القاعدة في شهادة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
ما هي القاعدة في شهادة النساء هل هي قيام شهادة امرأتين مقام شهادة رجل واحد في مطلق الشؤون؟
الجواب:
أفاد السيد الخوئي (رحمه الله)(1) أنَّه قد يدَّعى قيام شهادة امرأتين في الحجيَّة مقام شهادة رجلٍ واحد مطلقاً في مختلف الشؤون إلا ما قام الدليل الخاص على عدم حجيَّة شهادة المرأة في هذا المورد أو ذاك، ففي كلِّ مورد لم يقم الدليل الخاص على عدم حجيَّة شهادة المرأة تكون القاعدة مقتضية لحجيَّة شهادة المرأة وقيام شهادة امرأتين مقام شهادة رجلٍ واحد، قد يدَّعى ذلك فيقع الكلام في دليل هذه الدعوى والبحث في ذلك يقع أولاً في المقتضي وأنَّه هل يوجد في الأدلَّة ما يقتضي حجية شهادة المرأة في مطلق الشؤون وأنَّ شهادة امرأتين تقوم مقام شهادة رجلٍ واحد، ويقع البحث ثانياً عن وجود المانع لو فُرض وجود ما يقتضي حجيَّة شهادة المرأة في مطلق الشؤون.
أمَّا البحث في المقتضي فقد استُدل عليه بوجوه:
الوجه الأول: قوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾(2).
وتقريب الاستدلال بالآية الشريفة أنَّ موردها وإنْ كان هو الدين إلا أنَّه لا خصوصية للمورد، ولهذا يصحُّ التمسُّك بالآية -بعد إلغاء خصوصيَّة المورد- لإثبات حجيَّة شهادة المرأة في مطلق الموارد وأنَّ شهادة امرأتين تقوم مقام شهادة رجلٍ واحد.
وأُجيب عن ذلك بأنَّ الاستدلال بالآية على الإطلاق لا يتمُّ إلا مع الجزم بعدم خصوصيَّة مورد الآية وهو غير متاح، إذ من المُحتمل أنَّ جعل الحجيَّة لشهادة المرأة في الدين هو أنَّ الدين ليس شأنه في الخطورة كالكثير من الحقوق وكذلك الجنايات المستوجبة للحدود أو التعزيرات أو القصاص أو الديات أو الضمان.
وبتعبير آخر: أنَّ من غير المُحرز ما هو ملاك جعل الحجيَّة لشهادة المرأة في الدين وهو ما يمنع من إمكان التعدِّي منه إلى غيره. فإلغاء خصوصيَّة المورد لا يتمُّ إلا مع الجزم بأنَّ المورد لا دخل له في جعل الحجيَّة.
وأُجيب ثانياً: بأنَّ استظهار الإلغاء لخصوصيَّة مورد الآية يمنع عنه ما نصَّت عليه صحيحة داود بن الحصين عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن إذا كانت المرأة منكرة، فقال: لا بأس به إلى أن قال: وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الانكار، ولا يجيز في الطلاق إلاّ شاهدين عادلين، فقلت: فانَّى ذكر اللّه تعالى قوله: ﴿فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾؟ فقال: ذلك في الدين، إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان .."(3) فظاهر الرواية هو أنَّ الآية خاصة بموردها وهو الدين.
الوجه الثاني: الاستدلال بمرسلة يُونُسَ عَمَّنْ رَوَاه قَالَ اسْتِخْرَاجُ الْحُقُوقِ بِأَرْبَعَةِ وُجُوه بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتَانِ فَإِنْ لَمْ تَكُنِ امْرَأَتَانِ .."(4).
وأجيب عن الاستدلال بالرواية بأنَّها وإن كانت ظاهرة في حجيَّة شهادة المرأة مطلقاً وأن شهادة امرأتين تقوم مقام شهادة رجل واحدٍ مطلقاً إلا أنَّ الرواية غير قابلة للاعتماد نظراً لضعفها بالإرسال. مضافاً إلى الجهل بمن يروي عنه الراوي ليونس فلا يُحرز انتهاؤها إلى المعصوم (ع).
الوجه الثالث: أنَّ جميع الحقوق تثبتُ بشهادة رجلٍ واحد ويمين المدَّعي ومن الواضح أنَّ شهادة رجلٍ وامرأتين إن لم تكن أدلَّ على المدَّعى من شهادة رجل ويمين المدَّعي فهي لا تقلُّ دلالة عنه فبتنقيح المناط نستكشف من جعل الحجيَّة لشهادة رجلٍ ويمين المدَّعي في جميع الحقوق أن الحجيَّة ثابتة لشهادة رجلٍ وامرأتين في جميع الحقوق.
وأجاب السيد الخوئي(5) عن هذا الوجه بأنَّ المشهور لا يقولون بحجية شهادة رجل ويمين المدَّعي في مطلق الحقوق وإنَّما يخصُّون الحجيَّة لذلك بالأموال، على أنَّ من غير المُحرَز كون المناط المذكور هو المناط محضاً لجعل الحجيَّة لشهادة رجلٍ ويمين المدَّعي ولهذا يكون التعدِّي من جعل الحجيَّة لشهادة رجلٍ ويمين إلى شهادة رجلٍ وامرأتين من القياس المحظور.
وبما ذكرناه يتبيَّن أنَّه لا مقتضي للبناء على حجيَّة شهادة المرأة وقيام شهادة امرأتين مقام شهادة رجلٍ واحد مطلقاً وعليه فالمرجع هو ما يقتضيه الأصل من عدم الحجيَّة في كلِّ مورد لم يقم الدليل الخاص على قيام شهادة امرأتين مقام شهادة الرجل، ثم أنَّه لو بني على تمامية الوجوه المذكورة أو بعضها فكان المقتضي -لقيام شهادة امرأتين مقام شهادة رجل واحد مطلقاً- موجوداً فإنَّه يتعين البحث قبل البناء على ذلك عن وجود المانع أو عدمه، وقيل إنَّ المانع من إطلاق الحجيَّة لشهادة المرأة موجود، وهي رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السلام): أنَّه كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق، ولا نكاح، ولا في حدود إلا في الديون، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه"(6).
والرواية ظاهرة في عدم حجيَّة شهادة المرأة مطلقاً حتى في فرض انضمامها إلى شهادة الرجل، والقرينة على أنَّ مفروض الرواية هو ما يشمل الشهادة المنضمة إلى شهادة الرجل هو استثناء الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه فكل ما عدا هذين الموردين لا تكون فيها شهادة النساء نافذة وحيث إنَّ من الواضح أن قبول شهادة النساء في الديون إنَّما هو في فرض الانضمام مع شهادة الرجال -كما هو مفاد آية الدين- فهذا يقتضي استظهار أن المستثنى منه يشمل شهادة النساء وحدهن أو منضمات إلى الرجال. أي أن المستظهر بهذه القرينة أن معنى قوله (ع): شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود هو أنَّها لا تجوز شهادتهن وحدهن أو منضمات ثم إنَّه بقرينة الاستثناء وإخراج الديون وما لا يستطيع الرجل النظر إليه نستظهر أنَّ ذكر الموارد الثلاثة في المستثنى منه إنَّما هو للمثال وأن المستثنى منه هو مطلق الموارد عدا الديون وما لا يستطيع الرجل النظر إليه.
وعلى أيِّ تقدير فيكفي للبناء على عدم حجيَّة شهادة المرأة مطلقاً إلا في الموارد المنصوصة هو عدم المقتضي فيكون المرجع في غير الموارد المنصوصة هو أصالة عدم الحجيَّة.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
26 / جمادى الثانية / 1446ه
27 / ديسمير / 2024م
1- المعتمد في القضاء والشهادات والحدود ص348.
2- سورة البقرة / 282.
3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص360.
4- الكافي -الكليني- ج 7 / ص416، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص242.
5- المعتمد في القضاء والشهادات والحدود ص349.
6- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص363.