إذنُ المريضِ للطبيبِ بقتِله

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

لو طلب المريض من الطبيب أن يقتله ليتخلَّص من آلامه فهل يسوغ للطبيب الإقدام على قتله؟ وماذا لو أقدم على قتله استناداً إلى طلبه هل يثبت عليه القصاص؟

الجواب:

أمَّا الإقدام على قتل المريض أو غيره لمجرَّد طلبه وإذنه فهو محرَّم دون ريب فإنَّ حرمة القتل العمدي لمحقون الدم لا تسقط بالإذن والطلب، فالمريضُ أو غيره لا يملكُ نفسه ليكون إذنُه في إتلافها نافذاً، ولهذا لا يسوغ له أنْ يقتل نفسه، فإنَّ المالك الحقيقي للنفوس هو الله جلَّ وعلا، وقد نهى عن قتل النفس المحترمة، ونهي عن أن يقتل الإنسانُ نفسه.

ولو أقدم المأذونُ فأوقعَ القتلَ عصياناً على مَن أذنَ له فهل يترتَّبُ القصاص على القتل في هذا الفرض؟

اختلف الفقهاء في ذلك فنُسب إلى الشيخ الطوسي رحمه الله في المبسوط والعلامة رحمه الله في التلخيص والإرشاد القول بعدم ثبوت القصاص على القاتل، ونُسب إلى الشهيد الثاني القول بأن الحكم بعدم ثبوت القصاص على القاتل في هذا الفرض هو الأشهر(1).

واستُدلَّ لذلك كما في الشرائع(2) بأنَّ المقتول -المفترض فيه التمييز وكمال العقل والأهليَّة- أسقط حقَّه بالإذن فلا يتسلط الوارث، أي أنَّ القاتل وإن كان قد فعل حراماً لكنَّ القصاص حقٌّ للمقتول، وقد أسقطه بإذنه للقاتل وتسليطه على قتله، فإذنُه له بالقتل معناه الإسقاط لحقِّه في القصاص وعليه لا يحقُّ للوارث المطالبة بالقصاص، لأنَّ صاحبَ الحقَّ بالقصاص وهو المقتول قد أسقط حقَّه.

إلا أنَّ الظاهر أنَّ هذا الكلام لا يتمُّ، فإنَّ القصاص حقٌّ للوارث -أولياء الدم- كما يظهر ذلك من قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾(3) فحقُّ القصاص كما هو ظاهرُ الآية لوليِّ المقتول، فإنَّ السلطنة المجعولة من الله تعالى قد أُسندتْ لوليِّ المقتول.

ثم إنَّ المقتول لم يكن مسلَّطاً على نفسه ليكون إذنه بإتلافها مُسقطاً للضمان -كما أفاد السيِّد الخوئي(4)- فلأنَّ إذنه بالقتل لاغٍ لذلك لا يكون موجباً لسقوط الضمان تماماً كما هو الشأن في موارد الإذن في إتلاف المال ممَّن لا سلطان له على الإذن فكما أنَّ إذنه لا يُوجب سقوط الضمان عن المتلِّف كذلك المقام. وعليه فإطلاقات أدلَّة وجوب القصاص على القاتل المتعمِّد محكَّمة في مثل الفرض المذكور.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

26 / جمادى الأولى / 1445ه

11 / ديسمبر / 2023م


1- جواهر الكلام -النجفي- ج42 / ص53.

2- شرائع الإسلام -المحقق الحلي- ج4 / ص976.

3- سورة الإسراء / 33.

4- مباني تكملة المنهاج -السيد الخوئي- ج42 / w18.