قضية المثليَّين
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وحده لا شريكَ له، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه (ص).
أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإنَّها خير ما تواصى العبادُ به، وخير عواقبِ الأمور، عباد الله: افعلوا الخير ولا تحقِروا منه شيئا، فإنَّ صغيره كبير، وقليله كثير.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وإِمَامِ الْمُتَّقِينَ ورَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ وصَلِّ عَلَى عليٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ووَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وصلِّ على السيدةِ الطاهرةِ المعصومة فاطمةَ سيدةِ نساءِ العالمين، وصلِّ أئمةِ المسلمين الحسنِ بنِ عليٍّ المجتبى، والحسينِ بن عليٍّ الشهيد، وعليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدين، ومحمدِ بنِ عليٍّ الباقر، وجعفرِ بنِ محمدٍ الصادق، وموسى بن جعفرٍ الكاظم، وعليِّ بن موسى الرضا، ومحمدِ بن عليٍّ الجواد، وعليِّ بن محمدٍ الهادي، والحسنِ بن عليٍّ العسكري، والخلفِ الحجَّةِ بن الحسن المهدي صلواتُك وسلامُك عليهم أجمعين.
اللهمَّ صلِّ على وليِّ أمرِك القائمِ المهدي، اللهم افْتَحْ لَه فَتْحاً يَسِيراً وانْصُرْه نَصْراً عَزِيزاً، اللَّهُمَّ أَظْهِرْ بِه دِينَكَ وسُنَّةَ نَبِيِّكَ حَتَّى لَا يَسْتَخْفِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ.
أما بعدُ أيُّها المؤمنون:
فالحديثُ مجدَّدا حول ما يُسمى بقضية المثليَّين، فإنَّ المتابعَ يجدُ وبأدنى جهدٍ نشاطاً محموماً غيرَ مسبوق يتزعَّمه عددٌ وازنٌ من الدولِ الغربيَّة والمنظَّماتِ الدوليَّة والمؤسَّساتِ النافذة والشركاتِ العالميَّة الكبرى يستهدفونَ من ذلك الترويجَ لهذه الفئة الشاذَّة والترويجَ لثقافة الشذوذ وذلك من طريق الكثير من البرامج كعقد المؤتمرات والندوات وبثِّها بمختلفِ الوسائل، وإقامة مهرجانات الأفلام والأعمال المسرحيَّة والمعارض الفنيَّة والمسيرات والحفلات الماجنة وتوظيف الدعايات والمنتجات الاستهلاكيَّة وطباعة المنشورات التي تستهدفُ مختلفَ الفئاتِ العمريَّة وتعملُ على تسويغ هذه الفئة وتشجيعِها على التمدُّد وإزالة الاستيحاش عمَّا تُمارسُه، وتضغطُ في اتِّجاه أنْ تنضمَّ دولٌ أُخرى إلى الدول التي تبنَّت الشرعنة للشذوذ وتقنينَ زواج الرجل من الرجل والمرأة من المرأة، وفتحت أنديةً وحاناتٍ ومرافقَ لممارسةِ الشذوذ والترويجِ له وقد تكلَّلت جهودُ المثليين والجهاتِ الداعمة لهم بالنجاحِ المُلفت في اختراق المجتمع الغربي بل والمسخِ لفطرتِه وتجنيدِه للدفاع عن الشواذ وعن ثقافة الشذوذ، واستطاعت التوسيعَ من دائرة الدول التي قبلت بتشريعِ زواج المثليين وتشريعِ ممارسة الشذوذ وإلغاء مطلق القوانين التي كانت تُجرِّم الشذوذ وتفرضُ عقوباتٍ على ممارسته بل واستطاعت اقناع العديد من الدول بلزوم فرض قوانينَ تُجرِّم مطلقَ الأنشطة والناشطين في مواجهةِ ثقافةِ الشذوذ.
وبعد هذا النجاح المُلفت الذي حقَّقته في المجتمع الغربي والدول الغربيَّة تسعى الآن وبدعمٍ مفتوح من دولٍ كبرى ومنظماتٍ دوليَّة لعولمة ثقافة الشذوذ والتطبيع لهذه الثقافة، وعينُها على الدول الإسلاميَّة والشعوبِ المسلمة، فهي المستهدَفُ الأول في هذه المرحلةِ والمراحلِ المقبلة، وذلك ما يفرضُ على المسلمين والدولِ الإسلامية حمايةً لقيمِهم وثوابتِهم اليقظةَ والمحاذرةَ والممانعةَ الصريحةَ والصارمة لمُختلفِ الأنشطة الرامية لتسويق هذه الثقافة المنكوسة والعمل الجادِّ على صيانة المجتمع الإسلامي والحيلولةَ دون تأثُّره بهذه الثقافة المستهجَنة والقذرة وهو ما يسترعي جهوداً استثنائيةً تُضارعُ الجهود المبذولة من أصحاب هذا المشروع المدمِّر للقيمِ والأديان.
ويتحمَّلُ مسئوليَّةَ ذلك مختلفُ فئاتِ المجتمع، فالأسرةُ بالدرجة الأولى مسئولةٌ عن حماية أبنائها وبناتِها وصيانتِهم وتعميقِ روحِ الفضيلةِ والطهارة في قلوبهم والمراقبةِ الجادَّة والمتأنِّية لسلوكِهم وعلاقاتِهم وأفكارِهم والمنابعِ التي يتلقَّون منها ثقافتَهم، وكذلك تتحمَّلُ مشاريعُ التعليمِ الديني والمؤسساتُ الدينيَّة مسئوليةَ التعميق لروحِ الفضيلة وتوثيقِ صلةِ الناشئة بقيم الدين، وهكذا فإنَّ التربويين والمعلِّمينَ والعلماءَ والخطباءَ والأدباءَ والمُنشدينَ وذوي المواهبِ الفنيَّة وكتَّابَ القصَّةِ والمسرحِ كلُّ هؤلاءِ الكرامِ وغيرِهم مسئولونَ عن التصدِّي لهذا المشروعِ الخطير من طريق التأصيلِ لقيمِ الدين وتعميقِ الصلةِ بمبادئه وتشريعاتِه والتحذيرِ من مشاريع العابثينَ الرامينَ إلى مسخ هوية الإنسان وطمسِ فطرته.
وتتحملُ المسئوليةَ الكبرى تِّجاه المشاريع المناقضة للدين والفطرة الدولُ الراعيةُ للمجتمعات الإسلامية فيتعيَّن عليها أنْ لا تخضعَ لضغوط وابتزازِ الدول والمنظَّمات الداعمة للشواذ بل يتعيَّنُ عليها أنْ تخطو خطوةً للأمام وذلك بالإعلان عن تجريم الدعوة إلى المثليَّة واعتبار المروِّج أو المتعاطي لها كالمروِّج والمتعاطي للمخدِّرات وتجريمِ الشركات والمؤسسات التجارية والتعليميَّة الداعمة للشواذ، وتفرض رقابةً صارمةً على المناهج والبرامج والفعاليات والمواقع الأكترونيَّة والمواد الإعلاميَّة والكتب والمجلات الإباحية والكتب التي تُروِّج لثقافة الشذوذ كما يتعيَّن عليها تشديد الرقابة على دور السينما للتثبُّت من عدم عرضها لأفلامٍ منافية للقيم الإسلاميَّة والأعراف الاجتماعيَّة وتشديدُ الرقابة على صالونات الحلاقة والتجميل وما يُسمى بحوانيت التدليك.
كما يتعيَّنُ على وزارات التربية والتعليم في الدول الإسلاميَّة متابعة أحوال الطلاب والطالبات والتواصل مع أولياء الأمور ووضع عقوبات رادعة لكلِّ من يرتدي أو يُمارس أو يشجِّع على ثقافة الشذوذ.
اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمدٍ الطيبينَ الطاهرينَ الأبرارِ الأخيار، اللهمَّ اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءٍ منهم والأموات.
﴿إِنَّ اللَّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسَانِ وإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ويَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ والْمُنْكَرِ والْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور
1 من شهر صفر 1445هـ - الموافق 18 اغسطس 2023م
جامع الإمام الصّادق (عليه السلام) - الدّراز