معنى قوله (ع): نحنُ واللهِ الأسماءُ الحُسنَى
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
أورد الكليني في الكافي بسنده عن معاويةَ بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾(1) قال: "نحنُ واللهِ الأسماءُ الحُسنَى التي لا يَقْبَلُ الله مِنَ العبادِ عملا إلاّ بمعرفتنا"(2)؟
الجواب:
المراد من قوله (ع): "نحنُ واللهِ الأسماءُ الحُسنَى" هو أنَّهم (ع) الأدلَّاء على الله تعالى وعلى معاني أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فهم يَدلُّون الناس على علمه وقدرته ورحمته وعظيم شأنه وسائر أسمائه وصفاته، لذلك كانوا (ع) بمنزلة أسمائه، لأنَّ الاسم يدلُّ على المسمَّى، فتنزيلُهم منزلةَ أسماء الله تعالى لهذه المناسبة، فكما أنَّ الاسم يدلُّ على المسمَّى لذلك ناسب أن يُنزَّلوا منزلة أسماء الله الحسنى لأنَّهم الأدلاء عليه جلَّ وعلا، فليس معنى أنَّهم أسماء الله الحسنى أنَّهم الرحمن وأنّهم الرحيم والغفور والبارئ والمصوِّر بل معنى ذلك أنَّهم الأدلاء على معاني هذه الأسماء الحسنى والمبيِّنون لحقَّانيتها.
وقد يكون المراد من الفقرة المذكورة أنَّهم العلامة على معاني أسماء الله الحسنى باعتبار أنَّ الاسم لغةً من الوسم وهو العلامة، فكما أنَّ الاسم علامةٌ على المسمَّى وعنوانٌ معرِّفٌ ومُشيرٌ للمسمَّى لذلك ناسب أنْ يُنزَّلوا منزلة الاسم، لأنَّهم المعرِّفون لمعاني أسمائه جلِّ وعلا والمعرِّفون لذاته المقدِّسة.
هذا هو حاصلُ ما أفاده العلامة المجلسي في مرآة العقول، واحتمل كذلك معنيين آخرين للفقرة المذكورة:
الاحتمال الأول: أنَّهم الحافظون لأسماء الله الحسنى المحيطون بمعرفتها، فيكون قوله (ع): "نحنُ واللهِ الأسماءُ الحُسنَى" على تقدير محذوف أي أنَّ الأسماء الحسنى متعلِّقٌ بمحذوف فكأنَّه قال: نحن المحيطون بأسماء الله الحسنى لذلك لا يقبل الله تعالى عملاً إلا بمعرفتهم، أي لأنَّهم واجدون لهذا المقام وهو الإحاطة بمعرفة أسماء الله تعالى لذلك أناط قبول الأعمال بمعرفتهم.
والاحتمال الثاني: أنَّهم (ع) مظاهرُ أسماء الله تعالى، فهم مظاهر علمه وقدرته ورحمته وحلمه وسائر أسمائه وصفاته جلَّ وعلا، فالخلقُ كلُّه وإنْ كان من مظاهرِ أسماء الله الحسنى إلا أنَّهم (ع) ونظراً لكونهم أكملَ خلق الله تعالى لذلك فهم أجلى مظاهرِ أسماء الله الحسنى.
هذا حاصل ما أفاده العلامة المجلسي، ونصُّ ما أفاده (رحمه الله): ".. لأنَّهم يدلُّون على قدرة الله تعالى وعلمه وسائر كمالاته، فهم بمنزلةِ الاسم في الدلالة على المسمَّى أو يكون بمعناه اللُّغوي من الوسم بمعنى العلامة، أو لأنَّهم المُظهِرون لأسماء الله والحافظون لها والمُحيطون بمعرفتها، أو المظاهر لها والله يعلم"(3).
وفسَّر العلامة الطبأطبائي (رحمه الله) الرواية بما هو قريبٌ من المعنى الأول الذي أفاده العلامة المجلسي (رحمه الله) قال: "وفي الكافي بإسناده إلى معاويةَ بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ قال: "نحنُ واللهِ الأسماءُ الحُسنَى التي لا يَقْبَلُ الله مِنَ العبادِ عملا إلاّ بمعرفتنا" فما معنى قوله (ع): "نحنُ واللهِ الأسماءُ الحُسنَى".
أقول: ورواه العياشي عنه عليه السلام، وفيه أخذ الاسم بمعنى ما دلَّ على الشيء سواءً كان لفظاً أو غيره، وعليه فالأنبياءُ والأوصياء عليهم السلام أسماءٌ دالَّةٌ عليه تعالى وسائط بينه وبين خلقه، ولأنَّهم في العبوديَّة بحيثُ ليس لهم إلا الله سبحانه، فهم المُظهِرون لأسمائه وصفاته تعالى، وفي الكافي بإسناده عن عبد الله بن سنان قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾(4) قال: هم الأئمة"(5).
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
2 / ربيع الأول / 1446ه
6 / سبتمبر / 2024م
1- سورة الأعراف / 180.
2- الكافي -الكليني- ج1 / ص144.
3- مرآة العقول -العلامة المجلسي- ج2 / ص116.
4- سورة الأعراف / 181.
5- الميزان في تفسير القرآن- السيد الطبأطبائي- ج8 / ص367.