البيِّنة التي يثبتُ بها الزنا
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
البيِّنة التي يثبتُ بها الزنا
الجواب:
يثبتُ الزنا بشهادة أربعة رجالٍ عدول كما نصَّ على ذلك القرآنُ المجيد في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾(1) وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾(2) هذا مضافاً إلى الروايات المستفيضة كصحيحة مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): "لَا يُرْجَمُ رَجُلٌ ولَا امْرَأَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْه أَرْبَعَةُ شُهُودٍ عَلَى الإِيلَاجِ والإِخْرَاجِ"(3).
يثبتُ الزنا بشهادة ثلاثة رجالٍ عدول وامرأتين:
وكذلك يثبتُ الزنا والرجم بشهادة ثلاثة رجالٍ عدول وامرأتين كما نصَّت على ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: سألتُه عن شهادة النساء في الرجم فقال: "إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، وإذا كان رجلان وأربع نسوة لم تجز في الرجم"(4).
وصحيحة عبد اللَّه بن سنان قال: سمعتُ أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: "لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة، ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان .."(5).
فالروايتان صريحتان في ثبوت الزنا والرجم بشهادة ثلاثة رجالٍ وامرأتين إلا أنَّ في مقابل ذلك ورد ما يقتضي عدم ثبوت الرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين وأنَّه لا يثبت الرجم إلا بشهادة أربعة رجالٍ ورد ذلك في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبداللّه (عليه السلام) أنه قال: "إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في الرجم، ولا تجوز شهادة النساء في القتل"(6).
فهذه الصحيحة معارِضة للصحيحتين ولا يُمكن الجمع العرفي بينها لذلك يتعيَّن الرجوع إلى مرجِّحات باب التعارض وهي تقتضي ترجيح الصحيحتين لموافقة صحيحة محمد بن مسلم لما عليه العامة من عدم صحة اعتماد شهادة النساء مطلقاً في الرجم والجلد كما أفاد ذلك السيد الخوئي(7) ولهذا حملها الشيخ الطوسي على التقية(8).
والمتحصَّل من ذلك هو أنَّه يثبت الزنا والرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين، وعليه يتعيَّن بمقتضى الصحيحتين تقييد الروايات التي أفادت أنَّ الزنا والرجم لا يثبتان إلا بشهادة أربعة رجال عدول، وهل يثبت الزنا بشهادة رجلين وأربع نساء؟
هل يثبت الزنا بشهادة رجلين وأربع نساء:
المشهور بين الفقهاء(9) أنَّ شهادة رجلين وأربع نساء يثبت الزنا ويترتب عليه حدُّ الجلد دون الرجم بمعنى أنَّه لو شهد رجلان وأربع نساء على أحدٍ بالزنا فإنَّه لا يُرجم وإنْ كان محصناً ولكنَّه يُجلد حدَّ الزاني، والمستند في ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام): "أنَّه سئل عن رجلٍ محصن فجر بامرأة، فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان، وجب عليه الرجم، وإنْ شهد عليه رجلان وأربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا يُرجم ولكنّ يضرب حدّ الزاني"(10) ومعنى قوله (ع):" فلا تجوز شهادتهم" هو أنَّ شهادتهم لا يثبت بها حدُّ الرجم على المحصن ولكنها تُثبت الزنا ويترتَّب عليها وجوب الجلد بقرينة قوله (ع): "ولكنّ يضرب حدّ الزاني" إذ لا مُوجب ولا مُصحِّح لضربه حدَّ الزاني لو لم تكن شهادة الرجلين والاربع نساء مُثبتة للزنا.
وأمَّا صحيحة الحلبي الأولى وكذلك صحيحة عبد الله بن سنان فهما تنفيان ثبوت الرجم بشهادة رجلين وأربع نساء ولا تنفيان ثبوت الزنا وحدِّ الجلد، ولهذا فهما لا تعارضان صحيحة الحلبي الثانية بل إنَّهما مشعرتان بما يُوافق صحيحة الحلبي الثانية وهي صالحة لشرح المراد من الصحيحتين.
هذا وقد نُسب للصدوقين وأبي الصلاح والعلامة في المختلف(11) البناء على عدم ثبوت الزنا ومطلق الحدِّ بشهادة رجلين وأربع نساء تمسُّكاً بالأصل إلا أنَّ الصحيح هو أنَّه لا يُصار إلى التمسُّك بالأصل بعد قيام الدليل على صلاحية شهادة الرجلين والأربع نساء لإثبات الزنا وحد الجلد.
ومن ذلك يتَّضح الجواب عمَّا أفاده العلامة في المختلف(12) لتأييد ما بنى عليه من عدم ثبوت الزنا والجلد بشهادة الرجلين وأربع نساء فقد أفاد بأنَّه إذا ثبت الزنا بشهادتهم ثبت الرجم، إذ أنَّ الزاني المُحصن حكمه الرجم إجماعاً، فنفي الرجم معناه عدم ثبوت الزنا بشهادتهم إلا أنَّ ذلك لا يتمُّ بعد أن دلَّت الصحيحة على ثبوت الزنا وترتُّب حدِّ الجلد بشهادتهم، فالصحيحة بنفسها تدلُّ على نفي الملازمة وأنَّه قد يثبتُ الزنا شرعاً ولا يثبت حدُّ الرجم وأنَّ الحكم المجعول شرعاً في هذا الفرض هو حدُّ الجلد.
هل يثبت الزنا بشهادة رجل وست نساء:
هذا وقد نُسب إلى الشيخ الطوسي في الخلاف(13) أنَّ الزنا يثبت كذلك بشهادة رجلٍ واحدٍ وست نساء ويترتَّب على هذه الشهادة الجلد دون الرجم حتى للمُحصن، والظاهر أنَّ الوجه فيما أفاده هو البناء على أنَّ شهادة امرأتين تقوم مقام شهادة رجلٍ واحدٍ، ولهذا تكون شهادة ستِّ نساء تقوم مقام شهادة ثلاثة رجال.
وأجاب السيد الخوئي رحمه الله(14) أنَّه لا دليل على قيام شهادة امرأتين مقام شهادة رجلٍ واحد مطلقاً، نعم قام الدليل على قيام شهادة أربع نساء مقام شهادة رجلين وكذلك قيام شهادة امرأتين مقام شهادة رجل واحد إذا شهد معهما على الزنا ثلاثة رجال، وما زاد على ذلك لم يقم الدليل عليه، ولهذا لا يصحُّ التعدِّي من مقدار ما يقتضيه الدليل وإلا لو صحَّ ذلك لأمكن البناء على قيام شهادة ثمان نساء مقام أربعة رجال، ولا يلتزم بذلك من أحد. لعدم قيام الدليل على وجود قاعدة كليَّة مفادها قيام شهادة امرأتين مقام شهادة رجلٍ واحدٍ مطلقاً ولهذا يتعيَّن الاقتصار على مقدار ما فرضه الدليل دون التعدِّي إلى ما زاد عليه من فروض.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
23 / جمادى الآخرة / 1446م
26 / ديسمبر / 2024م
1- سورة النور / 4.
2- سورة النور / 6.
3- الكافي -الكليني- ج7 / ص183، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج28 / ص95.
4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص351.
5- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص354.
6- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص358.
7- القضاء والشهادات -السيد الخوئي- ج1 / ص326، 327.
8- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج41 / ص157.
9- رياض المسائل -السيد علي الطبأطبائي- ج13 / ص438.
10- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 28 / ص132.
11- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج41 / ص156.
12- مختلف الشيعة -العلامة الحلي- ج8 / ص472.
13- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج41 / ص158.
14- القضاء والشهادات -السيد الخوئي- ج1 / ص329.