حكم الحيوان المرتضِع من لبن الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
لو ارتضع جدْيٌ من لبن امرأة فهل يحرم أكلُ لحمه؟
الجواب:
لا يحرم الجدي أو العَناق أو العجل أو غيرها من البهائم المباحة بارتضاعها من لبن الإنسان، لعدم الدليل على الحرمة، فالمرجع هو أصالة الحلِّ، ويؤيد ذلك مرسلة عليِّ بن الحكم عمَّن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام في جديٍ رضع من لبن امرأة حتى اشتدَّ عظمُه ونبتَ لحمُه قال: لا بأس بلحمِه"(1).
مستند الحكم بكراهة الحيوان المرتضع من لبن الإنسان:
نعم أفتى بعضُ الفقهاء(2) بكراهة لحم الحيوان المباح إذا كان قد ارتضع من لبن الإنسان بل أفتى بعضُهم بكراهة لحم نسلِه أيضاً. ومستندُ الحكم بكراهة لحم المرتضع من لبن الإنسان هو صحيحة أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَيْه (ع): جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ امْرَأَةٌ أَرْضَعَتْ عَنَاقاً(3) حَتَّى فُطِمَتْ وكَبِرَتْ وضَرَبَهَا الْفَحْلُ ثُمَّ وَضَعَتْ أيَجُوزُ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا ولَبَنُهَا فَكَتَبَ (ع): "فِعْلٌ مَكْرُوه ولَا بَأْسَ بِه"(4).
وأوردها الشيخ الطوسي بشيءٍ من التفاوت بسندٍ صحيح عن أحمد بن محمد بن عيسى قال: كتبتُ جعلني فداك امرأة أرضعت عناقاً بلبنِ نفسِها حتى فُطمت وكبرت وضربها الفحل ووضعت يجوز انْ يُؤكل لبنُها وتُباع وتذبحُ ويُؤكلُ لحمُها؟ فكتب عليه السلام: فعلٌ مكروهٌ ولا بأس به"(5).
وأورد هذه الصحيحة بشيءٍ من التفاوت الشيخ الصدوق في الفقيه قال: وكتب أحمد بن محمد بن عيسى إلى علي بن محمد عليهما السلام: " امرأة أرضعت عناقاً [ من الغنم ] بلبنِها حتى فطمتها، فكتب عليه السلام: فعلٌ مكروه، ولا بأس به"(6).
ودلالة الصحيحة على كراهة لحم المرتضع من لبن الإنسان مبتنية على استظهار أنَّ المراد من قوله (ع): "فِعْلٌ مَكْرُوه ولَا بَأْسَ بِه" هو الأكل فيكون مفادُ الرواية هو أنَّ أكل لحم الحيوان الذي ارتضع من لبن الإنسان مكروهٌ وليس بحرام، وأمَّا لو استُظهر أنَّ المراد من قوله (ع) "فِعْلٌ مَكْرُوه ولَا بَأْسَ بِه" هو أنَّ الإرضاع فعلٌ مكروه فحينئذٍ لا تكون الرواية صالحة للاستدلال بها على كراهة لحم المرتضع من لبن الإنسان، والاحتمال الأول هو الأظهر من نسخة الكليني والشيخ الطوسي، وأمَّا نسخة الصدوق فالأظهرُ منها أنَّ قوله (ع): "فعل كروه" وصف للإرضاع. وحيث إنَّ من غير المُحرَز ما هو نصُّ المكاتبة نظراً للاختلاف بين ما أورده الشيخ الصدوق وما أورد الشيخ الكليني والشيخ الطوسي لذلك يكون الجواب مجملاً، وإنَّ كان الأرجح أنَّ الشيخ الصدوق قد اختصر سؤال المكاتبة أو وجده مختصراً، ومن المستبعد غايته أنَّ الشيخ الكليني والشيخ الطوسي قد أضافا على السؤال ما ليس منه، فالأقرب أنَّ سؤال المكاتبة هو ما ورد في نسختي الكليني والطوسي فتكون الرواية صالحة للاستدلال بها على كراهة أكل لحم الحيوان المرتضع من لبن الإنسان. بل لا يبعد أنَّ الظاهر من سؤال المكاتبة -حتى بناء على نسخة الصدوق- كان عن حكم أكل لحم المرتضِع، فالإرضاع -بحسب مفروض المكاتبة- قد وقع وفُرغ منه والسؤال إنَّما هو عمَّا يترتب عليه.
وعلى أيِّ تقدير لو تمَّ البناء على استظهار كراهة لحم المرتضع من لبن الإنسان من الرواية فإنَّ ذلك مختصٌّ بما إذا ارتضع صغيرُ الحيوان من لبن الإنسان إلى أوان فطامه بنحوٍ يكون اشتدادُ عظمِه ونباتُ لحمه مستنداً إلى ما كان يرتضعُه من الإنسان، فذلك هو مقتضى مفاد المكاتبة، وكذلك هي تقتضي كراهة الشرب من لبن الحيوان المرتضِع من لبن الإنسان.
وأمَّا كراهة لحم نسلِه فذكره العلامة الحلِّي (رحمه الله) في التذكرة(7) ولم نقف له على وجه.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
11 / ربيع الأول / 1445ه
27 / سبتمبر / 2023م
1- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج7 / ص324، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج20 / ص407.
2- الدروس الشرعية -الشهيد الأول- ج3 / ص7، تحرير الأحكام -العلامة الحلي- ج4 / ص634.
3- العَناق بفتح العين كسحاب هو الأنثى من أولاد المعز. والجدْي هو الذكر من أولاد المعز.
4- الكافي -الكليني- ج6 / ص250، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج20 / ص407.
5- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج7 / ص325.
6- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج3 / ص334، وسائل الشيعة -الحر العاملي-ج24 / ص163.
7- تذكرة الفقهاء -العلامة الحلي- ج2 / ص630.