القضيَّة الفلسطينية محوريَّة وجامعة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أحاطَ بكلِّ شيءٍ علمُه، ووسِع كلَّ شيءٍ حفظُه، وقهَر كلَّ شيءٍ جبروتُه، وأخافَ كلَّ شيءٍ سلطانُه. الحمد لله الذي ملَكَ فقدر، وبطَنَ فخبر، الذي يُحيى الموتى ويُميتُ الأحياءَ وهو حيٌّ لا يموتُ، بيده الخيرُ وهو على كلِّ شيءٍ قدير، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً (ص) عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنَّه يقول: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ﴾.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وإِمَامِ الْمُتَّقِينَ ورَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ وصَلِّ عَلَى عليٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ووَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وصلِّ على السيدةِ الطاهرةِ المعصومة فاطمةَ سيدةِ نساءِ العالمين، وصلِّ أئمةِ المسلمين الحسنِ بنِ عليٍّ المجتبى، والحسينِ بن عليٍّ الشهيد، وعليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدين، ومحمدِ بنِ عليٍّ الباقر، وجعفرِ بنِ محمدٍ الصادق، وموسى بن جعفرٍ الكاظم، وعليِّ بن موسى الرضا، ومحمدِ بن عليٍّ الجواد، وعليِّ بن محمدٍ الهادي، والحسنِ بن عليٍّ العسكري، والخلفِ الحجَّةِ بن الحسن المهدي صلواتُك وسلامُك عليهم أجمعين.
اللهمَّ صلِّ على وليِّ أمرِك القائمِ المهدي، اللهم افْتَحْ لَه فَتْحاً يَسِيراً وانْصُرْه نَصْراً عَزِيزاً، اللَّهُمَّ أَظْهِرْ بِه دِينَكَ وسُنَّةَ نَبِيِّكَ حَتَّى لَا يَسْتَخْفِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ.
أمَّا بعدُ أيُّها المؤمنون:
فإنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة قضيَّةٌ محوريَّةٌ وجامعة، فهي محوريَّةٌ لأنَّ تصفيتَها يُساوقُ الهيمنة الكاملة للصهيونيَّة العالميَّة على مقدرات الأمَّة الإسلاميَّة، الهيمنة على إرادتها واقتصادِها وسياساتها والهيمنةَ على ثقافتها وتأريخِها وقيمِها وأعرافِها والهيمنةَ في المآلِ على هويتِها ودينِها فما تختاره من قِيمِ الدين وتشريعاتِه فهو من الدِّين وما لا يروقُ لها من قِيم الدين وتشريعاتِه يتعيَّنُ على الأمةِ نبذُه والتخلِّي عنه، فالصهيونيَّةُ العالميَّة تسعى بمختلفِ مؤسساتِها لمسخِ الدِّين الإسلاميِّ والاستعاضةِ عنه بدينٍ آخر يحملُ اسمَ الإسلام ولكنَّه اسلامٌ غيرُ الإسلامِ الذي جاءَ من عند الله تعالى، إسلامٌ يتماهي والقيم التي تخدمُ مخططاتِ الصهيونيَّة العالميَّة، وقد خطتْ في هذا الاتِّجاه خطواتٍ واسعةً تكلَّلَ الكثيرُ منها بالنجاح.
ووحدها القضيةُ الفلسطينية التي تقفُ عائقاً دون التمرير لمجمل مشاريعِها وذلك لأنَّها قضيَّةٌ فاقعةٌ لا يشقُّ على عامَّة الناس التفطُّنُ إلى مستوى الظلم الذي مُورِس في سبيل التصفيةِ لها، لذلك يجبُ أن تظلَّ هذه القضيةُ حاضرةً في الوجدان الشعبي بمرارتِها وحرارةِ الدم الذي يَغلي في على امتداد تأريخِها وبشاعةِ العدوان الذي وقعَ على أهلها من غصبِ الأرض والهدرِ للكرامةِ والإذلالِ وهدمِ البيوت والتهجير والقسرِ على النزوحِ والمجازر التي لم تستثن طفلاً أو امرأة والتجويع والحصار والتنكيل والتعذيبِ في أبشع صوره في أقبية المعتقلات وتجريفِ الأرض والمزارع واستهداف القرى والمدن بمختلف الأسلحة المحرَّمة.
إنَّ استحضار هذه القضيَّة بما تحملُ في طيَّاتِها من مآسٍ وفظائع هو خيرُ سبيل للكشف الجليِّ والفاقع عن حقيقة النظام العالمي الذي تقودُه الصهيونيَّة العالميَّة، إنَّ هذا النظامَ العالمي الذي يُروِّجُ لما يُسمَّى بالديانة الإبراهيميَّة ويعمل على تحسين صورتِها هو ذاتُه النظام الذي يذبحُ أطفال فلسطين، والنظامُ العالمي الذي يروج للمثليَّةِ والإباحيَّة والتحلُّل هو ذاتُه النظام الذي يقصفُ المدارس والمستشفيات والملاجئ، والنظامُ العالميُّ الذي يصمُ الإسلامَ وتشريعاتِه بالتشدُّدِ والعنف هو ذاتُه النظامُ الذي يفتكُ بالشعبِ الفلسطينيِّ ويحتلُّ أرضَه ويستبيحُ مقدَّساتِه ويستحوذُ على خيراتِه بالقهرِ والغلبة، والنظامُ العالميُّ الذي يزعم أنَّه الراعي لحقوق الإنسان والعدالةِ الاجتماعية هو ذاتُه النظامُ الذي يُمالئ المحتل ويتواطئ معه في بغيه وعدوانه وتوحُّشِه وقسوتِه المتناهية وهو ذاتُه الذي موَّل البناء لجدار الفصل العنصري وسوَّغ للمحتل فرضَ الحصار الخانق على أهل غزَّة وحرمانهم حتى من الماء والغذاء والوقود.
إنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة بما تحملُ في رحمِها من مآسٍ وفظائع هي أقصرُ الطُرقِ للكشف عن زيفِ النظامِ العالمي وكذبِه ونفاقِه وهي أمثلُ الطرقِ للتثبُّت من عدمِ مصداقيَّتِه في مجمل ما يزعمُه ويتبجًّحُ به من شعارات كاذبة وملغَّمة، لذلك فالقضية الفلسطينية محوريَّةٌ لأنَّها واحدٌ من أهمِّ روافدِ الوعي والبصيرة والقادرةُ على قطع العذرِ وإقامة الحجةِ على المنبهرِين بزخارف الشعارات الماكرة، ولهذا يجبُ أنَّ تظلَّ حاضرةً في الوجدانِ والمحافلِ والإعلامِ والمدارسِ والمعاهد، فهذه القضيَّةُ هي التي أفلتت ببركة صمود أهلِها وجهاد المقاومة الإسلاميَّة من مكر النظام العالمي وحبائله فصارت سبباً في تعثُّر مشاريعِِه الرامية إلى مسخِ هوية الأمةِ، وسوف تكون سبباً في اختراق المنظومة الإعلاميةِ والثقافية التي حشر النظامُ العالمي الشعوبَ الغربية في دائرتها التي يتوهمُ أنَّها حصينة، إنَّ القضية الفلسطينية قادرةٌ على اختراق هذه المنظومة المضلِّلة إذا أحسنتِ الأمةُ توظيفها.
ولهذا فهي محوريةٌ وهي قضيةٌ جامعة لأنَّها عابرة لمختلفِ الطوائف والمذاهب والمتبنيات، فالأمةُ على اختلاف مذاهبِها ومشاربِها وتوجُّهاتِها لا ترتابُ في حقانيّة هذه القضية، ولهذا ينبغي أنْ يُتَّخذ منها وسيلة للتقارب والتآزر ونبذِ الشقاق والنزاع والتراشقِ الذي يُضعفُ من جذوة هذه القضية ويُسهمُ في التقليل من أثرِها، وقد يُسهمُ في تصفيتها، فالصهيونيَّةُ العالميَّة تُدرك حجمَ تأثيرِ هذه القضية على التقويض لمشاريعها التوسُّعية في كلِّ الاتجاهات، ولهذا تعملُ جاهدةً ليلَ نهار على إغواءِ الإمة وإلهائِها عن هذه القضية من طريق الشحنِ الطائفي واستحضارِ ما يبعثُ على الشقاق، فهي أنجعُ وسيلة لإلهاءِ الإمة عن قضيتِه المحورية والمنعِ من تأثيرها على تماسكِ الأمة وتلاحمِها والمنتجِ للحيلولة دون التمريرِ للمشاريع الراميةِ لمسخِ هويةِ الأمة والهيمنةِ على مجملِ مفاصلِها ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمدٍ الطيبينَ الطاهرينَ الأبرارِ الأخيار، اللهمَّ اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءٍ منهم والأموات.
﴿إِنَّ اللَّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسَانِ وإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ويَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ والْمُنْكَرِ والْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
والحمد لله ربِّ العالمين
خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور
25 من شهر ربيع الثاني 1445هـ - الموافق 10 نوفمبر 2023م
جامع الإمام الصّادق (عليه السلام) - الدّراز