لَوْ كَانَ الأَمْرُ إِلَيَّ لَجَعَلْتُه فِي الْقَاسِمِ
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
أورد الكليني في كتاب الكافي في باب النص على أبي الحسن الرضا (ع) رواية طويلة عن يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ الزَّيْدِيِّ عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) جاء فيها: قَالَ - الكاظم (ع)- : أُخْبِرُكَ يَا أَبَا عُمَارَة - يزيد بن سليط-َ إِنِّي خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي فَأَوْصَيْتُ إِلَى ابْنِي فُلَانٍ وأَشْرَكْتُ مَعَه بَنِيَّ فِي الظَّاهِرِ وأَوْصَيْتُه فِي الْبَاطِنِ فَأَفْرَدْتُه وَحْدَه ولَوْ كَانَ الأَمْرُ إِلَيَّ لَجَعَلْتُه فِي الْقَاسِمِ ابْنِي لِحُبِّي إِيَّاه ورَأْفَتِي عَلَيْه ولَكِنْ ذَلِكَ إِلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ يَجْعَلُه حَيْثُ يَشَاءُ.... وأَشَارَ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ فَهُوَ مِنِّي وأَنَا مِنْه واللَّه مَعَ الْمُحْسِنِينَ... هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ ويَسْمَعُ بِفَهْمِه ويَنْطِقُ بِحِكْمَتِه يُصِيبُ فَلَا يُخْطِئُ ويَعْلَمُ فَلَا يَجْهَلُ مُعَلَّماً حُكْماً وعِلْماً هُوَ هَذَا وأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ.."(1)
ماذا أراد الإمام الكاظم (ع) من قوله : " ولَوْ كَانَ الأَمْرُ إِلَيَّ لَجَعَلْتُه فِي الْقَاسِمِ ابْنِي لِحُبِّي إِيَّاه ورَأْفَتِي عَلَيْه" هل تدلُّ الرواية على أنَّ القاسم بن موسى كان مؤهلاً للإمامة ؟ وهل تدلُّ على أنَّ الإمام الكاظم(ع) كان يريد أنْ يجعل له الإمامة؟
الجواب:
أراد الإمام الكاظم (ع) التنبيه للسائل أنَّ الإمامة إنَّما تكون بالجعل الإلهي وليس بالمحبَّة والعاطفة. فمفاد الفقرة المذكورة أنَّ الإمامة لا تخضع للعواطف والمشاعر النفسيَّة وإنَّما هي بجعلٍ من الله جلَّ وعلا.
والرواية لا تدلُّ على أنَّ القاسم - رغم جلالةِ قدره- مؤهلٌ للإمامة، وإنَّما تدلُّ على شدَّة حبِّ الإمام الكاظم (ع) له فهو (ع) لم يقل: لَوْ كَانَ الأَمْرُ إِلَيَّ لَجَعَلْتُه فِي الْقَاسِمِ لسعة علمه وكماله وأهليته، وإنَّما قال:" لِحُبِّي إِيَّاه ورَأْفَتِي عَلَيْه" فهو يُعبِّر بذلك عن شديد حبِّه له وعطفه وشفقته عليه ورأفته به. وهذا بخلاف ما سِيق في الرواية من وصفٍ للإمام الرضا (ع) حيث جاء فيها: "هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ، ويَسْمَعُ بِفَهْمِه، ويَنْطِقُ بِحِكْمَتِه، يُصِيبُ فَلَا يُخْطِئُ، ويَعْلَمُ فَلَا يَجْهَلُ، مُعَلَّماً حُكْماً وعِلْماً، هُوَ هَذَا وأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ"
كما أنَّ الرواية لا تدلُّ على أنَّ الإمام الكاظم (ع) يريد أنْ يجعل الإمامة للقاسم لولا إرادة الله تعالى، فإنَّ إرادة الإمام المعصوم (ع) لا تتخلَّف عن إرادة الله تعالى قيدَ شعرةٍ بل ولا أقلَّ من ذلك.
فقوله(ع): "ولَوْ كَانَ الأَمْرُ إِلَيَّ لَجَعَلْتُه فِي الْقَاسِمِ ابْنِي لِحُبِّي إِيَّاه ورَأْفَتِي عَلَيْه" إنَّما قصد به التنبيه على أنَّ الإمامة ليست من جعل الإمام السابق وإنَّما هي من جعل الله تعالى محضاً ليس لأحدٍ فيها أمرٌ أو اختيار. ثم إنَّ كلمة "لو" حرفُ امتناعٍ لامتناع، ومعنى ذلك هو امتناعُ جعل الامامة للقاسم (رحمه الله) لامتناع أنْ يكون أمرُ الإمامة بيد الإمام السابق.
وهنا يحسنُ التنبيه على أنَّ إمامة الأئمة الإثني عشر بأسمائهم ومشخَّصاتهم ثابتةٌ لهم من عند الله تعالى منذُ عهد النبيِّ الكريم (ص) كما نصَّتْ على ذلك الروايات المتواترة- بل التي تفوقُ حدَّ التواتر- عن الرسول الكريم (ص) وأهل بيته (ع) فالإمامُ السابق يتمحَّض دورُه في التعريف والكشف عن الإمام الذي بعده، فليس له في ذلك أمرٌ أو اختيار . وقد نقلتُ في كتاب تواتر النصِّ على الأئمة(ع) من مصادرنا المعتبرة ما يزيد على الخمسين رواية(2).
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
24 جمادى الأولى 1445ه
9 ديسمبر 2023م
1- الكافي - الكليني- ج1/ 315.
2-تواتر النصِّ على الأئمة - محمد صنقور- ص 155-217