استحباب غسل العيدين ووقته

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة: 

هل استحباب غسل عيدي الفطر والأضحى ثابت أو يؤتى به رجاء للمطلوبيَّة؟ ومتى يبدأ وقته؟ ومتى ينتهي؟

الجواب: 

أما استحبابه فثابتٌ دون إشكال وقد ادُّعي عليه الإجماع كما في الخلاف والتذكرة(1) وغيرهما، ويدلُّ عليه العديد من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):

منها: موثقة سماعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: "وغسل يوم الفطر وغسل يوم الأضحى سنّة لا أُحب تركها"(2)

ومنها: صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: سنَّة وليس بفريضة" (3) فإنَّ الظاهر من قوله (ع) سُنَّة هو الاستحباب بقرينة ما ورد في موثقة سماعة: "سنّة لا أُحبُّ تركها" فإنَّ هذا التعبير إنَّما يُناسب الاستحباب، إذ أنَّه ظاهر في أنَّ الترك سائغ ولكنه (ع) لا يُحبُّه.

ومنها: موثقة عمَّار قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينسى أنْ يغتسل يوم العيد حتى يصلِّي؟ قال: إنْ كان في وقتٍ فعليه أنْ يغتسل ويُعيد الصلاة، وإنْ مضى الوقت فقد جازت صلاتُه"(4).

فإنَّ سؤال السائل ظاهر في المفروغيَّة عن مشروعيَّة الغسل المساوقة للمطلوبيَّة لكونه من العبادات، وقوله (ع): "فعليه أنْ يغتسل ويُعيد الصلاة" ظاهر في الطلب ويتعيَّن حمل الطلب على الاستحباب دون والوجوب بقرينة موثقة سماعة مضافاً إلى أنَّ الوجوب لو كان ثابتاً لما كان مثله يخفى باعتباره من المسائل الابتلائية.

مبدأ وقت غسل العيدين:

وأمَّا مبدأ وقت غسل العيدين فالظاهر -كما في مصباح الفقيه-(5) أنَّه لم يقع خلاف في أنَّه من حين طلوع الفجر، ويُمكن أن يُستدلَّ لذلك -كما أفاد السيد الخوئي-(6) بصحيحة زُرَارَةَ قَالَ: إِذَا اغْتَسَلْتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَكَ غُسْلُكَ ذَلِكَ لِلْجَنَابَةِ والْجُمُعَةِ وعَرَفَةَ والنَّحْرِ والْحَلْقِ والذَّبْحِ والزِّيَارَةِ"(7). 

فإنَّ يوم النحر هو يوم عيد الأضحى فيكون مبدأ وقت غسل عيد الفطر هو طلوع الفجر أيضاً، إذ لا قائل بالتفصيل بين مبدأ غسل العيدين، ثم إنَّ الإضمار في الرواية لا يضرُّ بحجيتها، وذلك لأنَّ المضمِر هو زرارة والذي لا نحتمل في حقِّه الرواية عن غير الصادقين (عليهما السلام).

ويُؤيد البناء على أنَّ مبدأ غسل العيدين هو الفجر ما رواه  عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألتُه هل يجزيه أن يغتسل بعد طلوع الفجر؟ هل يُجزيه ذلك من غسل العيدين؟ قال: إنْ اغتسل يوم الفطر والأضحى قبل الفجر لم يُجزه، وإن اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه"(8).

هذا وقد استدلَّ بعضُ الأعلام على أنَّ مبدأ وقت غسل العيدين هو الفجر بمثل موثقة سماعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: "وغسل يوم الفطر وغسل يوم الأضحى سنّة لا أُحب تركها" وذلك لظهورها في أنَّ ظرف المأمور به هو يوم الفطر ويوم الأضحى واليوم يبدأ بطلوع الفجر فيكون هو مبدأ الأمر بالغسل إلا أنَّ هذا الاستدلال يتمُّ بناءً على أنَّ اليوم يبدأ بطلوع الفجر، وأمَّا بناءً على ما هو المعروف من أنَّ مبدأ اليوم هو طلوع الشمس فإنَّ الاستدلال بهذا الوجه لا يتمُّ.

منتهى وقت غسل العيدين:

وأمَّا منتهى وقت غسل العيدين فالظاهر هو امتداد وقته بامتداد اليوم، فإنَّ ذلك هو المستظهَر من إطلاق الأمر بالغسل يوم العيد، فظرفُ المأمور به هو تمام اليوم والذي يمتدُّ للغروب وقد صاحب الجواهر أنَّ ذلك هو مقتضى إطلاق النصِّ والفتوى ومعاقد الإجماعات(9).

وقيل إنَّ غسل يومي العيدين ينتهي وقته بالزوال، واستُدلَّ على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الغسل من الجنابة، ويوم الجمعة، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، ويوم عرفة عند زوال الشمس .."(10).

والاستدلال بالصحيحة مبتنٍ على ظهور الرواية في رجوع التقييد بالزوال لتمام الأغسال المذكورة إلا أنَّ ذلك غير ظاهرٍ من الرواية، فإنَّ القدر المستظهَر منها هو رجوعه لغسل يوم عرفة وأنَّ ظرف الغسل ليوم عرفة هو الزوال، ولعلَّ ممَّا يمنع من ظهور رجوع التقييد لتمام الأغسال المذكورة وضوح أنَّ غسل الجنابة ليس له وقت موظف. 

هذا وقد نُسب إلى ابن إدريس والعلامة في أحد قوليه -كما في الجواهر-(11) القول بأنَّ غسل يومي العيدين ينتهي بانتهاء الصلاة استناداً إلى موثقة عمار قال: "سألتُ أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل ينسى أنْ يغتسل يوم العيد حتى يصلِّي، قال: إنْ كان في وقت فعليه أنْ يغتسل ويعيد الصلاة، وإنْ مضى الوقت فقد جازت صلاته"(12).

ومقتضى ذلك أنَّ ظرف الغسل يقع قبل الصلاة ويمتدُّ بامتداد وقت الصلاة والذي هو الزوال، وعليه فلو صلى المكلَّف صلاة العيد دون أن يغتسل وكان في الوقت بقية فله أنْ يغتسل ويعيد الصلاة، وأما إذا مضى وقت الصلاة فلا يشرع الغسل.

إلا أنَّ الظاهر هو أنَّ الرواية لا تدلُّ على أكثر من تأكُّد استحباب إيقاع الغسل قبل الصلاة، وأنَّ المكلف لو صلَّى دون الغسل فإنَّ له أو عليه إعادة الصلاة بعد أن يغتسل إذا لم يمض وقتُ الصلاة وهو الزوال، لكنَّ الرواية لا دلالة لها على أنَّ وقت الغسل ينتهي بمضي وقت الصلاة، فلو مضى وقت الصلاة فإنَّ الأمر بالصلاة ينتفي بمضي وقتها، وأمَّا الغسل فإنَّ الرواية لا دلالة فيها على سقوط الأمر به بل هي ساكتة عن ذلك. ويؤكده أنَّ المخاطب بالأمر بالغسل في الروايات ليس هو خصوص مَن يصلِّي العيد، فالغسل يومي العيدين مستحبٌ لمن يصلِّي العيد ومَن لا يصلِّي. 

وعليه فلا مقتضي لرفع اليد عن إطلاق ما دلَّ على استحباب الغسل في تمام يوم العيد والذي يمتدُ إلى بعد انتهاء وقت صلاة العيد. فالصحيح هو أنَّ وقت الغسل يمتدُّ بامتداد اليوم والذي ينتهي عند الغروب.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

6 / ربيع الأول / 1446ه

10 / سبتمبر / 2024م


1- الخلاف -الطوسي- ج1 / ص220، تذكرة الفقهاء -العلامة الحلي- ج2 / ص142.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص329.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص329.

4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص329.

5- مصباح الفقيه -الفقيه الهمداني- ج6 / ص29.

6- المستند في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج10 / ص42.

7- الكافي -الكليني- ج3 / ص41، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص339.

8- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص330.

9- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج5 / ص33. 

10- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص306.

11- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج5 / ص33.

12- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص329.