المبعثُ النبويُّ وعالميَّة الإسلام
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّه الْعَلِيِّ عَنْ شَبَه الْمَخْلُوقِينَ، الْغَالِبِ لِمَقَالِ الْوَاصِفِينَ، الظَّاهِرِ بِعَجَائِبِ تَدْبِيرِه لِلنَّاظِرِينَ، والْبَاطِنِ بِجَلَالِ عِزَّتِه عَنْ فِكْرِ الْمُتَوَهِّمِينَ، الْعَالِمِ بِلَا اكْتِسَابٍ ولَا ازْدِيَادٍ، ولَا عِلْمٍ مُسْتَفَادٍ .. الَّذِي لَا تَغْشَاه الظُّلَمُ، ولَا يَسْتَضِيءُ بِالأَنْوَارِ، ولَا يَرْهَقُه لَيْلٌ ولَا يَجْرِي عَلَيْه نَهَارٌ، لَيْسَ إِدْرَاكُه بِالإِبْصَارِ، ولَا عِلْمُه بِالإِخْبَارِ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً (ص) عَبْدُه ورَسُولُه انْتَجَبَه لِوَلَايَتِه واخْتَصَّه بِرِسَالَتِه وأَكْرَمَه بِالنُّبُوَّةِ أَمِيناً عَلَى غَيْبِه ورَحْمَةً لِلْعَالَمِين
أُوصِيكُمْ -عباد الله ونَفْسِي- بِتَقْوَى اللَّه، فإِنَّه لَا شَرَفَ أَعْلَى مِنَ الإِسْلَامِ، ولَا كَرَمَ أَعَزُّ مِنَ التَّقْوَى، ولَا مَعْقِلَ أَحْرَزُ مِنَ الْوَرَعِ، ولَا شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ.
يقولُ الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾(1).
يوم المبعث هو الأعظمُ في الأثرِ على الإطلاق:
نعيشُ هذه الأيامَ ذكرى المبعثِ النبويِّ الشريف، والذي هو مِن أعظمِ أيام الله جلَّ وعلا، بل هو الأعظمُ في الأثرِ على الإطلاق، فهو المِفصلُ الأهمُّ من مفاصل تاريخ الرسالات بل هو الغاية التي تنتهي إليها كلُّ الرسالات، والتي بدأت منذُ خلقَ اللهُ تعالى الإنسانَ على وجهِ هذه الأرض، فكانت الغايةُ من كلِّ الرسالات المتعاقبةِ هي الارتقاء بالإنسان لمستوى الكمال في العقيدة والفكر والخُلُقِ والنظْم، ولأنَّ البشريةَ لم تكن لتستوعب كلَّ هذا الفيضِ الزاخرِ في مرحلةٍ واحدة، لذلك مهَّد اللهُ لها بالرسالات المتلاحقة، فكانت كلُّ رسالة تخطو بالبشريَّة خطوةً أو خطواتٍ نحو الكمال إلى أنْ بلغتْ بها مرحلةً أصبحت معها قادرةً على استيعاب ما أراده الله تعالى للبشريَّة أن تتديَّنَ به، فبعث اللهُ خاتِمَ أنبيائه ورسلِه ليصدع بدينه الكامل، حتى إذا ما أنجزَ لريِّه ما كلَّفه به ورضيَ اللهُ عن أدائه وعظيمِ جهاده وبلائِه نزلَ الوحيُ بقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾(2).
فكان يومُ المبعث هو الأعظم على الإطلاق لكونه الغاية القصوى التي تنتهي إليها غاياتُ الأنبياء، فجميعُ الرسالات على امتداد تأريخها الضاربِ في عمْقِ الزمن كانت تنتظرُ هذا اليوم، وتستحثُّ السيرَ للوصول بالإنسان إلى هذا اليوم، فيومُ المبعثِ هو حلمُ الأنبياء والبشارةُ التي يستشرف لها الأولياء والصالحون، وعندما جاء هذا اليومُ العظيم تغيَّر مجرى التأريخ، وانعطف بالإنسانِ انعطافةً لا سبيلَ معها للعودة إلى الوراء، نعم قد تتعثُّرُ خطواته أو تتلكأ ويستفرغ الشيطانُ وجنودُه وِسعَهم للعودة بالإنسان إلى الجاهلية الأولى إلا أنَّ الهداية التي شقَّت طريقَها يوم المبعث النبويِّ تظلُّ ماضيةً تجدُّ حيناً وتنكفأ حيناً إلى أنْ تصلَ بالإنسان إلى آخرِ الشوطِ حيثُ يتأهَّل عنده لليومِ الموعود يوم يُظهِِرُ اللهُ تعالى دينَه بظهور مولانا الإمامِ القائم المهديِّ ابنِ الحسن عجَّل الله فرجَه الشريف فيملأها عدلاً وهدىً وصلاحاً وخيراً، فيومُ المبعث منطلقُ الهدى ويوم الظهور مستقرُّه ومنتهاه. وما بينهما سعيٌّ وجهادٌ وصبرٌ وتمحيصٌ وامتحانٌ وتأهيل.
تعداد الآية لأهمِّ وظائف الرسول (ص):
بعد هذه المقدِّمة أعودُ للآية التي صدَّرتُ بها الحديث والتي اشتملت على تَعدادِ الوظائف التي كُلِّف النبيُّ الكريم (ص) بأدائها، فهو مكلَّف بأنْ يتلوَ آياتِ الله تعالى على عباده، ولا يبعدُ أنَّ المراد من الآيات هو الأعمُّ من الآيات القرآنيَّة والآيات الكونيَّة، والنبيُّ (ص) مكلَّف بتزكية عباد الله وتصفية قلوبهم من آثار الجاهلية وأدرانها، وتقويم سلوكهم وتنمية قابلياتهم وحضِّهم على مكارم الأخلاق ومحاسنِ الخصال، ومكلَّفٌ بتعليمهم مقاصدَ الكتابِ المجيد ومنهاجَه وبراهينَه ومعارفَه وحقائقَه وتعريفِهم بأحكامه وتشريعاته وحدودِها، ومكلَّفٌ بإيقافِهم على مقتضياتِ الحكمةِ ومواردها وترويضِهم على تمثلُّها.
دلالة تصدِّي الآية لتعداد وظائف الرسول (ص):
وفي التصدِّي لتَعداد وظائفِ الرسول الكريم (ص) إشارةٌ إلى أنَّ الرسالةَ الإسلاميَّة قامت من طريق الدعوة بالإقناعِ والبرهان والتنبيه على مقتضيات الفطرةِ، واستثارة القابليَّاتِ الكامنة في النفس وتنميتِها، والتوجيهِ لمقتضياتِ الحكمةِ ومواردِها والترويضِ على تمثُّلها، والترغيبِ في القيمِ المتناغمةِ وانسانيَّة الإنسانِ السويِّ.
فعلى ذلك قام الإسلامُ ومِن طريقه انتشر وذاعَ صيتُه، وعشقتْه الأرواحُ، وليس كما يُروِّجُ له المُرجفون من أنَّه قام بالسيف والإرهاب، فلم يكنْ للسيفِ حضورٌ منذُ صدع النبيُّ الكريمُ (ص) بالدعوة إلى أنْ هاجر بعد ما يزيدُ على العقدِ من الزمن واستقرَّ حِقبةً في المدينة يدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة لكنَّ مرَدةَ الكفر والذين يخشونَ من النبيِّ (ص) ودعوتِه على مصالحِهم ونفوذِهم لم يتركوه وشأنه بل فرضوا الحصار على دولتِه الفتيَّة وألَّبوا قبائلَ العرب على منابذته وجرَّدوا السيفَ والسلاحَ في وجهه، فلم يكن له من خيارٍ سوى الدفعِ عن دعوتِه ومنجزاتِها والمستضعفينَ من أتباعها. فالإسلامُ في جوهره ومسيرته لم يعتمِدْ في الدعوة بغير ما أفادته الآيةُ من بيان الوظائفِ التي كُلف النبيُّ الكريم (ص) بأدائها.
المعاني المحتملة لكلمة الأمِّيين:
هذا وقد وصفتِ الآيةُ المباركةُ النبيَّ الكريم (ص) قبل بيان وظائفه بالرسول المبعوث في الأميين، فما هو المرادُ من الأميين؟ وهل يقتضي ذلك اختصاص رسالته بهم؟
أمَّا المرادُ من الأمِّيين فذُكرت له معانيَ ثلاثة محتملة:
المعنى الأول: أنَّ المراد من الأمِّيين هم العرب، وإنَّما تمَّ وصفُهم بالأمِّيين لأنَّ الغالبيَّةَ الساحقةَ منهم لم تكن تُحسنُ القراءةَ والكتابة، وقد كان المتعارفُ -كما قيل- وصفَ من لا يُحسنُ القراءةَ والكتابةَ بالأمِّي نسبةً لأمِّه، لأنَّها ولدتْه وهو لا يُحسنُ القراءة والكتابة فظلَّ على تلك الحال، فناسبَ أنْ يُنسبَ إليها، ثم صار عنوانُ الأمِّي وصفاً لكلِّ عربي بقطع النظر عن كونه يُحسنُ القراءةَ والكتابةَ أو أنَّه لا يُحسنُهما تماماً كما نصفُ رجلاً بالبدوي رغم أنَّه لم يقطنِ البادية، ولم يُولد فيها لكنَّه حيثُ ينحدرُ من قبيلةٍ بدويَّة لذلك ناسبَ أن يُعرَّفَ بالبدويِّ وأن يُنسبَ إلى البدْو، كذلك هو الشأنُ في وصفِ العربي بالأمِّي فإنَّه لا يقتضي بالضرورة أنَّه لا يُحسنُ القراءةَ والكتابة لكنَّه حيث ينحدرُ من قومٍ لا يُحسنُ غالبيتُهم القراءةَ والكتابة لذلك ناسبَ أنْ يُوصفَ بما يوصفُ به قومُه، فالمقصودُ من الأميِّ هو العربي، وذلك في مقابل غيرِ العربي. لذلك لا يصحُّ الاستدلالُ بوصفِ النبيٍّ (ص) بالأمي على أنَّه لم يكن يُحسنُ القراءة والكتابة.
المعنى الثاني: أنَّ المراد من الأمِّيين هم الذين لم ينزل فيهم كتابٌ ولم يُبعثْ فيهم نبيٌّ، وذلك في مقابل أهل الكتاب، فالمقصودُ من الأمِّيين -بناءً على هذا الاحتمال- هم العربُ أيضاً، وذلك لأنَّه لم يسبقْ أنْ نزل فيهم كتابٌ ولا بُعثَ منهم نبيٌّ، ولهذا يُوصفون بالأمِّيين في مقابل أهل الكتاب، وقد وردَ وصفُهم بذلك على لسان أهل الكتاب في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾(3).
وليس معنى أنَّ العرب لم يسبقْ أن بَعثَ اللهُ فيهم نبيَّاً أنَّه تعالى أهملَهم دون هدايةٍ ودون إقامةِ الحجَّةِ عليهم، ودون تكليفِهم بالدِّين بل إنَّ معنى ذلك أنَّ العربَ لم يسبقْ أنْ بُعث فيهم رسولٌ عربي، فالأنبياءُ والرسلُ كانوا من غير العرب ولكنَّهم كانوا -كما هي سائر الأمم- مكلَّفين باتِّباع الرسل وكانت تصلُهم دعوتُهم.
المعنى الثالث: أنَّ المراد من الأمِّيين في الآية هم أهلُ مكةَ خاصَّة، فلأنَّ مكةَ الشريفة تُسمَّى أمُّ القرى لذلك يُطلقُ على أهل مكَّة وصف الأمِّيين نسبةً إلى أمِّ القرى، وهي مكة، وقد سمَّى القرآنُ المجيد مكَّةَ أمَّ القرى في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾(4) وفي قوله تعالى: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾(5) فالمقصودُ من أمِّ القرى في الآيتين هي مكَّةُ الشريفة، وإنَّما كان يُعبَّرُ عنها بأمِّ القرى لأنَّها كانت المركزَ لجزيرةِ العرب، وعليه فبناءً على ذلك يكونُ معنى قوله تعالى: ﴿بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ هو أنَّه تعالى بعثَ في المكِّيين رسولاً من أهل مكَّة.
وهذا المعنى ورد في بعض الروايات المأثورة عن أهل البيت (ع) فمِن ذلك ما أورده الشيخ الصدوق في علل الشرائع بسندٍ له عن جعفر بن محمد الصوفي قال: سألتُ أبا جعفرٍ الجواد (ع) فقلتُ: يا بن رسول الله لم سُمِّي النبيُّ الأمي؟ قال: ".. وإنَّما سُمِّي الأمِّي لأنَّه كان من أهل مكَّة، ومكةُ من أُمهاتِ القُرى، وذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ: ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾"(6).
وأورد الشيخ الصدوق أيضاً بسندٍ له عن عليِّ بن حسَّان وعليِّ بن أسباط وغيره رفعه عن أبي جعفرٍ (ع) .. قلتُ فلِمَ سُمِّي النبيُّ الأمي قال (ع): لأنَّه نُسب إلى مكة، وذلك قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾" فأُمُّ القرى مكة، فقيل أُمِّيٌّ لذلك" (7).
بُعث في الأمِّيين وليس للأمِّيين خاصَّة:
وأيَّاً كان المقصودُ من الأمِّيين في الآيةِ من سورة الجمعة، فسواءً كان المقصود منهم العربَ أو كان المقصودُ منهم ما يقابلُ أهل الكتاب أو كان المقصودُ منهم المكيين فإنَّ الآيةَ لا تدلُّ على اختصاص رسالةِ الرسول الكريم (ص) بالأمِّيين، فإنَّ الآية أفادت أنَّ النبيَّ الكريم (ص) بُعث في الأميين أي بعث في العرب أو بُعث في أهل مكَّة ولم تقلْ إنَّه بُعث للعرب خاصَّة أو بُعث لأهل مكَّةَ خاصة، يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ أي أنَّه تعالى بَعثَ في الوسط العربي رسولاً منهم أي من العرب أو بعث في الوسط المكِّي رسولاً من أهل مكَّة، وكونُه (ص) بُعث في الوسط العربيِّ المكيِّ لا يقتضي أنَّه (ص) بُعث لهم دون غيرهم.
بعض الآيات المصرِّحة بعالميَّة الرسالة المحمَّديَّة:
ثم إنَّ القرآن قد صرَّح في الكثيرِ من الآيات بعالميَّة الرسالةِ المحمَّديَّة، وأنَّ النبيَّ الكريم (ص) قد بُعث لكافَّةِ الناس إلى يوم يُبعثون، فمِن الآيات المصرِّحة بذلك قولُه تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ..﴾(8) وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾(9) وقوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾(10) وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾(11) هذه الآيات -وغيرها كثير- صريحةٌ في أنَّ الرسول الكريم (ص) بُعث لكافَّة الناس عرباً كانوا أو غيرهم من سائر الأجناس والأعراق.
وكذلك نصَّت آياتٌ على أنَّه بُعث لمن كانوا في عصره ولمَن يأتون بعده إلى يوم القيامة، فمِن هذه الآيات قوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ..﴾(12) فكلُّ من بلَغه القرآن من المعاصرين لزمنِ الرسول (ص) ومَن يأتون بعده فهم -بمقتضى مفاد الآية- مقصودون بالإنذار والرسالة النبويَّة.
معنى العالمينَ ودلالته:
وكذلك فإنَّ مثلَ قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ صريحٌ في عالميَّة الرسالة وأنَّ النبيَّ (ص) نذيرٌ لعامَّة خلقِ الله تعالى، فالألف واللام الداخلة على الجمع -أعني العالمين- تُفيد الاستغراق، ومعنى العالمين بحسب المدلول اللُّغويِّ والعرفيِّ هم مطلقُ أصناف الخلق والموجودات، نعم يتعيَّن حملُ الآية على إرادة مَن يعقِلُ الإنذارَ مِن خلق الله لأنَّ ما عداهم ليست لهم قابليَّة التلقِّي للإنذار، فيكونُ مفادُ الآية أنَّ النبيَّ (ص) بُعث نذيراً لكافَّة خلقِ الله ممَّن يصحُّ تكليفُهم وإنذارُهم، وذلك مطردٌ إلى قيام الساعة، فكلُّ من يأتي من الناس وغيرهم من العقلاء فهم من العالمين، لذلك كان معنى وصفِ اللهِ جلَّ وعلا بربِّ العالمين هو أنَّه ربٌّ لمَن هو في عالم الوجود فعلاً وهو ربٌّ لمَن سيكون في عالم الوجود.
اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد واغفر لعبادك المؤمنين.
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ / إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ / فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ / إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾(13).
والحمد لله ربِّ العالمين
خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور
28 من شهر رجب المعظم 1445هـ - الموافق 9 فبراير 2024م
جامع الإمام الصّادق (عليه السلام) - الدّراز
1- سورة الجمعة / 2
2- سورة المائدة / 3.
3- سورة آل عمران / 75.
4- سورة الشورى / 7.
5- سورة الأنعام / 92.
6- علل الشرائع -الصدوق- ج1 / ص124.
7- علل الشرائع -الصدوق- ج1 / ص125.
8- سورة سبأ / 28.
9- سورة الأنبياء / 107.
10- سورة الفرقان / 1.
11- سورة يوسف / 104.
12- سورة الأنعام / 19.
13- سورة الكوثر.