل بن سليم الكلبي وأُدخل على المختار، فقيل له: أيُّها الأمير! هذا بجدل الذي أخذَ خاتمَ الحسين وقطعَ أصبعه، فقال المختارُ: اقطعوا يديه ورجليه وذروه يتشحَّط بدمِه، ففُعِلَ به ذلك"(4).
هذا ويُمكن تأييد خبر السلب لخاتم الحسين (ع) بعد قتله بما ورد في كتاب دلائل الإمامة لمحمد بن جرير للطبري الإمامي من أعلام القرن الرابع الهجري قال: "وكان له -الحسين (ع)- خاتمان، فصُّ أحدِهما عقيقٌ نقشُه: إنَّ اللهَ بالغُ أمره. وعلى الخاتمِ الذي أُخذ من يدِه يوم قُتل: "لا إله إلا الله عدَّةُ لقاء الله، من تختَّم بمثلهما كانا له حرزاً من الشيطان"(5).
وأمَّا ما أورده الشيخُ الصدوق فنصُّه كما يلي قال: حدَّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رحمه الله ) قال: حدَّثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن ابن أبي نجران عن المثنَّى عن محمد بن مسلم قال: سألتُ الصادقَ جعفرَ بنَ محمدٍ(ع) عن خاتمِ الحسينِ بن عليٍّ (ع) إلى مَن صار؟ وذكرتُ له أنِّي سمعتُ أنَّه أُخذ مِن إصبعِه فيما أُخذ. قال (ع): ليس كما قالوا، إنَّ الحسين (ع) أوصى إلى ابنِه عليِّ بنِ الحسين (ع) وجعل خاتمَه في إصبعه، وفوَّضَ إليه أمرَه، كما فعلَه رسولُ الله (ص) بأميرِ المؤمنين (ع) وفعلَه أميرُ المؤمنين بالحسن (ع) وفعلَه الحسنُ بالحسينِ (ع) ثم صارَ ذلك الخاتمُ إلى أبي (ع) بعد أبيه، ومنه صارَ إليَّ، فهو عندي وإنِّي لألبسُه كلَّ جمعةٍ وأُصلِّي فيه.
قال محمَّد بن مسلم: فدخلتُ إليه يومَ الجمعةِ وهو يُصلِّي، فلمَّا فرغَ من الصلاة مدَّ إليَّ يدَه، فرأيتُ في إصبعه خاتماً نقشُه: لا إله إلا الله عدَّةٌ للقاءِ الله، فقال: هذا خاتمُ جدِّي أبي عبد الله الحسينِ بنِ عليٍّ (ع)"(6).
أقول: الرواية معتبرة من حيثُ السند بناءً على أنَّ المثنَّى هو المثنى الحنَّاط كما هو الظاهر من ملاحظة الراوي عنه وملاحظة روايته عن محمد بن مسلم، والمثنَّى الحناط ثقة لأنَّه من مشايخ أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.
وجه الجمع بين الأخبار ومناقشته:
وأمَّا وجهُ الجمع بين الأخبار الآنفة الذكر وبين معتبرة الصدوق عن محمد بن مسلم فهو أنْ يُقال إنَّ الخاتم الذي تمَّ سلبُه من الإمام الحسين (ع) بعد مقتلِه هو غيرُ الخاتم الذي وضعَه في إصبع الإمام زين العابدين (ع) قبل مقتلِه، ويؤيدُ ذلك ما نقله الطبري في دلائل الإمامة من أنَّ للإمام الحسين(ع) خاتمين ونصَّ على أنَّ أحدَهما أُخذ من يدِه يوم قتله (ع).
إلا أنَّ الذي قد يمنع من اعتبار رواية الدلائل شاهدَ جمعٍ أنَّها أفادتْ أنَّ الذي أُخذ من يد الإمام (ع) بعد قتله هو الخاتم المنقوش عليه "لا إله إلا الله عدَّةُ لقاءِ الله" وهذا هو عينُه الخاتم الذي ورد في معتبرة محمد بن مسلم أنَّه رآه في إصبع الإمام الصادق (ع). قال محمد بن مسلم: فدخلتُ إليه يومَ الجمعةِ وهو يُصلِّي، فلمَّا فرغَ من الصلاة مدَّ إليَّ يدَه، فرأيتُ في إصبعه خاتماً نقشُه: لا إله إلا الله عدَّةٌ للقاء الله، فقال: هذا خاتمُ جدِّي أبي عبد الله الحسينِ بنِ عليٍّ (ع)".
فالخاتمُ الذي أفاد صاحبُ دلائل الإمامة أنَّه أُخذ من الإمام الحسين (ع) هو الخاتم المنقوش عليه "لا إله إلا الله عدَّةُ لقاء الله" وهذا الخاتمُ هو عينُه الذي رآه محمد بن مسلم في إصبع الإمام الصادق (ع) والذي نفى أنَّه قد أُخذ من الإمام الحسين(ع) يومَ مقتله، وأفاد أنَّه وضعَه في إصبع الإمام زين العابدين (ع).
فرواية الدلائل منافيةٌ لمعتبرة محمد بن مسلم إلا أنْ يُقال إنَّ في رواية الدلائل اشتباهً، وأنَّ الذي أُخذ من يدِ الإمام(ع) يوم قتلِه هو الخاتم المنقوش عليه "إنَّ اللهَ بالغُ أمره"، فلو تمَّ ذلك -وهو غير بعيد- فإنَّ رواية الدلائل لا تكون منافيةً لمعتبرة محمد بن مسلم من الجهة التي ذكرناها.
إلا أنَّ ثمة إشكالاً آخر يردُ على الأخبار -التي أفادت أنَّ خاتم الحسين قد تمَّ سلبُه بعد مقتله- وحاصلُ هذا الإشكال هو أنَّ الظاهر من معتبرة محمد بن مسلم النفي لصحَّة ما يتمُّ تناقلُه من أنَّ خاتم الحسين (ع) قد تمَّ أخذه من إصبعه يوم قتله، فمحمد بن مسلم كان يسألُ عن مصير خاتمِ الحسينِ بن عليٍّ (ع) وقال للإمام الصادق (ع) إنَّه سمع أنَّه أُخذ مِن إصبعه فيما أُخذ. فأجابه الإمام (ع) بقوله: "ليس كما قالوا، إنَّ الحسين (ع) أوصى إلى ابنِه عليِّ بن الحسين (ع) وجعل خاتمَه في إصبعه".
فلو كان ثمة خاتمٌ قد سُلب من إصبع الإمام الحسين (ع) لكان المناسب أن يكون جواب الإمام الصادق (ع) بأنَّ الخاتم الذي سُلب من الإمام (ع) هو غيرُ الخاتم الذي وضعَه في إصبع الإمام زين العابدين (ع) وحيث إنَّ جوابَه لم يكن كذلك بل جاء الجواب بنحو النفي المُطلق لذلك يكونُ ظاهرُ معتبرة محمد بن مسلم هو النفي لصحَّة ما سمعه محمد بن مسلم وما يتناقلُه الناس من أنَّ خاتماً للإمام الحسين (ع) قد تمَّ سلبُه يومَ مقتلِه.
وجهٌ آخر للجمع بين الأخبار ومعتبرة محمد بن مسلم:
إلا أنْ يُقال إنَّ سؤال محمَّد بن مسلم كان عن الخاتم الخاص بالإمام الحسين (ع) والذي ورِثَه عن جدِّه الرسول (ص) والذي يتعاقبُ على التختُّم به الأئمةُ (ع) واحداً بعد الآخر، فالسؤال كان عن هذا الخاتم، فهذا الذي نفى الإمامُ الصادقُ (ع) أنَّه قد أُخذ من الإمام الحسين (ع).
ويُؤيد هذا الفهم من الرواية سؤال محمد بن مسلم عن مصير الخاتم، ولا معنى للسؤال عن مصير خصوص خاتم الحسين (ع) فشأنُه ليس أكثر أهمية من شأنِ السيف والدرع والثياب التي سُلبت من الإمام الحسين (ع) فسؤاله عن مصير خصوص الخاتم دون سائرِ ما تمَّ سلبُه من الإمام (ع) يكشفُ خصوصيَّةٍ للخاتم المسئول عنه وأنَّ مقصوده من الخاتم المسئول عنه هو الخاتم الخاصُّ الذي يتوارثُه الأئمة (ع) وعليه فالذي نفى الإمامُ الصادق (ع) أنَّه قد سُلب من الإمام(ع) هو هذا الخاتم، فلا تكون معتبرة محمَّد بن مسلم منافيةً للأخبار التي نصَّت على أنَّ ثمة خاتماً قد تمَّ سلبُه من إصبع الإمام الحسين (ع) يوم قتلِه.
والمتحصَّل أنَّ معتبرة محمَّد بن مسلم لا تُنافي الأخبار التي نصَّت على أنَّ المعسكر الأموي قد سلبَ الإمام الحسين (ع) بعد قتله الخاتم الذي كان في إصبعه بعد بترها، فمعتبرة محمَّد بن مسلم تنفي سلبَ الخاتم الذي هو من مواريث النبوَّة، وأمَّا الخاتم المسلوب -بحسب الأخبار- فهو غيرُه.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
26 / محرم الحرام / 1445ه
14 / اغسطس / 2023م
1- اللهوف في قتلى الطفوف -السيد ابن طاووس- ص76.
2- مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص58
3- ذوب النضَّار -ابن نما الحلِّي- ص123.
4- مقتل الحسين (ع) -المؤيد الخوارزمي- ج2 / ص251.
5- دلائل الإمامة -محمد بن جرير الطّبري الإمامي- ص181.
6- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص208.