قضاء غسل الجمعة يوم السبت لمن تركه متعمدا
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
قضاء غسل الجمعة يوم السبت هل يختصُّ بمَن فاته الغسل عن عذر أو يشمل من تركه عن قصدٍ ودون عذر؟
الجواب:
المشهور كما أفاد صاحب الحدائق(1) هو مشروعيَّة القضاء يوم السبت لمَن لم يغتسل يوم الجمعة مطلقاً يعني سواءً كان تركه للغسل يوم الجمعة نشأ عن نسيانٍ أو عذرٍ أو نشأ عن تعمُّدٍ ودون عذر، ويُستدلٌّ على ذلك بموثقة عبد اللَّه بن بكير عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: "سألتُه عن رجلٍ فاته الغسلُ يوم الجمعة، قال: يغتسل ما بينه وبين الليل، فإنْ فاته اغتسل يوم السبت"(2).
فالرواية ظاهرة في الإطلاق، إذ أنَّ الفوات كما يصدقُ في فرض الترك عن نسيانٍ أو عذر يصدق كذلك في فرض الترك عن غير عذر تماماً كما هو الشأن فيمَن ترك الصلاة عن غير عذر إلى خرج وقتها فإنَّه يكون ممَن فاتته الصلاة في وقتها.
وفي مقابل ما ذهب إليه المشهور ذهب الشيخ الصدوق إلى أنَّ مشروعيَّة القضاء يوم السبت تختصُّ بفرض النسيان والعذر، قال رحمه الله في الفقيه: ومن نسي الغسل أو فاته لعلَّةٍ فليغتسل بعد العصر أو يوم السبت"(3).
وأفاد صاحب الحدائق(4) أنَّ مستند ما أفاده الصدوق هي مرسلة حَرِيزٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي السَّفَرِ والْحَضَرِ، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيُعِدْ مِنَ الْغَدِ"(5).
إلا أنَّ الرواية نظراً لضعف سندها لا تكون صالحة للتقييد، على أنَّ أقصى ما تدلُّ عليه هو مشروعيَّة القضاء في فرض النسيان، وأما عدم مشروعيَّة القضاء في غير فرض النسيان فهو مسكوت عنه، لأنَّ الرواية لا مفهوم لها لأنَّ القضيَّة الشرطية مسوقة لبيان تحقُّق الموضوع.
وأمَّا مستند تقييد مشروعيَّة القضاء يوم السبت بفرض العذر فهو موثقة سماعة عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)" في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار؟ قال يقضيه في آخر النهار، فإنْ لم يجد فليقضِه يوم السبت"(6) بناء على ظهور قوله (ع): "فإنْ لم يجد فليقضِه يوم السبت" في المفهوم وأنَّه لو وجد وتمكَّن من الغُسل يوم الجمعة فلم يغتسل فإنَّه غير مأمورٍ بالقضاء يوم السبت فيكون القضاء غير مشروعٍ لعدم الأمر به.
إلا أنَّ الصحيح -كما هو المُستفاد من كلمات السيد الخوئي-(7) هو عدم ظهور الجملة في المفهوم وأنَّ أقصى ما تدلُّ عليه الرواية هو أنَّه إذا فرض أنَّ المكلَّف لم يغتسل قبل الزوال من يوم الجمعة فليغتسل بعد الزوال إلى الغروب، ولو اتَّفق عدم وجدانه للماء فليغتسل يوم السبت، فهي بصدد بيان حكم فرضية عدم وجدان الماء يوم الجمعة وأنَّ مَن اتَّفق له هذا الفرض فهو مأمورٌ بالغسل يوم السبت، أمَّا من ترك الغسل يوم الجمعة متعمِّداً ودون عذر فما هو حكمه وهل له أن يقضيَه يوم السبت فهو مسكوت عنه، فليس للرواية دلالة على عدم مشروعيَّة الغسل في هذا الفرض كما ليس لها دلالة على المشروعية، لذلك فهي لا تصلح لمعارضة أو تقييد موثقة ابن بكير الدالَّة بإطلاقها على مشروعيَّة القضاء يوم السبت حتى لمَن ترك الغسل يوم الجمعة دون عذر.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
7 / ربيع الأول / 1446ه
11 / سبتمبر / 2024م
1- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج4 / ص229.
2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص321.
3- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص111.
4- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج4 / ص229.
5- الكافي -الكليني- ج3 / ص43.
6- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص321.
7- التنقيح في شرح العروة الوثقى ج10 / ص20.