الاعتصامُ بحبلِ الله ونبْذُ التفرُّق

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

يقول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(1).

الخطابُ في الآيةِ المباركة موجَّهٌ لعامَّة المسلمين بأنْ يعتصموا بحبل الله تعالى ويتَّخذوا منه وسيلةً للنجاة، وحِرزا يمنعُهم من الانحدار والسقوط في مهاوي الرذائلِ والمُوبقات، وموئلاً يتحصَّنونَ به من الآفات ومن الأعداءِ، وذريعةً يرتقون به إلى مدارج الكمال، ومعاذاً يتحاكمونَ إليه في إصلاح ذاتِ بينهم.

ثم نهتِ الآيةُ المباركةُ عن التفرُّقِ وحذَّرتْ من تبعاتِه، وذلك بالتذكيرِ بما كان عليه الناسُ قبل الإسلام من ضياعٍ وتشرذُمٍ وتباغضٍ وتظالم، وما كانوا عليه من ضعفٍ ووهن أطمع فيهم مَن كان حولهم من الأمم، فكانوا كما أفادتِ السيِّدةُ فاطمة (ع): "مذقة الشارب، ونهزةُ الطامع، وقبسةُ العجلان، وموطئُ الأقدام .. أذلةً خاشعين، تخافون أن يتخطَّفكم الناس من حولكم"(2) فكأنَّ مفادَ الآيةِ المباركة أنَّ التفرُّقَ يعودُ بالمسلمين إلى الجاهليَّة الأولى، ويُفضي إلى ذاتِ الآثار التي شقِيَ الناس بها قبل الإسلام.

ولهذا ينبغي للمسلمينَ أنْ يستعيدوا صوابَهم ويثوبوا إلى رشدِهم ويُدركوا أنَّ التفرُّقَ والتباغضَ والتراشقَ والترامي بالتُهم واستضعافَ بعضِهم لبعض والهدرَ للحقوق فيما بينهم هو منشأُ ما انتهينا إليه من ضعفٍ ووهنٍ وتراجعٍ عن موقعِ الريادة، وهو منشأُ التخلُّفِ الذي صرنا إليه، وهو السببُ الرئيسُ في أن تُصبحَ أمَّتُنا مستلَبة يتحكَّم الاستكبارُ في خيراتها ومواردِها وتفرضُ عليها الدولُ النافذةُ أجندتَها وثقافتَها وقيمَها وأعرافَها. وهذا ما حذَّر منه القرآنُ المجيد بقوله: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾(3) أي قوتُكم.

فإذا أرادتِ الأمةُ أن تستعيدَ قوَّتَها وريادتَها فلا سبيل إلى ذلك إلا بالاعتصامِ بحبل الله المتين والتوحُّدِ على ذلك ونبذِ النزاع والشقاق. وما يُقال إنَّ ذلك غيرُ متاحٍ لاختلاف أبناءِ الأمة فيما يعتقدون لا يصح، فإنَّ ثمة الكثيرَ مما يتَّفقون عليه وهو كافٍ لأنْ يتَّخذوا منه مجمعاً يعتصمونَ به ويستمسكونَ بعُراه، وبعده يحتفَّظُ كلُّ مذهبٍ بخصوصيَّاته على قاعدةٍ من الاحترام المتبادل.

والحمد لله ربِّ العالمين

خطبة الجمعة - الخطبة الثانية - الشيخ محمد صنقور

20 من شهر ربيع الأول 1445هـ - الموافق 6 اكتوبر 2023م

جامع الإمام الصّادق (عليه السلام) - الدّراز


1- سورة آل عمران / 103.

2- الاحتجاج -الطبرسي- ج1 / ص136، دلائل الإمامة -الطبري- ص114، شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص35.

3- سورة الأنفال / 36.