شهادة النساء في الحدود والقتل

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل تُقبل شهادة النساء في الحدود؟

الجواب:

شهادة النساء في الحدود:

المشهور هو عدم نفوذ شهادة النساء في الحدود إلا ما استُثني وهو الزنا -على تفصيلٍ مذكور في محلِّه- وفيما عدا ذلك لا تكون شهادتهنَّ نافذة منضمَّاتٍ أو منفردات، ونُسب إلى ابن زهرة الحلبي صاحب الغنية رحمه الله دعوى عدم الخلاف في ذلك وصرَّح -كما في المستند(1)- بعضُ متأخِّري المتأخرين الاتِّفاق على عدم نفوذ شهادة النساء في الحدود إلا ما استُثني.

ويُمكن الاستدلال لذلك بمثل معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: "لا تجوز شهادةُ النساء في الحدود، ولا في القوَد"(2).

وصحيحة جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ومُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قُلْنَا: أتَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ فَقَالَ: فِي الْقَتْلِ وَحْدَه، إِنَّ عَلِيّاً (ع) كَانَ يَقُولُ: "لَا يَبْطُلُ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ"(3).

إلا أنَّه في مقابل هذه الرواية أورد الشيخُ الطوسي في التهذيب بسندٍ معتبر عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها إلا امرأة تجوز شهادتها قال: تجوز شهادةُ النساء في العُذْرة والمنفوس، وقال: "تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجل"(4).

وبناءً عليه يكون مقتضى الجمع العرفي بين مثل معتبرة غياث وصحيحة عبد الرحمن هو نفوذ شهادة النساء منضمَّات إلى الرجال وعدم نفوذها إذا كنَّ منفردات إلا أنَّ السيِّد الخوئي(5) أورد على ذلك بأنَّه لا تصلُ النوبة للجمع بين الروايتين، وذلك لأنَّ صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ساقطة عن الاعتبار لكونها شاذَّة حيث لم يعمل بها من أحدٍ، هذا مضافاً إلى أنَّ الذيل المذكور وهو قوله: "تجوزُ شهادة النساء في الحدود مع الرجل" لم يثبت، فقد روى الشيخ في التهذيب ذات الرواية -ظاهراً- عن أبان عن عبد الله بن سنان(6) أو عبد الله بن سليمان كما في الاستبصار(7) بدون هذا الذيل، ومن المستبعَد أنْ يروي أبان ذاتَ الرواية مرَّة عن عبد الرحمن مع زيادة الذيل المذكور، ويرويها مرَّة أخرى عن عبد الله بن سنان دون الذيل المذكور، وعليه فمن غير المُحرَز وجود هذه الزيادة في الرواية خصوصاً وأنَّ الشيخ الكليني أوردها بسندٍ معتبر عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله الكافي(8) بدون الزيادة المذكور. وعلى أيِّ تقدير يكفي لسقوط الرواية عن الاعتبار أنَّها شاذَّة حيث لم يعمل بمفادها من أحد.

شهادة النساء في القتل:

وأمَّا شهادة النساء في القتل فقد ورد في صحيحة جميل المتقدِّمة أنَّ شهادتهنَّ جائزة في القتل كي: "لَا يَبْطُلُ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ" إلا أنَّ في مقابل هذه الرواية ورد ما ينفي نفوذ شهادة النساء في القتل، وهي صحيحة ربعي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "لا تجوزُ شهادةُ النساء في القتل"(9).

فبين الروايتين تباينٌ تام، ولهذا فالتعارض بينهما مستحكِم لولا ما ورد في معتبرة غياث بن إبراهيم عن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه عن عليٍّ (عليهم السلام) قال: "لا تجوز شهادةُ النساء في الحدود، ولا في القوَد"(10) فإنَّها صالحةٌ لأنْ تكون شاهدَ جمعٍ بين الصحيحتين فيُحمل ما ورد في صحيحة ربعي مِن نفي الجواز لشهادة النساء في القتل على القوَد والقصاص أي أنَّه لا يثبت بشهادة النساء قصاص، ويُحمل ما ورد في صحيحة جميل مِن جواز شهادة النساء في القتل على ثبوت القتل بشهادتهن بما يترتَّب عليه الدية، وبذلك تنقلبُ النسبة من التباين بين الصحيحتين إلى العموم والخصوص، فيكون مفادُ صحيحة ربعي لا تجوز شهادة النساء في القتل إلا بما يُثبت الدية دون القصاص، ويكون مفاد صحيحة جميل تجوز شهادة النساء في القتل بما يثبت الدية دون قوَدٍ وقصاص، أو يقال لا تجوز شهادة النساء في القتل بما يُوجب القصاص، وتجوز شهادتهن في القتل بما يثبت الدية. فصحيحة ربعي بعد تقييدها بمعتبرة غياث تكون نسبتها إلى صحيحة جميل نسبة المقيِّد إلى المطلق. وكذلك تكون نسبة صحيحة جميل -بعد تقييدها بمعتبرة غياث- إلى صحيحة ربعي نسبة المقيد إلى المطلق.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

27 / جمادى الآخرة / 1446ه

29 / ديسمبر / 2024م

 


1- مستند الشيعة -النراقي- ج18 / ص278.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 27 / ص358.

3- الكافي -الكليني- ج7 / ص390، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 27 / ص350.

4- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج6 / ص270، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 27 / ص356.

5- مباني تكملة المنهاج -السيد الخوئي- ج41 / ص151.

6- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج6 / ص270.

7- الاستبصار -الطوسي- ج3 / ص31.

8- الكافي -الكليني- ج7 / ص392.

9- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص358.

10 -وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص358.