الحجرات: حديثٌ حول آية النبأ -1
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، اللّهُمَّ أَنْتَ مُتَعالِي المَكانِ عَظِيمُ الجَبَروتِ شَدِيدُ المِحال، غَنِيُّ عَنِ الخَلائِقِ، عَرِيضُ الكِبْرِياءِ، قادِرٌ عَلى ما تَشاءُ، قَرِيبُ الرَّحْمَةِ، صادِقُ الوَعْدِ، سابِغُ النِّعْمَةِ، حَسَنُ البَلاِء، قَرِيبٌ إِذا دُعِيتَ، مُحيطٌ بِما خَلَقْتَ، قابِلُ التَّوْبَةِ لِمَنْ تابَ إِلَيْكَ، قادِرٌ عَلى ما أَرَدْتَ، وَمُدْرِكٌ ما طَلَبْتَ، وَشَكُورٌ إِذا شُكِرْتَ، وَذَكُورٌ إِذا ذُكِرْتَ، فَاجْعَلْ لَنا مِنْ أَمْرِنا فَرَجاً وَمَخْرَجاً بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وحده لا شريكَ له، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه (ص).
عبادَ الله أُوصيكم ونفسي بتقوى الله والورعِ عن محارمه، فإنَّ"الورعَ أساسُ التقوى" و"خيرُ أمورِ الدينِ الورع" و"لكلِّ شيءٍ أسٌّ، واسُّ الإيمانِ الورع" وأنَّه" لا معقِلَ أحرزُ من الورع" وأنَّه "لا يُنال ما عندَ اللهِ إلا بالورع".
يقول الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾(1).
الحديث حول هذه الآية المباركة من سورة الحجرات يقعُ في محاور:
ما رُوي في سبب النزول:
المحور الأول: يرتبطُ بمنشأ نزول هذه الآية المباركة، فقد ورد من طرقنا وورد مستفيضاً من طريق العامَّة(2) أنَّ هذه الآية المباركة نزلت في رجلٍ من الصحابة يُقال له الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بل أفاد ابنُ حجر العسقلاني في الإصابة أنَّ ابن عبد البَر قال: "لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أنَّها نزلت فيه -الوليد-(3) هذا الرجلُ أرسله النبيُّ (ص) الى قبيلةٍ من قبائلِ العرب وهي قبيلةُ بني المصطلق، كانت قد أسلمت حديثاً وبعد أنْ حسُن إسلامُها بعث إليهم الرسولُ (ص) هذا الرجلَ ليقبضَ الزكاةَ منهم ويحملُها إليه ليصرفَها على فقراء المسلمين.
هذا الرجلُ كانت بينه -كما قيل- وبين هذه القبيلة عداوةٌ منذُ أيام الجاهليَّة، ولعلَّ الرسول (ص) اختاره لهذه المهمَّة ليكشفَ عن مخبوءِ سريرته، ذهب الوليدُ إلى قبيلة بني المصطلق فلمَّا علمت القبيلةُ بمقدمِه مبعوثاً من قِبَل الرسولِ الكريم(ص) خرجوا لاستقباله إكراماً لرسولِ الله (ص) إلا أنَّه أوجسَ منهم خيفةً أو أراد أنْ يُقنِع نفسه بذلك، وقيل إنَّه أراد أنْ يكيدَ بهم فرجع قبل أنْ يصلَ إليهم ويلتقيَ بهم.
رجع إلى النبيِّ (ص) وزعم أنَّهم منعوه ولم يقبلوا بتسليمه الصدقات، وأنَّهم قد ارتدُّوا عن الإسلام، وأرادوا قتله، ثلاثُ فِرياتٍ افتراها عليهم، والحال أنَّه لم يلتقِ بهم، اتَّهمهم -كما ورد في الروايات المنقولة في كتب المفسِّرين والمحدِّثين- بالارتداد عن الدِّين وهي أكبر فِريةٍ افتراها عليهم، واتَّهمهم أنَّهم أرادوا قتله، وبأنَّهم امتنعوا -بطبيعة الحال- عن دفع الزكاة.
تسامع المسلمونَ بنبأ الوليد وأنَّ بني المصطلق قد ارتدُّوا عن الدين، وامتنعوا من أداء الزكاة إلى الرسول الكريم (ص) فغضبوا وثارت ثائرتُهم، وتواثبوا يدعونَ إلى الحرب على بني المصطلق، فنزلت هذه الآية المباركة لتؤكِّد على معنى ينبغي أنْ يكون هو الرائجَ والسائدَ في الأوساط العقلائيَّة، وهو أنَّه إذا جاءكم خبرٌ أو نبأ وكان الذي جاء به فاسقاً فتبيَّنوا أي تثبَّتوا من صدقِه، وعدم صدقِه قبل أن تُرتِّبوا أيَّ أثر على خبره.
رأي الإماميَّة في عدالة الصحابة:
وسوف أتحدَّثُ عن مفاد الآية المباركة في المحاور الآتية إلا أنَّه يحسنُ بنا في المقام الإشارة إلى موضوعٍ له نحوُ اتصالٍ بهذه الآية المباركة وبسبب نزولِها وهو مثار جدلٍ بيننا وبين بعض الفرق الإسلاميَّة، فقد تبنَّت بعض الفرق الإسلامية في زمنٍ متأخِّرٍ عن عهد الصحابة أنَّ كلَّ صحابيٍّ فهو عدْلٌ معتمَدٌ في مُطلقِ ما يُخبر به، فلا يصحُّ تكذيبُه أو حتى الارتياب في نبأه أو التوقُّف فيما يُخبر عنه.
أمَّا نحن الإماميَّةَ فنرى أنَّ الصحابةَ كسائر الناس فيهم العدلُ الثقةُ المأمون، وفيهم مَن هو في أعلى درجات العدالة والوثاقة والضبط، وفيهم الفاسقُ، وفيهم المنافقُ، وفيهم الضعيف في تثبُّته وضبطِه، ونتمسَّكُ فيما نبني عليه من تصنيف الصحابة بمثل هذه الآية أعني آية النبأ، فهي صالحةٌ للنقض على دعوى عدالة مُطلق الصحابة دون استثناء، والتي تمخَّضت عنها الكثيرُ من الآثار الكبيرةِ والخطيرة، وكذلك فإنَّ تعريف الصحابي بأنَّه من التقى الرسول (ص) وهو مسلم، سواءً كان التقاؤه به طويلاً أو قصيراً لا يزيد على الساعة أو الساعتين، وأنَّه يكفي لأنْ يُسمَّى الرجل صحابيَّاً أن يكون قد التقى بالرسول (ص) ولو لزمن قصير، ولكن بشرط أنْ يكون مسلماً حين لقائه بالرسول (ص).
هذا التعريف لمعنى الصحابي ودعوى عدالة مُطلق الصحابةِ دون استثناء ترتَّب عنهما البناءُ على قبول إخبارات كلِّ أحدٍ التقى بالنبيِّ (ص) ولو لساعةٍ وهو مسلم، فإخباراتُ مُطلقِ من يُسمَّى صحابياً يجب الأخذُ بها والاعتقادُ بصحَّتها دون تردُّدٍ أو توقف، فترتَّب على هذا المبنى الكثيرُ من الآثار المرتبطةِ بالفقهِ والعقيدةِ والتفسيرِ والسيرةِ وغيرها.
المسلك الوسط في مسألة عدالة الصحابة:
أمَّا نحن الإماميَّةَ فاتَّخذنا مسلكاً وسطاً فيما يرتبطُ بالصحابة، فقلنا إنَّ الصحابيَّ كسائر الناس، قد يكونُ مؤمناً وفي أعلى درجاتِ الإيمان، وفي أعلى درجات التقوى والورع، وفي أعلى درجات العدالة، وقد يكون فاسقاً وفي أعلى درجات الفِسق، وقد يكون ممَّن خلط عملاً صالحا وآخر سيئاً كما أفاد القرآنُ المجيد، فمجرَّد الصحبةِ لا تُعطي للرجل ميزةً على غيره فتقتضي أن يتَّصف بالعدالة، بقطع النظر عن سلوكِه ومواقفِه وتأريخه ومستوى عبادتِه وطاعتِه لله والرسولِ (ص).
فكلُّ الناس بما في ذلك الصحابة يجبُ أن يكونوا على المحكِّ، وأنْ يخضعوا للتمحيص، فإنْ كانوا واجدين للشرائط المعتبرة في العدالة فلا مانع من البناء على عدالتِهم، فليست بيننا وبينهم أيَّةُ عداوة بل نحن نكنُّ لمَن ثبتت عدالتُهم أعظمَ التقدير وندينُ اللهَ تعالى بمحبتِهم والرعايةِ لمقامهم، ففي الصحابة مَن هم تلو العصمةِ في الجلالة والمقام، وفيهم المجاهدونَ الأتقياءُ الأوفياء الزهَّاد العبَّاد، لكن ذلك لا ينسحبُ على كلِّ مَن تسمَّى بهذا العنوان.
فنحنُ نستمسَّكُ بمثل هذه الآية المباركة، وبالكثير ممَّا يماثلها، للنقضِ على دعوى أنَّ كلَّ صحابيٍّ فهو عدْلٌ، فالآيةُ وصفت واحداً من الصحابة بأسوأ وصفٍ في المصطلح الإسلامي بعد النفاق، فأسوأُ صفةٍ يمكنُ أنْ يتَّصف بها المسلم في المتفاهم الديني الإسلامي هو النفاق، وبعده الفِسق، أو هما متساوقانِ في السوء خصوصاً في المرتبة المتقدِّمة من الفسق.
هذا وقد وصف اللهُ جلَّ وعلا في هذه الآية واحداً من الصحابة بالفاسق، فقال: ﴿إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ﴾ ووصف آخرين بالنفاق، وعيَّر بعضَهم باجتراح بعض الكبائر من الذنوب، ونصًّ القرآنُ على أنَّ فيهم مَن جاء بحديث الإفك ورمى بعضُهم المحصناتِ الغافلات بغير وجه حقٍّ وهكذا.
مقتضى الأمر بالتثبت في الخبر:
المحور الثاني: الذي نودُّ الإشارة اليه في المقام هو أنَّ الآية المباركة أمرت بالتثبُّت في الأخبار، فإنْ كان الذي جاء بالخبر فاسقاً فلا يصحُّ التعويلُ على خبره، ولا يصحُّ ترتيبُ الاثر على خبره، وإن لم يكن فاسقاً وكان عدلاً فيصحُّ اعتمادُ خبره وترتيبُ الأثر عليه، لو لم تكن ثمة قرائنُ أخرى تمنعُ من القبول بخبره، ككونه مضطرباً غيرَ ثبتٍ وغير متثبِّت في النقل، أو كان خبرُه مشتملاً على بعض الثغرات المقتضية لعدم الوثوق بصدقِه أو ضبطه، وأنَّه قد يكون مشتبهاً فيما ينقل، لذلك نتوقَّف في قبولِ خبره رغم كونه عدلاً بحسب الفرض.
وصول سنَّة الرسول (ص) عبر وسائط:
وحيث إنَّنا لم نقف على سنَّةِ الرسول الكريم (ص) وعلى كلام الأئمة المعصومين (ع) وقوفاً مباشراً، فلسنا نحن المشافهين بالخطابات التي وردت عن الرسول الكريم (ص) والأئمة (ع) وذلك للفاصل الزمني الذي يفصلُنا عنهم، فالمعوَّلُ عليه في مقام التعرُّف على سنَّة الرسول الكريم (ص) وعلى كلام أهل البيت (ع) هي الأخبارُ والرواياتُ المنقولة بوسائطَ متعدِّدة، وقد تصدَّى علماؤنا رضوان الله عليهم طبقة بعد طبقة لنقل هذه الأخبار، حتى وصلت إلينا، وسوف تصلُ للأجيال التي تلينا إنْ شاء الله تعالى.
القاعدة في تصحيح الخبر وتضعيفه:
هذه الأخبارُ كثيرةٌ جداً ومتشعِّبة ومستوعبةٌ لتمام أبواب الفقه والعقيدة والتفسير والسيرة والحكمة وغيرها، ومشتملةٌ على أدقِّ التفاصيل في مختلف الشؤون، هذه الروايات فيها ما هو معتبرٌ، وفيها ما هو فاقدٌ للاعتبار، فثمة ضوابطُ لقبولها أو لطرحها، وثمة ضوابطُ معتمَدةٌ لتصحيح أو تضعيف هذه الروايات، وما هو الحجَّةُ منها وما هو الفاقد للحجيَّة، فالقاعدة المعتمََدة في مقام تصحيح الرواية وتضعيفها، هو وثاقةُ الناقل وضبطُه وعدمُ فسقِه كما أفادت الآيةُ المباركة، فآيةُ النبأ هي إحدى المصادر المعوَّلُ عليها في تحديد ضوابط قبول الرواية وعدم قبولِها وثمة ضوابطُ يستندُ اعتمادُها إلى أدلةٍ أخرى لا مجال لاستعراضها في المقام.
طريق التعرف على وثاقة الراوي واتصال السند:
الذي نُريد الوصول إليه من هذه المقدِّمة هو أنَّه من أين لنا أنْ نتعرَّف على أنَّ هذا الراوي ثقةٌ أو أنَّه ضعيف وأنَّه فاسقٌ أو أنَّه ليس فاسقاً؟
التعرُّف على وثاقة الراوي وعدم وثاقتِه يحتاج إلى دراسة علم الرجال أي دراسة كليَّاته وقواعده ودراسة تطبيقاته المتشعِّبة والدقيقة، ثم إنَّ معرفة الراوي تحتاج إلى التثبت من طبقته، فالأسماء قد تتشابه، والتثبُّت من أنَّ روايته مرسلة أو مسندة وأنَّه يرويها مباشرة عن المرويِّ عنه أو ثمة حلقة مفقودة في سلسة السند، التثبتُ من ذلك يحتاج إلى معرفة طبقات الرجال، هذا الشأن لا نريد الخوض فيه ولكننا، نريد من ذلك التنبيه على أمرٍ، وهو أنَّه كيف يسوغ لعاقلٍ يحترم نفسه الاستدلال بالأخبار والروايات، وهو لا يعرف طريقَها وأنَّه طريق صحيح أو ليس بصحيح، فخبرٌ واحد مشتمل على سلسلة من الرواة والوسائط فنحتاج للتثبُّت من صحته الوقوف على طبقاتهم فلعلَّ سلسلة السند مشتملةٌ على حلقةٍ مفقودة لا يُتاح التثبت من ذلك دون معرفة طبقات الرواة، وإذا أحرزتَ أنَّ سلسلة السند متصلة ولم تكن إحدى حلقاتها مفقودة، فإنك تحتاج بعده للتثبُّت من أحوال الرواة من حيث الوثاقة والضعف وأنَّه ليس فيهم من هو مدلِّس فإذا تمَّ التثبُّت من اتصال السند ووثاقة رواته ولم يكن ثمة ما يمنع من وهنه صحَّ الاعتماد على الخبر من حيث الصدور ويبقى البحثُ بعد ذلك عن جهة صدور الخبر، والبحثُ عن دلالة متنِه وذلك يتوقفُ على ضوابطَ وعلومٍ أخرى يتعيُّن الاتقانُ لها قبل الولوج في مرحلة الاستدلال بالخبر.
ما يتوقَّف عليه الاستدلال بالأخبار:
أيُّها الأخوة المؤمنون إنَّ من أسهل العلوم التي يتعاطاها علماءُ الدين في الحوزة العلميَّة هي علم الرجال وعلم الطبقات، ورغم ذلك فهما معقدان ومتشعبان، وثمة علومٌ أخرى يتعينُ على الفقيه الإتقانُ لها كعلم الفقه بتشعُّباته ودقائق تفاصيله، وعلمُ الأصول وهو علمٌ في غاية الدقَّة والتعقيد والسعة، هذا مضافاً إلى العلوم الأخرى الممهِّدةِ لها كعلوم العربية النحو والصرف والبيان والمعاني وعلم المنطق والدراية وعلوم القرآن والتفسير وغيرها، كلُّ هذه العلوم يتعيَّنُ على مَن يريد التعاطي مع الأخبار أو التصدي لتفسير القرآن الإتقانُ لها، ولهذا فإنَّ مِن المعيب بنظر العقلاء التصدِّي للاستدلال بالروايات وتصحيحِ بعضها وطرح البعض الآخر أو التصدِّي لتفسير القرآن والتنظُّر في آياته وإعطاء الرأي الشخصي في مداليله ومقاصدِه من المعيب التصدِّي لذلك من غير المتخصِّص في علوم الدين والذي بلغ فيها مرحلة الاتقان، فمجرَّد الإلمام بشيء من الثقافة الدينية لا يصحِّح لواجدها إعطاءُ الرأي الشخصي في معارف الدين.
فليس أحدٌ منا إلا وله إلمام محدود بأكثر العلوم المتداولة، فكلُّنا يعرف بعض المسائل الطبية، فنعرفُ -مثلاً- معنى داء السكري، ونعرف بعض اعراضه، وقد يكون لنا شيءٌ من علم عن العديد من الأدواء التي تلقينا المعرفة بها من طريق القراءة لبعض المقالات أو الكتب أو تلقَّينا ذلك من طريق الاستماع لبعض المحاضرات، فهل يسوغُ لنا لمجرَّد الإلمام السطحي بهذه المسائل التصدِّي لتشخيص الأمراض ووصفِ الدواءِ المناسب وإجراءِ العمليات الجراحيَّة، هل يقبل العقلاء منا ذلك؟! وهل يقبلُ المريض أن يعرض نفسه على غير المتخصِّص المتقِن؟! لو فعل ذلك لكن أحمقاً مجازِفاً بنفسه.
كذلك هو الشأنُ في العلوم الدينية فإنَّه ليس لأحد يحترم نفسه وعقله أن يعطي رأياً في مسألة دينية خصوصاً في الفقه والعقيدة والتفسير لمجرَّد أنَّه قرأ بعض الكتب أو استمع إلى بعض المحاضرات والدروس، وليس هذا من احتكار الفقهاء والعلماء لعلوم الدين كما يزعم البعض، فليس لأحدٍ أن يحتكرَ العلم ولكنَّ من أراد أن يُعطي رأياً في علم من العلوم فعليه أولاً أن يتقنه ويقف على دقائقه وتفاصيله وإلا فهو في معرَض الخطأ الفادح وفي معرض الاستهجان من قبل العقلاء.
فأنْ يتصدَّى أحدٌ لتفسير آيةٍ وإعطاءِ رأيٍ شخصيٍّ في مفادها وهو لا يُحسنُ إعرابها فضلاً عمَّا اشتملت عليه من نكاتٍ بلاغيَّة وبيانيَّة وما اكتنفها من قرائنَ لفظيةٍ وسياقيَّة تُسهم في تحديد مفادها وما يقتضيه ظهورُها، إنَّ تصدِّي مثلِه للتفسير وإعطاء الرأي الشخصي في مفادات القرآن مستهجَنٌ لدى العقلاء وهو في ذلك الوقت محظورٌ شرعاً كما نصَّت على ذلك الرواياتُ المستفيضةُ عن أهل البيت (ع). لما يترتَّب على ذلك من ضررٍ شديد كظهورِ البدعِ والتحريفِ لمعارف الدين والتشويشِ عليها وإثارةِ الشبهات حولها.
وما وقع من آفاتٍ كثيرة وخطيرة على امتداد تاريخ الإسلام الطويل إنَّما نشأ عن تصدِّي الجاهلينَ بمعارف الدين ولهذا ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنَّه قال: "لو سكتَ الجاهلُ ما اختلف الناس" (4) ويقول (ع) فيما روي عنه: "عمل الجاهل وبال، وعلمه ضلال"(5).
اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد واغفر لعبادك المؤمنين
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ / إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ / فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ / إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾(6).
والحمد لله ربِّ العالمين
خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور
7 من شهر رجب المعظم 1445هـ - الموافق 19 يناير 2024م
جامع الإمام الصّادق (عليه السلام) - الدّراز
1- سورة الحجرات / 6.
2- مجمع البيان -الطبرسي- ج9 / ص220، الاحتجاج -الطبرسي- ج2/1/ ص412، جامع البيان -الطبري- ج26 / ص160، أسباب نزول الآيات -الواحدي- ص261.
3- الإصابة -ابن حجر- ج6 / ص481.
4- بحار الأنوار -المجلسي- ج75 / ص81.
5- عيون الحكم والمواعظ -الواسطي- ص342.
6- سورة الكوثر.