شهادة النساء في إثبات النكاح
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
هل تُقبل شهادة النساء في إثبات النكاح كما لو أنكر الوارث زوجيَّة هندٍ لزيد فهل تُقبل شهادة النسأء في إثبات الزوجيِّة؟
الجواب:
اختلف الفقهاءُ في إثبات النكاح بشهادة النساء، فنُسب -كما في المستند(1)- إلى الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ الطوسي في الخلاف والديلمي في المراسم، وابن حمزة في الوسيلة والحلي في السرائر وظاهر التحرير للعلامة القول بالمنع مطلقاً وفي المقابل نُسب -كما في المستند(2)- إلى العماني والإسكافي والصدوقين والحلبي والتهذيبين والمبسوط وابن زهرة والشرائع والإرشاد والقواعد والإيضاح والدروس وغيرهم من المتأخرين بل الأكثر كما عن المسالك القبول لشهادة النساء في إثبات النكاح إذا كان معهنَّ رجل.
وأمَّا الروايات المتصدِّية لبيان الحكم في ذلك فهي على ثلاث طوائف أو أربع:
الطائفة الأول: مفادها المنع من قبول شهادة النساء مطلقاً سواءً كنَّ منفردات أو منضمَّات إلى الرجل، والظاهر أنَّ هذه الطائفة منحصرة في رواية السكوني عن جعفر، عن أبيه عن علي (عليه السلام): أنّه كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق، ولا نكاح، ولا في حدود، إلّا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه"(3) وهي ظاهرة -كما هو واضح- في عدم جواز ونفوذ شهادة النساء مطلقاً سواءً كنَّ منفردات أو كنَّ منضمَّات إلى رجل.
الطائفة الثانية: مفادها جواز ونفوذ شهادة النساء مطلقاً وقد وردت في ذلك عدَّة روايات:
منها: صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال عليٌ (عليه السلام) شهادة النساء تجوز في النكاح ولا تجوز في الطلاق"(4).
ومنها: رواية زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنْ شَهَادَةِ النِّسَاءِ تَجُوزُ فِي النِّكَاحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، ولَا تَجُوزُ فِي الطَّلَاقِ"(5).
ودلالة هاتين الروايتين على جواز ونفوذ شهادة النساء في إثبات النكاح مطلقاً ظاهرةٌ، وبناءً عليه يكون التعارض بين الطائفتين مستحكم لولا الطائفة الثالثة التي تصلح أنْ تكون شاهد جمعٍ بين الطائفتين.
الطائفة الثالثة: مفادها جواز ونفوذ شهادة النساء إذا انضمَّ إليها الرجل، وقد دلَّت على ذلك العديدُ من الروايات:
منها: صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّه سُئِلَ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ؟ فَقَالَ: تَجُوزُ إِذَا كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ .."(6).
ومنها: معتبرة مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ: قُلْتُ لَه تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ فِي رَجْمٍ؟ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَيْه ولَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ وتَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِي النِّكَاحِ إِذَا كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ .."(7).
فهذه الطائفة من الروايات تصلح لتقييد الإطلاق لكلٍّ من الطائفتين الأولى والثانية، لذلك فهي شاهد جمعٍ بين الطائفتين، فمفاد الجمع العرفي بين الطائفة الثالثة والأولى هو أنَّه لا تجوز شهادة النساء إلا أنْ يكون معهنَّ رجل، ومفاد الجمع العرفي بين الطائفة الثانية والثالثة هو أنَّه تجوز شهادة النساء في إثبات النكاح إذا كان معهنَّ رجل.
والمتحصَّل ممَّا ذكرناه هو جواز ونفوذ شهادة النساء في إثبات النكاح إذا كان معهنَّ رجل، ولا تجوز شهادتهنَّ إذا كنَّ منفردات، فهذا هو حاصل الجمع بين الطوائف الثلاث، إلا أنَّ هنا رواية -يمكن عدُّها طائفة رابعة- نصَّت على جواز شهادة النساء في النكاح منفردات، وهي معتبرة داود بن حصين عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهنّ إذا كانت المرأة منكرة فقال: لا بأس به إلى أن قال: وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار، ولا يجيز في الطلاق إلّا شاهدين عدلين"(8).
فالرواية صريحة في نفوذ شهادة النساء منفردات في إثبات النكاح، وهي معتبرة من حيثُ السند إلا أنَّ السيِّد الخوئي(9) رحمه الله وصفها بالشاذَّة، وأفاد أنَّه لم يعمل بها من أحد، ولذلك فهي فاقدة للحجيَّة في نفسِها، ومع التنزُّل فإنَّها تكون معارضة لمفهوم صحيحة الحلبي ومفهوم معتبرة محمد بن الفضيل، ولهذا يكون المرجع بعد التساقط هو عموم ما دلَّ على حجيَّة شهادة النساء فيما لم يقم الدليل الخاص على حجيَّتها، وحيث لا دليل على حجيَّة شهادة النساء منفردات بعد سقوط معتبرة داود بالتعارض فالنتيجة هي أنَّ حجيَّة شهادة النساء في إثبات النكاح تختصُّ بما إذا كان معهنَّ رجل كما هو مقتضى منطوق صحيحة الحلبي ومعتبرة محمد بن الفضيل.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
4 / رجب / 1446ه
5 / يناير / 2025م
1- مستند الشيعة -النراقي- ج18 / ص289.
2- مستند الشيعة -النراقي- ج18 / ص289.
3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص363.
4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص357.
5- الكافي -الكليني- ج7 / ص391، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص354.
6- الكافي -الكليني- ج7 / ص390، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص351.
7- الكافي -الكافي- الكليني- ج7 / ص391، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص352.
8- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص360.
9- مباني تكملة المنهاج -السيد الخوئي- ج41 / ص154.