لو أنَّ فاطمة سرقت لقطعت يدها هل هو وارد؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

حديث: "لو أنَّ فاطمة سرقت لقطعت يدها" هل يقرُّ به علماؤنا؟

الجواب:

الحديث المذكور لم يرد في شيء من طرقنا

وإنَّما ورد في طرق العامة فمِن ذلك ما أورده البخاري في صحيحه بسندٍ له عن عروة بن الزبير قال: إنَّ امرأة سرقتْ في عهد رسول الله (ص) في غزوة الفتح ففزع قومُها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه قال: عروة فلمَّا كلَّمه أسامةُ فيها تلوَّن وجهُ رسولِ الله (ص) فقال: أتُكلِّمني في حدٍّ من حدود الله؟! قال أسامة: استغفرْ لي يا رسول الله، فلمَّا كان العشيُّ قام رسول الله (ص) خطيباً فأثنى على اللهِ بما هو أهلُه ثم قال: أمَّا بعدُ فإنَّما أهلكَ الناسَ قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرقَ فيهم الشريف تركوه وإذا سرقَ فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ، والذي نفسُ محمَّدٍ بيده لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمَّدٍ سرقت لقطعتُ يدَها .."(1).

وعلى فرض صدور هذا الحديث منه (ص) فإنَّه ليس فيه إساءة للسيِّدة فاطمة (ع) بل هو يدلُّ على أنَّ السيِّدة فاطمة (ع) أحبُّ خلق الله تعالى للرسول الكريم (ص) لذلك اختارها مثالاً لبيان عدم المحاباة في إقامة الحدود، فرغم أنَّ فاطمة (ع) أحبُّ الناس إليه لكنَّ ذلك لا يدفعه لتعطيل الحدِّ، فكانَّه أراد القول إنَّه لا أحد أقربُ إلى قلبي من فاطمة(ع) ورغم ذلك لو سرقت -معاذ الله- لأقمتُ عليها حدُّ الله تعالى.

والحديث لا يدلُّ على إمكان صدور السرقة من السيدة فاطمة(ع) تماماً كما لا يدلُّ قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾(2) على إمكان صدور الشرك من النبيِّ الكريم (ص) فمفاد الآية أنَّك أعظمُ الخلق إخلاصاً وعبادةً لله تعالى ورغم ذلك لو أشركت لحبِط عملك، فكأنَّ الآية أرادت القول: إنَّ الشرك بالله مُحبِط للعمل من أيٍّ صدر وإنْ كان من أعظم الخلق. فمثلُ ذلك أبلغُ في التحذير للناس من الشرك. كذلك هو مفاد الحديث فإنَّ مفاده أنَّ فعل السرقة موجبٌ للحدِّ وإنْ صدرَ من أحبِّ الناس إلى قلب النبيِّ (ص). فإنَّ ذلك أبلغُ في تحذير الناس من السرقة وليس الغرض من هذا البيان إفادة إمكان صدور السرقة من السيِّدة معاذ الله.

وكذلك هو الشأن في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ / لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ / ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾(3) فإنَّها لا تدلُّ على إمكان صدور التقوُّل والافتراء على الله من الرسول الكريم (ص). بل إنَّ كلمة "لو" -كما هو معلوم- ظاهرة في الامتناع للامتناع أي امتناع حصول الجزاء لامتناع حصول الشرط، فمفاد الآية أنَّ معاقبة الرسول (ص) بقطع وتينه ممتنعٌ وقوعاً لامتناع صدور الافتراء والتقوُّل منه (ص).

وكذلك هو مفاد قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾(4) ففساد السماء والأرض ممتنعٌ وقوعاً لامتناع تعدُّد الآلهة، وهذا هو مؤدَّى الحديث المذكور، فقطع يد السيدة (ع) ممتنعٌ وقوعاً لامتناع صدور السرقة منها.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

4 / محرم الحرام / 1446ه

11 / يوليو / 2024م


1- صحيح البخاري ج5 / ص96.

2- سورة الزمر / 65.

3- سورة الحاقة / 44-46.

4- سورة الأنبياء / 22.